البحث

التفاصيل

يوم الأسير ومعركة الأمعاء الخاوية

 في ذكرى يوم الأسير لهذا العام يخط أسرانا الأشاوس في زنازين القهر والظلم سطوراً من نور في صفحات بطولية جديدة من سجل العزة والمجد لشعبنا ولقضيتنا العادلة ، فقد أعلن أكثر من ألف وخمسمائة أسير فلسطيني داخل معتقلات الاحتلال الغاشم الإضراب عن الطعام في معركة الأمعاء الخاوية حتى تحقيق مطالبهم المشروعة ، غير مبالين بتهديدات إدارات السجون وإجراءاتها الظالمة بحقهم ، وهكذا كانوا دوماً فانتصروا في كل مرة ، فكم قهروا سجانهم بصمودهم المتواصل ومواقفهم الثابتة وعزيمتهم التي لا تنثني ، وإرادتهم التي لا تلين .
والمطلوب من جميع أبناء شعبنا الفلسطيني وفصائل العمل الوطني مؤازرتهم الكاملة ومساندتهم في معركة حريتهم وكرامتهم حتى تحقيق مطالبهم ، ولعل أبرز إنجازات هذا الإضراب الفورية أنه حقق الوحدة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية في ظرف نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة الشاملة لمواجهة التحديات الخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية ؛ ليس في القرارات فقط ، بل في الاستراتيجية والعمل أيضاً ، وهذا يتطلب إسناداً شعبياً ورسمياً واسعاً على مختلف المستويات لهم ، فقد شاركت في هذا الإضراب كافة فصائل العمل الوطني على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية ، كما عودونا وعلمونا في كل إضراباتهم السابقة الفردية والجماعية ، فسلطات الاحتلال لا تميز بين فصيل وفصيل لدى تنفيذ حملات الاعتقال المكثفة ضد الفلسطينيين ، فهم جميعاً عندها مستهدفون لأنهم فلسطينيون .
يلجأ أسرانا الأماجد إلى سلاحهم الوحيد بالإضراب عن الطعام لإسماع صوتهم إلى العالم الذي يغض الطرف عن انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الأسرى الفلسطينيين ، يدخلون مضطرين هذه المعركة الخطيرة على حياتهم لإيصال قضيتهم العادلة إلى المجتمع الدولي الذي عجزت تشريعاته ومواثيقه واتفاقياته المجمع عليها عن حماية أبسط حقوقهم في سجون الاحتلال ، وعجزت كذلك عن منع ممارساته الغاشمة ضدهم بأبشع صور التعذيب النفسي والجسدي بما في ذلك سلبهم الحقوق التي اكتسبوها بنضالهم المتواصل وتضحياتهم الغالية على مر العقود الماضية . لذلك فإن هذا المجتمع الدولي وهيئاته العديدة ومنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني مطالبة بالضغط على سلطات الاحتلال للإفراج عن هؤلاء الأسرى المنسيين ، واتباع الأساليب التي تفضح الإجراءات اللاإنسانية ضدهم ، وتكشف عن معاناتهم وتحيي قضيتهم العادلة وتساعدهم في نيل حقوقهم .
أما نحن ؛ فإن أسرانا ـ الذين اختطفتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلية من بيوتهم أو من على مقاعد دراستهم أو أماكن عملهم ـ هم طليعتنا المتقدمة ؛ فقد اعتُقلوا وهم يدافعون عن مقدساتنا وكرامتنا وشرفنا ، وكما يقدم الشهيد روحه التي هي أغلى ما يملك في سبيل دينه ؛ فكذلك الأسير الذي يزج به الاحتلال في أقبية الظلم والقهر يقدم حريته في سبيل عقيدته ووطنه وقضيته ، وهو يضع بذلك مسؤولية عظيمة على عاتق الأمة كلها علماء وحكاماً وشعوباً ؛ وهي مسؤولية تخليصه من براثن الاحتلال وإنقاذه من الأسر ، أما إذا لم يَتَسَنَّ لهم ذلك فتجب عليهم مناصرته في مطالبته بحقوقه لأنه يقدم أغلى التضحيات ليس في سبيل نفسه أو أسرته وأهله فقط وإنما في سبيل أمته ، فنصرته والتضامن معه بكل الصو واجب مفروض على أبناء أمته تماماً كفرضية الجهاد ، قال تعالى { وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ } الأنفال 72 .
ومن حق الأسير على أبناء أمته أيضاً أن يتولوا العناية بأسرته وأهله في غيابه بزيارتهم ورعايتهم ؛ وتكريمهم وتقديم الدعم المعنوي والمادي لهم ومواساتهم في مشاعرهم وآلامهم ، ومد يد العون إليهم وقضاء حوائجهم ، قال صلى الله عليه وسلم { من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا } رواه مسلم .
إنه لا عذر لنا في ترك أسرانا الأبطال وحدهم في هذه المعركة العادلة المشروعة معركة الأمعاء الخاوية ، ولا يُقبل منا أن ننعم بالحرية وهم أسرى أو نرضى بالسلامة في الوقت الذي يتعرضون فيه للخطر الحقيقي على حياتهم ، ومن يتخلف عن مؤازرتهم أو يتخاذل عن تأييد مطالبهم أو يقعد عن مساندتهم فهو آثم كإثم المتخلف عن المعركة والمتولي يوم الزحف ، قال تعالى { لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيماً } النساء 95 ، فهم لا يزالون يتعرضون للضغط النفسي الذي تمارسه عليهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم ؛ إضافة لما تقوم به من قهر وقمع في السجون ؛ لتنال من عزيمتهم ولتثنيهم عن الصمود والثبات في معركتهم ؛ فارتكبت ضدهم مخالفات صريحة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية ، ومارست بحقهم إجراءات خطيرة تمثل تهديداً خطيراً وجدياً لحياتهم ، لذا فهي تتحمل المسؤولية الكاملة عن أي إضرار بهم أو مساس بحياتهم ؛ فمن يقضى نحبه منهم في هذه المعركة كان كمن يستشهد في ساحات الوغى لأنه قتل مظلوماً ، وهي القاتل الحقيقي لهؤلاء الشهداء ؛ تضيف بذلك جريمة حرب جديدة إلى سلسلة جرائمها التي تستحق الملاحقة القضائية والمحاكمة الدولية عليها .
فأسرى الحرية يخوضون ضد ظلم السجان المحتل معركة الحرية والكرامة ؛ وأداتها الإضراب عن الطعام الذي تحميه القوانين والمعاهدات الدولية ؛ وتنظم إجراءاته بما يضمن سلامة الأسرى والحفاظ على حياتهم كتوفير السوائل لهم والحليب والملح ، وهو جائز شرعاً بل مدحه رب العالمين ورتب عليه أجر العمل الصالح قال تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } براءة 120 ، فهو الأداة الفعالة والأكثر تأثيراً على سلطات الاحتلال ، وهو من أنواع الجهاد المشروع ؛ والجهاد مفهوم واسع وكلمة جامعة تشمل كل صور السعي وبذل الجهد والكفاح ؛ واتّباع كل الوسائل المشروعة في سبيل تحقيق الأهداف النبيلة التي يسعى إليها ، وعرفه العلماء بأنه بذل الوسع في مدافعة العدو باليد أَو المال أو اللسان أو بالرأي والتدبير فيما فيه نفع ؛ وبكل ما يُطيق من الوسائل الممكنة والأدوات المتاحة .
فالأولى بالأمة كلها وبالأخص الفلسطينيين أن يبذلوا كل الجهود الممكنة لتخليص الأسرى من سجون الأعداء ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ؛ التزاماً بقوله صلى الله عليه وسلم { أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني } رواه البخاري ؛ والعاني هو الأسير ، وهذا ما أجمع عليه علماء الأمة أنه إذا وقع في يد العدو أسير أو ذمي أن يعمل المسلمون جميعاً من أهل المشرق والمغرب على استعادة حريته بكل الطرق الممكنة ؛ أو افتدائه بأموالهم وإن نفدت ولم يبق منها درهم واحد ؛ فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . يقول علماء المالكية أنه يجب استنقاذ الأسرى وتخليصهم من يد العدو بالقتال ؛ فإن عجز المسلمون عنه وجب عليهم الفداء بالمال ، فيجب على الغني فداء نفسه وعلى الإمام فداء الفقراء من بيت المال ؛ فما نقص تعيّن في جميع أموال المسلمين ولو أتى عليها ، ومن العلماء من يرى أن فداء الأسرى يكون في أموال الزكاة ؛ باعتبار الأسير إما ممن يجاهد في سبيل الله وإما من الرقاب وإما من أبناء السبيل .
إن هؤلاء الأسرى المجاهدون يطالبون بأبسط حقوق الإنسان داخل المعتقلات والسجون والزنازين ، فهم لا يطالبون بالرفاهية ولا ينشدونها ، ونحن ندعو الله عز وجل أن يؤيدهم بنصره في نيل هذه الحقوق ، وندعوه أيضاً ان يعجل بالفرج لهم فينالوا حريتهم الكاملة ، ويعودوا إلى حياتهم وذويهم .
ولْنعلم ْأن العمل على الإفراج عن أسرانا البواسل من أهم الثوابت الوطنية لقضيتنا العادلة ، فإن إنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة وذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس لا يتم إلا بسواعدهم وسواعد أبناء شعبنا .


: الأوسمة



السابق
ما جنته الحضارة الحديثة على بني الإنسان !

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع