البحث

التفاصيل

إشكاليات على طريق الفهم الصحيح للجهاد

حيث ذكر بعض أهل العلم أنها نسخت كل الآيات السابقة ، وجعلت السيف هو الفيصل بين المسلمين وغيرهم ، ويجاب على هذا بأن آية السيف لم يتفق عليها ، فمن الناس من قال هي آية " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " وهذه ليس فيها نسخ بل فيها دعوة للمعاملة بالمثل، وقال آخرون هي آية " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم " وهذه الآية نزلت في مشركي العرب الذين نكثوا العهود ولا دليل فيها على قتال من وفي بعده ، فقبل هذه الآية جاء قوله : " إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلي مدتهم " وبعدها جاء قوله " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " وقوله " فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم " . ومنهم من قال آية السيف " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " فهؤلاء وقفوا ضد الدعوة، وصدوا الدعاة وتآمروا على المسلمين فحق قتالهم وليس فيها دليل على قتال من لم يقاتل المسلمين أو يصد عن سبيل الله من الكفار.

•حديث (بعثت بالسيف)

أما حديث "بعثت بالسيف-بين يدي الساعة- حتى يعبد الله وحده" فإنه ضعيف سنداً ومتناً ، أما من ناحية السند: فمداره على عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقد اختلف الأئمة في توثيقه، وتجريحه، والمجرحون له أكثر، وهم من أمثال الإمام أحمد الذي قال: أحاديثه مناكير، والإمام يحيي بن معين الذي ضعفه، والإمام النسائي وغيرهم. 

وحتى الذين وثقوه: لم يوثقوه بإطلاق. بل منهم من قال: ليس به بأس، 

وإذا غضضنا الطرف عن السند، ونظرنا في متن الحديث ومضمونه، وجدناه: مخالفاً مخالفة صريحة للقرآن، الذي لم يقرر في آية واحدة من آياته بأن الله بعث محمداً بالسيف، بل أرسله بالهدى ودين الحق، وبالبينات والشفاء والرحمة للعالمين وللمؤمنين. 

وهذا ثابت بوضوح في القرآن المكي، وفي القرآن المدني، على سواء. 

يقول تعالي في سورة الأنبياء، وهي مكية: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) 

ولو بعث الرسول بالسيف: لظهر ذلك طوال ثلاثة عشر عاماً، قضاها في مكة، وأصحابه يأتون إليه بين مضروب ومشجوج ومعتدى عليه، يستأذنونه في أن يدافعوا عن أنفسهم بالسلاح، فيقول لهم: كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة. حتى هاجروا إلي المدينة، فأذن الله لهم: أن يدافعوا عن أنفسهم وحرماتهم ودعوتهم. 

والخلاصة: أن هذا الحديث سواء نظرنا إلى إسناده أم نظرنا إلى متنه، فهو مرجوح في ضوء موازين العلم وقواعده الضابطة. 

•حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله الله ...الحديث) 

فإن شراح الحديث أفادوا بأنه ليس المقصود هنا بالناس كل الناس وإنما هم جماعة من البشر وهو المعنى المستخدم في بعض آيات القرآن كقوله (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا) وهو سياق يستحيل فيه عمليا أن تستقبل كلمة الناس باعتبارها كل خلق الله وثمة اتفاق بين جميع المسلمين على أن المراد بالناس في الحديث النبوي هم مشركو جزيرة العرب بوجه خاص لأن غيرهم من أهل الكتاب ومشركي غير العرب حكمهم يخالف ما جاء في الحديث.

•حديث (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو) 

إذا كان المراد مجال التفكير الداخلي للإنسان، فإنه لابد لكل مسلم غيور أن يداعب خياله ذلك الحلم العظيم الذي يلهب المشاعر ويؤججها وهو أن يلقى ربه شهيدا مع النبيين والصديقين غير أن الحديث لا يدين كل مسلم لا يقاتل في سبيل الله الأمر الذي قد تشتم منه رائحة التحريض التي يحاول البعض اصطيادها من السياق؛ ولكنه يدين من لم يراوده خاطر الغزو حتى وإن لم يقاتل الأول يتهم إيمانه لأنه تقاعس عن النداء والثاني يتهم في إيمانه، لأنه بإسقاطه الأمر من وعيه كلية يبرهن أنه على غير استعداد للتضحية دفاعا عن عقيدته وذلك لا يعد تحريضا ولا تهييجا ولكنه نوع من التربية السامية التي تغرس في أعماق المسلم قيم الفداء والتضحية وبذل النفس والنفيس دفاعا عن دينه.

•حديث الجنة تحت ظلال السيوف

فإن المقصود بالحديث هنا الحض على الآخرة وليس التحريض يقول العسقلاني: في شرحه"أفاد الحض على الجهاد والإخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والاجتماع حتى الزحف حتى تصير السيوف تظلل المقاتلين كما ان الحديث لم يقل إن السيف طريق وحيد للجنة ولكنه أفاد الحض على الآخرة، ثم إن الحديث قيل في مناسبة التعبئة لمعركة ولعلها الأحزاب ومثله حديث ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) في إطار الحض على برِّهن، وقد علم أن أبواب الجنة ثمانية، ومنها باب الريان للصائمين لدلالة سعة رحمة الله تعالى، وتنوع أبواب الطاعات والصالحات .



: الأوسمة



التالي
مقومات الفكر الإسلامي
السابق
.. وبالوالدين إحسانا

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع