البحث

التفاصيل

"أراكان" الوجع المنسي

فى هذه التدوينة أتحدث عن مكان ما من العالم يصرخ مستغيثًا ببني الإسلام، بل ببني الإنسان، تكاد السماء من شدة صرخاته تنطبق على الأرض، غير أن هذه الصرخات يتجاهلها أولئك الذين يصمّون آذانهم وتنخرس ألسنتهم إن كانت فى طريقها إلى أن تنطق بحق لصالح مسلم، إنه إقليم "أراكان" الذي يقع في الجنوب الغربي لـ "بورما" على ساحل "خليج البنغال" والشريط الحدودي مع "بنجلاديش"، حيث تقدر مساحته بنحو 20 ألف ميل مربع، ويفصله عن "بورما" سلسلة جبال ممتدة من جبال "الهملايا".
 

ذلك الإقليم الذي ظل لمئات السنين إقليمًا إسلاميًّا مستقلًّا بذاته، فقد دخله الإسلام عن طريق التجار العرب في القرن السابع الهجري في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وتوالى على حكمه عشرات الملوك المسلمين حتى جاء عام 1784 حيث الاحتلال البوذي لهذا الإقليم المسلم وضمه إلى بورما -كما جاء فى موقع "الجالية الروهنجية الأراكانية المقيمة بالسعودية" الذي أستقي منه جل ما هو قادم من معلومات-.
 

منذ هذه اللحظات السوداء في تاريخ هذه البقعة من الأرض والمسلمون يتجرعون كاسات الذل، ويذوقون المرارات لا لشيء إلا لأنهم مسلمين، كل جريمتهم أنهم اعتقدوا أن الإسلام هو ذلك الدين الحق الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور، الدين الذي يمنحهم الحرية والمساواة والعدالة، كل ما اقترفوه من أخطاء هو أن ألسنتهم وقلوبهم شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
 

لك أن تتخيل يا صديقي أن الدولة البوذية هناك استبدلت أوراق المسلمين الرسمية القديمة ببطاقات جديدة تفيد بأنهم ليسوا مواطنين، وأنت كمسلم عليك أن تقبل بهذا الوضع، فالخيارات أمامك منعدمة، فإما أن تقبل وإما أن تُعذّب وتُقتل. في هذه البلاد لا يجوز لك أن تزور العاصمة أو مدينة أخرى، فهذه جريمة يعاقب عليها القانون، ولك أن تتخيل يا صديقي أن المسلمين في هذه المنطقة من العالم لا يمكن أن يستضيفوا أحدًا في بيوتهم -حتى لو كان أقرب الأقربين- إلا بإذن مسبق، وإن تخيل أحدهم أنه بإمكانه أن يمنح هذا الضيف حق المبيت ليلًا فالأمر غاية في الخطورة، وقد تكون عقوبته هدم المنزل والطرد خارج البلاد!
 

يحكي الشيخ محمد العريفى في إحدى خطبه عن قصة أبطالها عشرة دعاة من خطباء وأئمة المساجد في بورما، استقلوا حافلة وراحوا ينتشرون في القرى التي تقطنها الأغلبية المسلمة يذكّرون الناس بتعاليم دينهم ويحفّظون الأطفال القرآن الكريم، غير أن هذا الأمر لم يعجب البوذيون، فقرروا أن يعترضوا الحافلة، وأخرجوا الدعاة منها وأوسعوهم ضربًا مبرحًا، وأخذوا يعبثون بأجسادهم بالآلات الحادة حتى صاروا يربطون الداعية من لسانه بحبل حتى يقتلعون لسانه من فمه! وماتوا بهذه الطريقة واحدًا تلو الآخر!

غضب المسلمون وثاروا لمقتل أئمتهم ودعاتهم، فما كان من هؤلاء "الإرهابيين" إلا أن دمروا القرى الإسلامية واحدة تلو الأخرى، فأحرقوا المنازل وهجّروا الناس، يقول الشيخ العريفي: حتى صار عدد المنازل التي أحرقت نحو 2600 منزلًا، كل ذلك فقط لأنهم يدينون بالإسلام.

الحديث عن المجازر التي ترتكب ضد المسلمين في بورما لا ينتهي، ولعل أبرزها وأكثرها وحشية تلك التي حدثت في عام 1942 وراح ضحيتها 100 ألف مسلم أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ، غير مئات الآلاف ممن شردوا خارج الوطن.

الانتهاكات البوذية الممنهجة ضد المسلمين في بورما لا تتوقف يومًا واحدًا في غياب واضح لدور فعال للحكومات العربية والإسلامية التي لا تزال تغض الطرف عن هذه القضية، لتتجاهل بذلك معاناة إخوة لنا يصارعون الموت كل دقيقة، إخوة لنا ما زال الأمل يداعبهم، الأمل في أن شعوبًا إسلامية ستنصرهم وتُخلّصهم من هذا الطغيان، ستنصرهم ولكن وقت أن تنتصر هي لنفسها، وحتى ذلك الحين.. صبرًا آل أركان!


: الأوسمة



السابق
مسجون سياسي يقرأ سورة العنكبوت

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع