البحث

التفاصيل

هذه هي الإرهابية

الرابط المختصر :

تروي هبة عبد الجواد، وهي أم مصرية وواحدة من المدرجة أسماؤهم على قوائم الإرهاب الأخيرة في مصر، كيف أخبرت ابنها أنّها "إرهابية" في تصنيف النظام. تقول: "عرفت الخبر منذ الصباح، لكنّي لم أخبر أبنائي بذلك". تردف: "كلّ ما كنت أحاول فعله طوال السنوات الماضية أن أحميهم من تقلّبات هذا البلد، وما خرج إلى سطحه من سلوكيات سيئة وأنباء، كي لا يتأثروا سلباً بأيّ أزمات خاصة أو عامة".

في منتصف النهار نفسه، قال لها ابنها: "ماما، هل تعرفين ما الذي حدث؟ لقد أخبرني صديقي أنّ تحت منزلهم العديد من سيارات الأمن للقبض على إرهابي". فقالت: "لا تقل إرهابياً". فسألها: "ماذا إذاً؟ على من تقبض الدولة؟".

كانت الحكومة المصرية قد أصدرت يومها "قوائم إرهاب" طويلة تضم نحو 1500 اسم، من بينها نجم المنتخب المصري لكرة القدم والنادي الأهلي السابق محمد أبو تريكة، وعدد من قيادات النظام المصري المعزول، وأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، وشخصيات عامة معارضة للنظام الحالي.

كتبت عبد الجواد عبر حسابها الخاص على موقع "فيسبوك" حول تلك المواجهة: "صمتُّ فترة أحسستها دهراً أمام ابني... كنت أحاول البحث عن المدخل الذي سأشرح له من خلاله ما عليه أن يفهمه وما سيواجه به من هم حوله حين ينتشر الخبر". تستطرد: "ها هي لفظة إرهابي ينطق بها ببساطة الأطفال والفتية. مخيّلة جديدة تتشكل في عقولهم البريئة ليصبح من يتم القبض عليه بالضرورة إرهابياً في نظرهم. ربما لم يكن الطفل أو الفتى يعي حتى تلك اللحظة ما معنى إرهابي بالتحديد، أو ما هو شكله؟ أو ما الذي يفعله؟ لكنّه يعرف أنّه شخص يستحق أن تنال منه السلطات". تضيف عبد الجواد: "كان عليَّ أن أشرح له أن والدته - ووالده بسببها- ضمن مئات آخرين، جرى وصفهم بالإرهابيين بموجب حكم قضائي، وأنّ بطله المفضل محمد أبو تريكة هو أيضاً... إرهابي".

تشير إلى أمر استوقفها: "هذا المنهج الخفي يتسلل ببطء إلى جيل جديد سيكبر على ألفاظ ومعانٍ وأشياء سيعتبرها ثابتة.. سيكبر على أنّ إسرائيل وفلسطين دولتان متجاورتان... سيكبر على أنّ الشرطة تقبض على الإرهابيين وليس اللصوص والفاسدين... ستتشكل مخيلته من دون وعي، على صور ذهنية من التكرار في دروس الجغرافيا والتاريخ واللغة العربية التي تشكل في الأطفال ما سيكونون عليه في المستقبل... سيكبر على أنّ الجيش ليس على الحدود".

تؤكد عبد الجواد أنّها "مهمة صعبة للغاية أن تنتزع أبناءك من كلّ هذا، وتستطيع بحكمة أن تفنّد لهم المفاهيم من دون أن يشعروا بتناقض الواقع من حولهم، ومن دون أن يصابوا بالغربة في مجتمع ربما ينفر منهم... ومن دون أن يفقدوا انتماءهم لبلادهم لحاجتهم إلى وطن بالمعنى النفسي والعاطفي، وطن الأهل والأقارب والأرض والسكن والقرية والحي وذكريات الطفولة".

تضيف: "إنّها تفاصيل حياة كاملة خلف كلّ حكاية صغيرة يعيشها الآلاف هنا، يُنظر إليهم على أنّهم الخونة والإرهابيون وأنّهم يستحقون ما حدث لهم". تتابع: "هي أصعب مهمة، أن تطمئن أنّ أقرب الناس إليك لن يراك يوماً قد ورطته في أذى وأنه يدفع ثمن شيء لم يفعله... وأنه سيراك في موضع شرف لا موضع يخجل منه". تتابع: "إنّه الحدث الذي سيلتصق بك طوال حياتك... بضغطة زر سيجري البحث عن اسمك ويصبح تاريخك أمام الآخرين في العمل والدراسة والمجتمع... إنّه المزيج من الشعور بالفخر والخوف، المسؤولية والحلم. مزيج يحكم ألّا تصبح تحت طبقات من الظلم، ظلم لأنك تعاقَب على ما لم تقترفه، والشعور بالذنب لأنك قد ورّطت أسرتك معك، وظلم المجتمع الذي ينظر إليك نظرة استحقاقك لما حدث لك".

الطريف بالنسبة لعبد الجواد أنّ لفظة "إرهابي" أصابها "استهلاك". تفسر: "الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاء ليحارب الإرهاب، وهنا يرون أنّ نصف الشعب إرهابي، وباتت كلمة توزع بالمجان على أيّ إنسان... إنّها لفظة تحتضر وماتت سريرياً وخلال فترة وجيزة لن تصبح تهمة، ولن تصلح حتى في النكات وأفيشات الأفلام لأنّ العجز أصابها، وفقدت قيمتها... وسيظل الظلم هو وصمة العار على من يستحق".

تؤكد عبد الجواد أنّه وبالرغم من كلّ شيء "ما زالت ابنتي تصرّ على أن أحفظ معها أغنية وطنية لاحتفال في المدرسة، نرددها معاً بلا تردد. وما زال كلّ شيء يسير كما هو معتاد... ما أظنه هو أنّنا في لعبة طويلة علينا أن نستقبلها بحكمة. وبالرغم من كلّ شيء فإنّ في داخلي إيماناً قوياً أنّنا نستحق أن نعيش بكرامة وعدل ونسعى إلى ذلك ما حيينا".

العربي الجديد


: الأوسمة



التالي
"حلبٌ جديدة".. وادي بردى منطقة منكوبة ومناشدات بعد توقُّف المراكز الطبية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع