البحث

التفاصيل

بعد مرور شهر على «الإبادة».. إليك 3 محطات شبيهة في تاريخ «حلب»

الرابط المختصر :

لم تكن بقرة النبي إبراهيم ذات صيت كبير مثل بقرة بني إسرائيل التي ذكرت في الكتب المقدسة بأن الله أحيا بها الميت، فلم تذكر بقرة إبراهيم في القرآن ولم يعلم منا الكثير عنها شيئًا، لكن هذا لا يعني أنها لا تمتلك قيمة كبيرة؛ فيروى أن هذه البقرة كانت السبب في تسمية مدنية أصبحت فيما بعد من أهم مدن العالم القديم والحديث أيضًا، حيث شهدت العديد من الأحداث التاريخية التي لن ينساها التاريخ.

يروى أن النبي إبراهيم كان يعيش في «تل القلعة» – إحدى أقدم وأكبر القلاع في العالم – وكان له بقرة شهباء – أي بيضاء – يحلبها كل يوم ويوزع لبنها على العرب المخيمين بجواره، ومن هنا جاء اسم مدينة «حلب»؛ التي شهدت العديد من الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ، والتي كانت منها بكل تأكيد إبادة حلب الأخيرة التي لم يمر عليها إلا شهر واحد وبضعة أيام، في معاناة سُجلت في صفحات التاريخ بكثير من دماء الأطفال والنساء والشيوخ وصرخاتهم التي سمعها الجميع دون تفاعل أو تلبية للنداء في نظر البعض.

ربما لا يعلم الكثيرون أنها لم تكن المرة الأولى في تاريخ حلب الضارب في القدم، ولكن صفحات التاريخ تقول إن حلب كانت دومًا صامدة بأهلها.

في الواقع، انخلعت قلوب الكثيرين حول العالم مما حدث في حلب، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من قصف وإعدامات جماعية وإحراق وإبادة لسكان المدينة، لكن ما لا يعلمه الكثيرون أن هذه ليست المرة الأولى في تاريخ حلب، التي عانت عبر التاريخ الإسلامي والحديث من عديد الإبادات الوحشية المماثلة، فلم يزدها ذلك إلا صلابة.

البيزنطيون والدولة الحمدانية

لم يدم السلام – الذي أسسه إبراهيم بتوزيع لبن البقرة على من هم بجواره بحسب الروايات العتيقة – طويلًا، إذ عانت حلب منذ فجر التاريخ من الغزاة والمستعمرين، لكن غالبًا ما عانت حلب – ولسبب ما – من أجل خير الباقين، وكأنها تحتلب لتوزيع شرابها لمن يتشبثون بها ويتمسكون بحقها.

ففي عام 944م؛ غدت حلب عاصمة الدولة الحمدانية – دولة عربية شيعية موالية للخلافة العباسية قامت في الموصل وحلب – تحت حكم سيف الدولة الحمداني، والذي شهد العديد من الانتصارات على البيزنطيين، الذين شكلوا القوة العظمى آنذاك، حتى بلغ من العظمة في نظرهم «وكأنه أصبح ينافس بيزنطة أكبر إمبراطوريات ذلك العصر».


ذاع اسم سيف الدولة في العالم الإسلامي لا بأنه أمير حلب فقط، بل بأنه «بطل الجهاد ضد البيزنطيين»، في الوقت الذي كان العالم الإسلامي مهترئًا ضعيفًا منذ وفاة الخليفة المعتصم عام 227هـ؛ والذي كان يحمل عبء محاربة الروم وحماية الثغور، والذي تحمل العبء من بعده الولاة، في الوقت الذي أخذ الضعف يدب في الثغور.

وفي عام 330هـ؛ استغل الروم انشغال سيف الدولة وغيابه بسبب بعض الأحداث والمشاكل الداخلية، فخربوا ودمروا واخترقوا الأراضي الإسلامية حتى وصلوا قرب حلب، لكن أحد القادة المسلمين باغتهم ودخل بلادهم وغنم وأسر عددًا من بطارقتهم المشهورين، وسيعتاد الحلبيون منذ ذلك الحين على التيقن من أن خير وسيلة للدفاع الهجوم المباغت.

بذلك لم يستطع الروم دخول المدينة، لكنهم عمدوا إلى بعض غلمان سيف الدولة – بعدما أغروهم بالمال – وحاكوا مؤامرة عام 346هـ للقبض على سيف الدولة، إلا أنها فشلت بفضل كشف أحد الفراشين للمؤامرة وفتك سيف الدولة بالغلمان المتآمرين.

تسببت كثرة الحروب والمؤامرات في وهن الجيش الحمداني وضعفه، وهو ما تكشف حين فوجئوا بنزول الروم على أبواب عاصمتهم عام 351هـ، واستكثر جنود سيف الدولة «حشود الروم الضخمة»، لذا دب الفتور والخوف فيهم لدرجة اضطرار الأمير إلى تحفيزهم بالمال. ودخل الروم إلى حلب وعلى رأسهم الدمستق (ملك الروم) وقتل الكثير من الناس، ولقلة صبر سيف الدول – حسب رأي ابن كثير – فر منهزمًا بعدد قليل من أصحابه.

استمات أهالي حلب في الدفاع عنها بكل ما أوتوا من قوة، ولم يستطع الروم دخولها إلا عندما عاث بعض الناس في المدينة فسادًا ونهبوا الأموال وسرقوا أرزاق الناس مستغلين حالة الحرب، فنزل حماة حلب من الأسوار لحماية منازلهم، وعندها استطاع الروم دخول المدينة. في هذا الحين؛ قتل الروم من المسلمين الكثير ونهبوا الأموال وأخذوا الأولاد والنساء، وخلصوا الأسرى الذين كانوا بحوزة المسلمين، وخربوا المساجد وأحرقوها.

بقي الروم في حلب تسعة أيام، يعملون في أهلها التقتيل والنهب، بجانب ما يذكره بعض المؤرخين من جرائم اقترفها بعض الناس ومجموعة كبيرة منهم من الشيعة بتوجيه من حاكمهم «ابن حمدون» الذي كان يرى في أهل السنة أعداءً له، وبهذا وقع البلاء بأهل حلب واجتمعت عليهم المصائب، إلا أن الدمستق لم يهدأ له بال وعزم على الرحيل وذلك لخوفه من سيف الدولة الذي لم يزل حرًا ولم يقع في قبضته، وبعد عودته وهنت الدولة وأصبحت أواخر أيام سيف الدولة مليئة بالنكبات والنكسات المتتالية. لكنه استطاع في عام 35هـ استعادة أسرى مدينته الذين كان من بينهم أبو فراس الحمداني والعديد من قادة الإمارة وأهل حلب.

تيمورلنك وذبح أهل حلب
تقول الروايات إن «تيمورلنك زحف بجيوشه وفيلته، فولى المسلمون نحو المدينة وازدحموا عند الأبواب، فمات منهم خلق عظيم، والعدو وراءهم يقتل ويأسر، وأخذ تيمورلنك حلب عنوة بالسيف»، وذلك في سنة 803هـ عندما ظهر خطر المغول مجددًا من وسط آسيا، بعد حملة هولاكو على الشام عام 658هـ.

دخل جيش تيمورلنك حلب؛ فنهب الأموال، وخرب المباني وحرقها، وقتل الكبار والصغار، وأخذوا يفعلون بالنساء الفواحش، حتى صرن يلجأن إلى الجامع الكبير ويلطخن وجوههن بالطين لتشويه محاسنهن، لكن رغم ذلك لم يسلمن من الجيش المغولي، وتوالى قطع الرؤوس حتى كونت أكوامًا وجبالًا من رؤوس الرجال، واستمر هذا الحال أربعة أيام.

ثم خرج تيمورلنك إلى دمشق ولكن بعد أن أباد حلب عن بكرة أبيها؛ فدمر قلعتها، وهدم أسوارها، وأحرق كل ما فيها، ولم يبق أحد من الجيش المغولي فيها، فنزل إليها من تبقى من أهلها، فوجدوها مكدسة بالقتلى حتى صار الناس يمشون على جثث القتلى من كثرتها. ويذكر عثمان قدري مكانسي – كاتب وأكاديمي وشاعر وداعية إسلامي سوري – أن تيمورلنك كان رافضيًا، وهكذا شهدت حلب أبشع المجازر على يد أبشع المجرمين على مدار التاريخ.

لكن وكعادة حلب، سرعان ما استعادت المدينة قيمتها ومكانتها ومركزها في العالم الإسلامي، كما يخبرنا تاريخ المدينة الشهباء، وظلت حلب صاحبة فضل «إخراج الحليب والجود» لجيرانها، برجالها وعلمائها وتراثها، الذي لم يستطع أحد إفناءه أو منعه منذ تسمت هذه المدينة باسمها، فدومًا ما بقيت حلب ورحل مغتصبوها.

حافظ الأسد.. مجزرتان وأكثر من 300 قتيل
أحكم حافظ الأسد قبضته على المجتمع السوري من خلال بث الخوف والذعر فيه، ومن خلال انتهاك كل قوى المعارضة الرافضة لحكمه، وكان يقوم بما يسمى بـ«تمشيط المدن والقرى» ليطهرها مما أطلق عليه إرهاب الإخوان المسلمين – القوة المعارضة الرئيسية له – منذ استيلائه على الحكم بعد انقلاب عام 1963.

في نظر العديد من المؤرخين، لم يتورع حافظ الأسد عن القيام بالعديد من المجازر الدموية لتثبيت أركان حكمه، والتي كان لحلب نصيب كبير منها، ففي يوليو (تموز) 1980؛ ولتأصيل الرعب في قلوب المواطنين، اقتحمت قوة مشكلة من 20 سيارة حربية «سوق الأحد»، والذي يرتاده البسطاء من أهل حلب، فأمطروها بوابل من الرصاص عشوائيًا وتركوا قتلى وجرحى يقدرون بـ 192 مواطنًا. 

أما مجزرة عيد الفطر الموافق 11 أغسطس (آب) سنة 1980، فستظل هي الأشهر على الإطلاق فيما يتعلق بأفعال حافظ الأسد، وهي المجزرة التي ارتكبها جنود النظام في حق حي المشارقة – أحد أحياء حلب الشعبية – إذ طوق المقدم «هاشم معلا» وجنوده هذا الحي وهاجموه وأخرجوا الرجال والأطفال وقتلوا منهم 86 رجلًا وطفلًا في شوارع الحي، وبعد يوم واحد من مجزرة حي المشارقة كان حي بستان القصر على موعد مع مجزرة أخرى، والتي أخرجت فيها عناصر من الفرقة المدرعة الثالثة 35 رجلًا من بيوتهم وأطلقت عليهم وابلًا من الرصاص فماتوا جميعًا.

ساسة بوست


: الأوسمة



التالي
الغنوشي: لا خطر على "المسلم الملتزم بدينه" من ترامب أو غيره
السابق
القره داغي: علينا ألا نسكت على الظلم!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع