البحث

التفاصيل

حلب الشهباء ودم الشهداء بين خذلان الحكام وصمت العلماء

الرابط المختصر :


كانت مدينة "حلب"الشهباء معروفةفي الدنيا كلها لصناعة المرآة والزجاج والبلّور فيما مضى من الزمن، فكان أمراء العالم وأصحاب نفوذ وجاه، وثروة وغَناءيستخدمون مرايا حلب وكؤوسها ودِنانها، وأشباههامن الظروف والأواني داخل بَلاطهم و في خلواتهم، وقصورهم المنيفة وشاليهاتهم الفارهة،لقد امتلأتهذه الكؤوس الحلبية بدماء الأبرياء، وطفحت وفاضت، جعلها الإيرانيون والروس رخيصة، وذلكبوقوفهم إلى جانبالظالم البغيض الديكتاتور المستبد الطاغية بشار الأسد وتواطؤهم معه،فقد أصبحت الدماء أرخص من الماء، تسيل في الشوارع والأزقة.
وقد اعترفت كثير من البلدان الكبرى بأن هذه القوى ارتكبت جرائم الحرب والانتهاكات لقوانين الحرب العالمية، تعرضت حلب لأبشع المجازر الروسية والأسدية حيث استهدفت بقصف وحشي بالقنابل العنقودية، قامت القيامة في حلب قبل قيام الساعة، سكانها وأهاليها يجتازون بأقسى مراحل حياتهم، فهم في صراع بين الحياة والموت، فقد ضحى آلاف من الناس بأنفسهم، وتحوّلت مئات المباني ذوات الدورات والطوابق، وناطحات السحاب أنقاضًا وأكوامًا للقصف الجوي من السماء المكشوفة،ورمي القذائف بالمدافع والدبابات، وإطلاق النار على المدنيين الأبرياء بالمدرعات، واحترقت الأموال والأمتعة، وهدمت المشافي والمدارس، لا يسمع صوت من بيت إلا أنّات وآهات، وصياح وعويل، واستغاثة المصابين والجرحى، والنياحة والبكاء، ولو كان أحدهم يتم إنقاذه من تحت أنقاض دار مهدمة بجهد شديدفتزهق روحه أو يدركه الموت قبل أن يصل إليه الإسعاف الطبي، والذي ينجو اليوم من عاصفة الموت وسيل البلايا ينتظر موته غدًا، ويقول لأقربائه وأصدقائه: "الموت قادم إلينا, والموت المقدّر سوف يدركنا، من الصعب سَوق سفينة الحياة سالمة في لجّة المنية، فقد ابتلعت أهلنا وعيالنا؟، وتتقدم إلينا، فلا ندري متى تلقمنا، يقول أحدهم: "هذه هي كلمتي الأخيرة، وصوتي لا يسمع بعد اليوم"، وليس هذا كل شيء، وإنما هو غيض من فيض, وقطرة من بحر، فما تبقّى سواه لا نقدر على وصفه.
 تحولت حلب الشهباء إلى جثث وأشلاء، وضرائح ومقابر، وموطن صراخ وبكاء، وتعرضت أعراض النساء للانتهاكات والاعتداءات، فقد سأل أحد المضطهدين فيها علماء المسلمين في العالم: "إن رجال جيوش إيران، وحزب الله، وبشار الفسقة والسفكة يجوسون خلال ديارنا ويهتكون أعراض بناتنا، ويستبيحون حرماتنا، أفلا يجوز لنا أن نذبح المسكينات من بناتنا بأيدينا حفاظًا على حرماتنا وأعراضنا، فنحن عجزة مضطرون؟".
 تجري عواصف الموت المخيفة بأرض الشام، والدنيا كلها صامتة متفرجة، وربما يشجب ويستنكر بعض من لديه الغيرةهذا الوضع المأساوي ثم يصمت، يهمّه الواقع ولا يهتم به، يحرك شفتيه لايديه ورجليه، لم تر عيون السماء في تاريخ العالم مثل هذا المشهد الجريح الصارخ، أو قلما رأت، فالناس في يوم ذي مسغبة، وعوز ومجاعة، عطشى وجياع، يحرمون حبة طعام، وقطرة ماء، ثلوج مكثفة، وبرد قارس، وتدني درجات الحرارة، وليست لديهم ملابس تواري سوءاتهم فضلًا عن ملابس شتوية لهم فيها دفء ومنافع اللهم إلا قليل، يواجهون القنابل بصدورهم العارية تحت أديم السماء، فقدوا أبسط مقومات الحياة، واضطرّوا إلى نبش القمامةبحثًا عما يسدّ جوعهم من بقايا الطعام، فلا يسمن ولا يغني من جوع، لم يشهد التاريخ منظرًا أفظع من هذا أن أهل البلد قاطبة مضطرون إلى التقاط حبات من الطعام من صناديق القمامة، المستشفى بلا دواء، والأطباء بلا حيلة، يقومون بإجراء العمليات الجراحية من غير دواء وإبرة دوائية للتنويم،أناس يودعون بيوتهم الخاوية على عروشها، ومساكنهم الخربة على أهلها إلى غاية مجهولة، ومستقبل موهوم، أقدامهم مكبلة، وقلوبهم مذعورة فزعة، ودموعهم من عيونهم منهمرة، بأيديهم أمتعة، وعلى أكتافهم صبية.
إن أوضاع سوريا ليست بخافية على أحد، فالعالم بأسرهمطلع عليها، وأدرك خطورتها، ولا طائل تحت إعادتها وتكرارها دون جدوى إن كانت ضمائره لا تنهض من سباتهاالعميق،فليس هذا قصة شيقة ممتعة، يحلو ذكرها، ويطيب سمعها، بل الحاجة ماسة إلى تقديم حل سريع وعاجل بجدية تامة، وعزم وحزم، وغيرة وإباء، وأصارح بملء فميبأن الحكومات العربية المجاورة لسوريا هي المجرمة في الحقيقة، فقد أعطاهم الله بحرًا للذهب السائل الأسود، فلم يقدروا قدره، وأمرُ القرآن الكريم في باب إعداد العدة الحربية والعسكرية لمقاومة أعداء الإسلام والمسلمين، وإغاثة المستضعفينالمضطهدين واضح، لا غموض فيه ولا التواء، فآية "وأعدوا لهم ما استطعتم"آية قرآنية مشهورة، فكان المسلمون حكامًا وشعوبًا مأمورين بحكم هذه الآية أن ينشؤوا المصانع، ويتقدموا إلى الثورة الصناعية، ويصنعوا الأسلحة والصواريخ، ويخططوا لصناعة طائرات حربية، ودبابات ومدرعات، وقنابل وقذائف للمقاومة والكفاح، وتكتب المؤلفات والمطويات في فضائل الجهاد في سبيل الله، وتوزع في البلاد، والجيوش، وكل ذلك لحماية أنفسهم حتى لا يظلمهم أحد، ولا يسلب حقوقهم، ولا يحتل أراضيهم، كما فعل في أرض فلسطين، فالمسجد الأقصى بأيدي الصهاينة الغاشمة لعدم الامتثال بأحكام القرآن الكريم، فقد نسي الحكام العرب كل ذلك، وهم في لذة وترف، وبذخ من العيش، لا يمنعهم يوم القيامة شيء من حساب شديد أمام الملك الواحد القهار.
لا يغربن عن بالهم أن فتاة أسيرة في سجن القراصنةبالسند نادت حجاج بن يوسف والي البصرة وكتبت إليه "أن هناك عددًا هائلًا من الأرامل واليتامى المسلمين ينتظرون معونتك بفارغ الصبر، وفي اضطرار واضطراب، أيظلم المؤمنون، ويحكمهم مثلك، وكل ذلك لا يحرك فيك ساكنًا، فلا تفعلُ شيئًا" فلما وصلت رسالتها إليه وقرأها أقضّت مضجعه بالليل، ولم يهدأ باله بالنهار، وأرّقه هذا الوضع المؤلم، ومنعه الطعام والشراب، كما نقل عن الحجاج ذاته في كتب التاريخ، ثم تنقل المصادر التاريخية أنه وضع خنجره حيث كان موضع الهند في خريطة العالم التي كانت بين يديه، وكان هذا تهديدًا منه وإيذانًا أنه قرر شن الغارة على السند، فكتب أولًا إلى ملكها "داهر" أن يخلّي سبيل المسلمين من النساء والأطفال، ويطلق سراحهم على التو من وصول هذا الكتاب، ولما أنكره "داهر" واعتذرأن هذه فعلة فعلها القراصنة، ولا قبَل لي بهم،فأعلن أنه يسير إلى قتاله ويغزوه، فأرسل جيشًا تحت قيادة الفتى النابه الفارس البالغ من عمره سبع عشرة سنة وهو محمد بن قاسم بأمر من الخليفة وليد بن عبد الملك.
لقد طار نوم الحجاج بنداء فتاة مسكينة فقدت حيلتها، فلم لا تؤرّق آهات وأنّات آلاف من نساء سوريا وأطفالها الحكام المسلمين؟ كيف ينامون في فرش وثيرة، وإخوانهم مصابون بصنوف من العذاب؟ ليس إلا لأجل أن دماءهم أصبحتباردة، لقد حدثت ثورة صناعية بالبلدان العربية بقليل من رأس المال، فلم لا يركز الحكام العرب على تنمية بلدانهم وإعطائها قوة ومنعة على الرغم من امتلاكهم ثروات هائلة؟ لم لا يضمّون إليهم المهرة من أصحاب العلم والإتقان والخبراء في مجال العلم والتقنية من العالم الإسلامي أجمع؟.
أوَ لايشهد كل ذلك عليهم أنهم غير أكفاء للحكم والسيادة، فلا وعي عندهم ولا جراءة؟ أو لايقدرحكام البلدان العربية المجاورة لسوريا الغارقة في البذخ والترف على إنقاذ إخوانهم من المسلمين المضطهدين في سوريا؟ أولا تستطيع الدول الخليجية السكِرة في نشوة المال والبنين أن تحاولتحرير المسجد الأقصىمن براثن اليهود؟ أولا يوَفّق الحكام العرب المرتاحون المترفونبأن يعمروا فلسطين بسكانها الحقيقيين، ويسعوا في إخلائها عن احتلال إسرائيل؟ لقد مرت حوادث عظيمة ومآسي أليمة في أفغانستان والعراق، وكأن أمواج الدماء مرت برؤوسهم، ولكن هل لغفلة هولاء الحكام وغفوتهم من نهاية؟ إذا كان الإسلام مستهدفًا من كل جانب، والمسلمون يقعون كل يوم فريسة للظلم والقهر، والكبت والقمع، وتدنست أيدي الظالمين بدمائهم، وتدمّر ديار المسلمين هنا وهناك، وتنهب أموالهم فلا يهدأ بال في مثل هذه الظروف القاسية الحرجة شريطة أن تكون للغيرة الإيمانية حياة على ساحة الوجود، وبقية من الأنفة والإباء، تفكروا هنيهة أن هذه البلدان العربية لو كانت قوية مثل أميركا، وروسيا، وغيرهما من البلدان الغربية وتضافرت جهودها أوَ لم تكن في القوة بمكان أن تتمكن من إرسال المدد إلى أهل الشام والتدخل في شؤونها؟ أين تقع روسيا من سوريا؟ ولكن بشار الطاغية تمكن من سيطرته على مناطق مفقودة خارجة من حكمه مرة ثانية بالدعم الروسي العسكري الهائل رغم تنائي الديار وتباعد الأوطان.
إن أمام الحكام العرب سبيلين ليس لهما ثالث: إما أن ينهضوا بإحداث ثورة صناعية في بلدانهم ويبذلوا جهودهم في مجال صناعة الأسلحة، ولا يستخدموا إلا ما تصنعه بلدانهم، وينتجه رجالهم، ولا يقعدوا حتى يستعيدوا كرامتهم المسلوبة ومجدهم المفقود، وإما أن يفوضوا سدة الحكم إلى رجال أكفاء، والأسف أنه لم يبق على خريطة العالم الإسلامي دولة تعقد بها الآمالما عدا تركيا، ولكنهاعلى خطر، تستهدف دائمًا من قبل القوى العظمى.
 كل ما حدث في سوريا وما يحدث، لا يستطيع أحد من الحكام العرب من الخليج العربي وغيره أن يتخلوا عن مسئوليته، إنهم لم يسعوا في إحداث ثورة صناعية، ولم يتقدموا شبرًا في مجال العلم والتقنية، ولم يمنحوا شعوبهم حرية أعطاها الإسلام إياهم،فقد جعلوا شعبهم بهيمة عجماء،والعالم كله يطأ البلدان المسلمة ويدوسها، ويفعل بهم الأفاعيل، وأما هولاء الحكام فأطبقهم الصمت،يتفرجون على كل ذلك وكأنهم في دور السينما، أو يكتفون بتقديم قرارات الإدانة والشجب، ومناشدة منظمة الأمم المتحدة، والأسف أن معظمهم ما آووا النازحين إلى أوطانهم، فكثير منهم ركبوا قوارب مطاطية وتوجهوا تلقاء أوربا عبر البحر، لم يجدوا الأمان، فلما وجدوا الأمان، فأين وجدوه! وجدوه في أحضان أوربا حيث نشطت الجهات التبشيرية كعادتها لتنصيرهم.
وتقع المسؤلية في درجة ثانية بعد الحكام العرب على العلماء والمفكرين من العالم الإسلامي،لم لا يرشدون الحكام العرب إلى ما هو الحق والصواب مع علمهم بالحقيقة؟ أنا على علم أن من جاهر بالحقمن العلماء والخطباء في البلدان العربية ضد مواقف خاطئة للحكومة وكبواتها قطع لسانه وألجم،وسجن واعتقل، ولكن الواقع أن غالبيتهم رجحوا الصمت والحياد، بل أيدوا قرارات الحكومة الخاطئة والمجرمة، ومن بين هولاء المؤيدين والمصفقين قضاة ومُفتون، وأئمة وعلماء.
 وما لعلماء غير العرب أنهم لا يكتبون حول هذا الموضوع المهم الخطير ولا يخطبون، بل ولا ينبسون ببنت شفة، ولا يتفوهون بكلمة، وكأنهم ختموا شفاهم بختم الصمت، وعندما يسافرون إلى بلد عربي للمشاركة في مؤتمر إحدى منظماته فلا يذهبون إلا بكشكول التسوّل، ويقدمون مشاريع لإنشاء مؤسساتهم التعليمية، ويقولون بلسان حالهم: "لقد تزيأنا بأزياء الفقراء حتى نستحقعطايا الكرماء".
إن شبه القارة الهندية ذاتها عالم إسلامي صغير، يزدحم فيها العلماء وقادة المنظمات المسلمة، فكم منهم من حاول استرعاء انتباه الحكام العرب إلى مقتضيات العدل والحق، لعل أحدهم لم يسع في هذا المجال ولو بحكمة ورفق، وتؤدة وأناة،إذا لم يوجهوهم هم فمن يوجهوهم؟ إن عندنا صحفًا ومجلات تطبع فيها كلمات الثناء والتقدير من قبل العلماء والقادة للحكام العرب في بعض الأحيان، وتصل إلى السفارات العربية، ويقوم المترجمون بنقلها إلى العربية، لكن هذه السفارات لا تعتني بما يطبع فيها من انتقادات ومؤاخذات، ولا يقدم موظفوها تقارير عنها إلى وزارة الخارجية لبلاد لها صلة بالانتقادات، بل يقدمون إليها كلمات الإطراء والثناء، وتمنح هذه الصحف الجزاء والعطاء بكل سخاء.
إن ظلم حاكم سوريا الطاغية أشدّ مضاضة وأكثر ضراوة، وأكثر ما يقويه ويعززه دولة إيران الإسلامية المزعومة، وهذه جريمة إيران لا تغتفر على مرّ الأزمان، فلقد أدلى عدد كبير من العلماء الشيعة المجتهدين ببياناتهم في قناة الجزيرة أن موقف دولة إيران إزاء سوريا مضاد لروح "حسين"الجهادية، وهذا اتباع "يزيد"وانسجام معه، ولكنهم لا يتمتعون بحرية التعبير في بلادهم، وقد كان للصحفيين الهنود الخاضعين للوبي الإيراني في هذه الجريمة نصيب أوفى وقسط موفور، فهم يؤيدون بشارًا سرًا أوعلانية،وعندما تسودّ قلوبهم بمساندة الظلم يتعودونحماية كل ظلم، حتى أيدوا الظلم الصريح الذي بررته الحكومة الهندية التي لاتتعب بهتافات الديمقراطية على ذاكر نايك، لا بد من مقاطعة مثل هولاء الصحفيين والإعلاميينالمؤيدين للوبي الإيراني وصحفهم ومجلاتهم.
إن بشار الأسد وأباه حافظ الأسد كليهما استهدف الإسلاميين والديمقراطيين في الشام بالظلم والاعتداء، وقد علّمنا الإسلام الاصطفاف ضد الظلم والعدوان،وقد بدأ ذلك من معركة كربلاء،فمن هنا يصح النهوض ضدّ بشار الأسد، إن المسلمين حكموا العالم لمدة طويلة، وظلت خلالها قيم الإنصاف والتسامح من ميزات الإسلام المبدئية، ومعلوم أن أهداف الجهاد في الإسلام تقوية أسس العدل والإنصاف، ولكن كل ما حدث في حرب حلب بأيدي بشار وإيران وروسيا ويحدث الآن هو قتل الإنسانية، وسيظلّ وصمة عار على جبين الإنسانية:
كيف الوقوف لدمع عيني الباكية
  فعبادة عيني أنيدوم وضوؤها



: الأوسمة



التالي
خرج الحلبيّون ودخل المحتل
السابق
الاتحاد يدعو القادة والعلماء والمفكرين للوقوف مع ثورة الشعب السوري حتى تحقق أهدافها

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع