البحث

التفاصيل

النظام السوري يدمي الغوطتين... تمهيداً لتكرار سيناريو التهجير

الرابط المختصر :

منذ تمكنها من داريا وترحيل مقاتليها وسكانها قبل حوالي شهر ونصف الشهر، توجهت قوات النظام السوري مباشرة إلى منطقة المعضمية المجاورة لتدفعها نحو المصير نفسه، فيما ظلت عينها على مخيم خان الشيح ومجمل مناطق الغوطة الغربية المتبقية بيد المعارضة وهي دروشا، والدرخبية، والمقيلبية، وزاكية، والطيبة، والتي يغير عليها يومياً الطيران الروسي وطيران النظام. كما تمطر المدفعية والراجمات هذه المناطق بالقذائف والصواريخ.
ويتوقع معارضون سوريون، بينهم المتحدث باسم ألوية سيف الإسلام، أبو عياش الشامي، أن تسعى قوات النظام خلال الفترة المقبلة إلى زيادة الضغط على مناطق الغوطة الغربية لإخراج المقاتلين من المنطقة باتجاه الشمال السوري مقابل وقف القصف وإدخال مساعدات غذائية، وفق سيناريو البلدتين المجاورتين داريا والمعضمية. وهو ما تحاول أن تفعله في الغوطة الشرقية أيضاً، إذ تكثف ضغطها العسكري على مناطقها بهدف دفعها لتوقيع اتفاقات وهدن يخرج بموجبها المقاتلون إلى خارج المنطقة. وتعد دوما، وحموريا، وعربين، وكفربطنا، وزملكا، وسقبا من أبرز مناطق الغوطة الشرقية التي يستهدفها النظام بشكل شبه يومي بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، الصاروخية والمدفعية وإن كان عمادها الغارات الجوية والبراميل المتفجرة.


وفي ما يتعلق بمناطق الغوطة الغربية تحديداً، حاولت قوات النظام فجر أول من أمس الأربعاء اقتحام بلدة الدرخبية تحت وابل من القصف المدفعي والجوي، إذ شنّت طائرات النظام غارتين جويتين على المنطقة، فيما ألقت المروحيات ما لا يقل عن 12 برميلاً متفجراً على البلدة الصغيرة، وسط قصف مكثف بعشرات القذائف والصواريخ، وبالترافق مع اشتباكات عنيفة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة. وكانت فصائل المعارضة سيطرت على الدرخبية وبعض المراكز العسكرية المحيطة بها مطلع مايو/أيار الماضي. ويقول المتحدث باسم ألوية سيف الإسلام، الموجود في المنطقة، إن قوات النظام تسعى للسيطرة الكاملة على الدرخبية وليس فرض اتفاق أو هدنة لإخراج المقاتلين على غرار اتفاقات مماثلة في محيط دمشق، وذلك بالنظر لأهمية المنطقة للنظام من الناحية العسكرية، بسبب قربها من مواقع عسكرية حساسة له مثل قيادة اللواء 75. ووفقاً للشامي، الذي تحدث إلى "العربي الجديد"، فإن هذه المناطق الفقيرة والمهمشة أصلاً، ليس لديها الكثير لتقاوم به هجمات النظام، لا سيما أنها محاصرة منذ فترة طويلة، وتعاني من الناحية الانسانية، فضلاً عن عدم وجود خطوط إمداد أو إخلاء لها باتجاه درعا أو القنيطرة، ما يحد من قدرة مقاتلي المعارضة فيها على القيام بهجمات مضادة ضد قوات النظام.
ومنذ مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي تحاول قوات النظام التقدم لاقتحام مناطق الغوطة الغربية. وفرضت حصاراً محكماً على مخيم خان الشيح، بعد أن كان شبه محاصر أصلاً منذ نحو ثلاث سنوات، إذ لم يكن متاحاً له التواصل إلا مع منطقة زاكية المحاصرة هي الأخرى، عبر طريق فرعي يتعرض للقصف والقنص.
 ومع تقدم قوات النظام في المنطقة، سيطرت نارياً على طريق مرانة الدرخبية، وطريق زاكية المقيليبة، عبر استهدافها من خلال مواقعها على أوتوستراد السلام، بالترافق مع إغلاق جميع الطرق المؤدية للعاصمة دمشق بوجه المدنيين في كل من زاكية ومخيم خان الشيح. وأدى هذا الأمر إلى شح شديد في جميع المواد الغذائية من طحين وخضار ومواد أساسية أخرى. وهو ما يضع نحو 12 ألف مدني فلسطيني، هم من تبقى من سكان مخيم خان الشيح، بينهم ثلاثة آلاف طفل، في وضع صعب للغاية، لا سيما بالنسبة للمرضى منهم.

يقول عمر المسلم، وهو ناشط ويعمل من داخل المخيم مع مجموعة فلسطينية توثق محنة المخيمات الفلسطينية في سورية، إن الطيران شنّ خلال الأيام الماضية غارات على المخيم مستخدماّ قنابل الفوسفور، ما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين، إضافة إلى احتراق منازل.

وتحاول قوات النظام منذ نحو أسبوع اقتحام بلدة الوادي الواقعة بين بلدتي الدرخبية والمقيليبة؛ وهما تحت سيطرة المعارضة. ودارت معارك خلال الأيام الماضية في تلك المنطقة التي تبعد عن المخيم نحو كيلومترين اثنين قتل خلالها عشرة من مقاتلي المعارضة. في المقابل أسرت المعارضة 12 عنصراً من قوات النظام. مع العلم أن المخيم نفسه، خالٍ تماماً من مقاتلي المعارضة الذين ينتشرون على أطرافه، وليس في داخله.
ويلفت المسلم إلى أن المخيم ليس طرفاً في الصراع بين النظام والمعارضة، وليس فيه مقاتلون من المعارضة، وعلى الرغم من ذلك يقصف يومياً من جانب الطيران أو المدفعية. وقد بدأ الأهالي اعتباراً من يوم الثلاثاء الماضي اعتصاماً أمام المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بهدف حثها على فتح أبوابها، واستئناف عملية التعليم المتوقفة منذ تصعيد القصف في الآونة الأخيرة.
وعن الوضع الإنساني في المخيم، يوضح المسلم في حديث إلى "العربي الجديد" أنه مع اندلاع المعارك الأخيرة مطلع هذا الشهر، أغلقت قوات النظام جميع الطرق المؤدية إلى دمشق، ومنعت دخول مادة الطحين والخضار، فضلاً عن منع دخول المدنيين وخروجهم. مع العلم أنه لا يوجد في المخيم منذ أربع سنوات أفران ولا أطباء ولا عيادات أو نقاط طبية. وتقول منظمات إنسانية تتابع الوضع في المخيم إن جميع المراكز الصحية داخله قد تدمرت أو تضررت وأصبحت خارج الخدمة، باستثناء مستوصف لـ"أونروا" يقتصر دوره على تقديم الخدمات الاستشارية.
وقالت منظمة إنقاذ الأطفال للمعونات الإنسانية إن ثلاثة آلاف طفل من بين 12 ألف مواطن فلسطيني وسوري يواجهون أزمة إنسانية متصاعدة في منطقة خان الشيح، التي تحاصرها قوات النظام السوري من جميع الجهات، مع إغلاق آخر الطرق المؤدية إلى المنطقة بقذائف المدفعية ورصاص القناصين. وتلفت رئيسة برنامج المنظمة في سورية، سونيا خوش، إلى أن معظم مخزونات الأدوية والوقود والدقيق أوشكت على النضوب، بينما تضاعفت أسعار المواد الغذائية خلال الأيام الأخيرة.
بدورها أحصت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية"، التي يتعاون معها الناشط عمر المسلم، 121 انتهاكاً ضد المخيم خلال التصعيد الأخير على شكل غارات جوية من الطيران الحربي السوري والروسي أو قصف بالصواريخ والمدفعية. ويمثل هذا العدد من الانتهاكات القصف الذي تعرض له المخيم بشكل مباشر من دون احتساب القصف المتكرر على أطرافه ومحيطه. وقضى نتيجة ذلك 26 مدنياً فلسطينياً، فيما أصيب 120 آخرون وهم يعانون من نقص حاد في الخدمات الطبية العاجلة. وبذلك يرتفع عدد الذين قتلوا من أبناء المخيم منذ انطلاقة الثورة السورية إلى أكثر من 200 شخص.
ويقع مخيم خان الشيح على بعد 27 كيلومتراً إلى الغرب من العاصمة دمشق. وقد وفدت الدفعات الأولى من اللاجئين الفلسطينيين إلى تلك المنطقة بعد نكبة 1948. وكان يقيم في المخيم قبل انطلاق الثورة السورية نحو 25 ألف شخص، جلهم من الفلسطينيين. وبعد الثورة، شهدت المناطق القريبة منه مثل المعضمية، وداريا، وزاكية، تظاهرات مناوئة للنظام، لكن المخيم نفسه ظل بمنأى عن ذلك. ومع التحول إلى العسكرة في الثورة، استقبل المخيم نازحين من المناطق المجاورة، ومن التجمعات الفلسطينية التي شهدت قصفاً وعمليات قتال مثل اليرموك، والسبينة، والحجر الأسود. وعلى الرغم من هذا الدور الإنساني للمخيم، فقد دخلته قوات النظام عبر نصب حاجز وتمركز دبابات وجنود وسط شارعه الرئيسي، فيما كانت بعض المناطق المجاورة تشهد بدايات لنشاط عسكري لقوى المعارضة.

ومع مطلع عام 2013، وبعد تصاعد عمليات المعارضة المسلحة، انسحب جيش النظام من المخيم، وأغلق طريق خان الشيح-دمشق، واستعاض عنه السكان بطريق السلام الموازي، قبل أن يغلقه النظام هو الآخر منذ نحو عامين ونصف العام. كذلك استبدل الأهالي طريق السلام بطريق فرعي طويل وخطر وهو طريق زاكية، الذي يتعرض كل من يسلكه إلى خطر القصف والقنص، ما تسبب بضائقة إنسانية في المخيم، ونقص كبير في كل الاحتياجات الأساسية، بالتزامن مع قطع الخدمات الرئيسية عن المخيم والمزارع المحيطة به من كهرباء وأدوية واتصالات ووقود. كما دمرت دبابة خزانات المياه ونبع الماء المحلي الذي يعتمد عليه الأهالي في الحصول على المياه العذبة.
كما يشمل القصف شبه اليومي بالطيران والمدفعية منطقتي الدرخبية وزاكية، عقب تقدم فصائل المعارضة وسيطرتها مطلع مايو/أيار الماضي على بلدة الدرخبية والمراكز العسكرية المحيطة بها.
وتقول مواقع إخبارية موالية للنظام، إن قوات الأخير أحرزت تقدماً باتجاه خان الشيح من الجهة الشمالية، وسيطرت على حي مسجد العظم مع عدد من كتل الأبنية، ومبانٍ أخرى من جهة دروشا وبنايات الطحطوح. كما تقدمت باتجاه الدرخبية والمقيلبية. وفي السياق، يوضح ناشطون أن هذه المناطق الفقيرة والمهمشة أصلاً، ليس لديها الكثير لتقاوم به هجمات النظام. ولم يستبعدوا أن يبدأ الأخير بتقديم عروض خلال الفترة المقبلة لإخراج المقاتلين من المنطقة باتجاه الشمال السوري مقابل وقف القصف، وإدخال مساعدات غذائية، وفق سيناريو البلدتين المجاورتين داريا والمعضمية.

العربي الجديد


: الأوسمة



التالي
نبوَّة
السابق
الفكر اليساري في ميزان الوعي الإسلامي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع