البحث

التفاصيل

حلب ترفض الاستسلام: المعارضة تُعد لحرب استنزاف

على الرغم من سقوط مئات القتلى والجرحى وحصار آلاف الحلبيين في المناطق الشرقية لمدينة حلب، إلا أن خيار الاستسلام أو الموت الذي قدّمته قوات النظام السوري عبر الوكالة الرسمية "سانا" يبدو غير وارد في حسابات المعارضة السورية. على النقيض من ذلك، تعد المعارضة لحرب استنزاف طويلة في حلب عنوانها "المقاومة الشعبية"، من خلال انتقال الفصائل إلى مرحلة تدريب وتسليح للدفاع عن حلب "من دون طابع فصائلي". ويأتي ذلك في وقت تنتظر "الجيش السوري الحر" معركة شرسة، بعد وصول مقاتلي المعارضة إلى مشارف بلدة دابق في ريف حلب الشمالي، ذات الأهمية الرمزية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد 40 يوماً على بدء المعارك هناك.  وفي موازاة المعارك المحتدمة التي تخوضها الفصائل السورية على أكثر من جبهة، لم يحمل أمس الاثنين أي تطورات سياسية جديدة، باستثناء إقرار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن الاتفاقات التي توصل إليها الطرفان الروسي والأميركي يوم 9 سبتمبر/أيلول الماضي، باتت معلقة، من دون أن يتخلى عن سياسته المعتادة بتحميل واشنطن والمعارضة السورية المسؤولية. وفيما اعتبر أنه من المهم تجنب انهيار الاتفاقات مع واشنطن حول سورية، أعلن السفير السوري لدى موسكو، رياض حداد، أن وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، يعتزم زيارة روسيا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وأضاف السفير أنه لم يتم بعد تأكيد موعد الزيارة.

حرب استنزاف

وتستمر الأوضاع الميدانية، خصوصاً في حلب وحماة، في فرض نفسها على المشهدين العسكري والسياسي في سورية، في ظل استعدادات فصائل المعارضة في حلب إلى خوض مرحلة جديدة من المعارك، وسط تمسك برفض دعوات الاستسلام بشكل مباشر، على غرار "الإنذار" الصادر عن النظام السوري، أو الدعوات غير المباشرة على غرار التلميحات التي حوتها التسجيلات الصوتية التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قبل أيام. ويُضاف إلى ذلك ضرب "جيش العزة"، أبرز فصيل تابع لـ"الجيش السوري الحر" في ريف حماة الشمالي، في مؤشر واضح على نيّة موسكو تصعيد وتيرة الصراع في سورية، ورفع سقف تحديها للولايات المتحدة الأميركية التي يتلقى "جيش العزة" وفصائل أخرى دعماً عسكرياً منها.

ووفقاً لزكريا ملاحفجي، وهو المسؤول السياسي في تجمع "فاستقم كما أمرت" العسكري الفاعل في حلب، الذي تحدث إلى "العربي الجديد"، فإن النية تتجه لإعلان "حرب مقاومة شعبية" لمواجهة قوات النظام، ومليشيات طائفية تقاتل معها، لافتاً إلى أن الفصائل تعمل على تدريب وتسليح مدنيين للدفاع عن حلب "من دون طابع فصائلي". وبحسب ملاحفجي فإن الحملة الدموية التي يشنها الطيران الروسي ومقاتلات نظام الأسد لن تؤدي إلى استسلام مقاتلي المعارضة في حلب. ويلفت إلى أن النظام مهّد، على مدى أسبوعين، كي يسهل عليه اقتحام الأحياء الشرقية، مركزاً على قصف جوي متوحش بهدف إنهاك المدنيين، مشدداً على أن العمل جارٍ من أجل فك الحصار عن هذه الأحياء من جديد.

ويتوقع أن تتركز حرب الاستنزاف في حلب بين فصائل المعارضة من جهة وبين المليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية التي تساند النظام السوري، خصوصاً أن النظام السوري يعاني من نقص في القوات منذ أوائل العام الماضي، ما دفع رئيس النظام، بشار الأسد، للحديث علناً عن هذا النقص في منتصف يوليو/تموز 2015، أمام رؤساء وأعضاء المنظمات الشعبية والمهنية في قصر الشعب في دمشق، مُقِرّاً بوجود "نقص في الطاقة البشرية". ومنذ ذلك الحين، استمرت محاولات التجنيد بأشكال متنوعة، أبرزها تشكيل فيلق رابع. كما اعتمد النظام على مليشيات محلية في المناطق التي يخوض فيها معارك ضدّ مقاتلي المعارضة. ففي الساحل السوري، جنّد مليشيات مثل "كتائب البعث"، و"صقور الصحراء"، و"الدفاع الوطني" (الشبيحة)، و"المقاومة السورية لتحرير لواء إسكندرون"، ومليشيا "درع الساحل".

وفي السياق، يقول القيادي في حركة نور الدين زنكي، محمد أديب، في تصريحات إلى "العربي الجديد": "إنه من الصعب على قوات النظام التقدم في الأحياء الشرقية المحاصرة، نظراً للتحصينات التي جهزتها الفصائل العسكرية، منذ استيلائها على تلك الأحياء، قبل أكثر من عامين، ولصعوبة حرب الشوارع على الطرفين، ما يجعل إعلانات النظام حرباً نفسية لا أكثر"، على حد قوله. ويضيف القيادي، أن المعارضة تعدّ لهذه المعركة بكل ما لديها من قدرة عسكرية، من أجل التصدي للمليشيات التي تجهز لهذه المعركة المصيرية، لافتاً إلى أن "المليشيات الإيرانية واللبنانية والفلسطينية والعراقية والأفغانية، تشكل السواد الأعظم في قوات النظام، في حين لا يتعدى عدد عناصر النظام المئات". وتحاصر قوات النظام أكثر من ستين حياً، تمتد على رقعة تقدر مساحتها بنحو 50 كيلومتراً مربعاً، ويقطنها أكثر من 400 ألف مدني، يعتمدون في غذائهم على الحشائش التي تتم زراعتها محلياً، وتحصل العائلة يومياً على 700 غرامٍ من الخبز يبلغ ثمنها 1200 ليرة سورية، في حين تقف المنظمات الإنسانية والمجالس المحلية عاجزة، بسبب الحصار المطبق الذي تفرضه قوات النظام منذ أشهر عدة.

في موازاة ذلك، ينتظر قوات المعارضة السورية امتحاناً لا يقل صعوبة عن مدينة حلب، إذ بات مقاتلو "الجيش السوري الحر" على بعد كيلومترات قليلة من بلدة مرج دابق، والتي تحمل طابعاً رمزياً لمقاتلي تنظيم داعش، ما يعني أنها قد تكون مفتاح "درع الفرات" لريف حلب الشمالي، في حال تمت السيطرة عليها. وتحمل هذه المعركة حساسية عالية لدى التنظيم الذي يستند إلى أحاديث دينية للاعتقاد بأن معركة دابق ستكون منطلقاً "للجيوش الإسلامية للسيطرة على العالم وقتال الروم"، وبذلك سيحاول التنظيم الصمود قدر المستطاع للحفاظ على الروح المعنوية لمقاتليه.

ويؤكد قائد "لواء السلطان مراد"، العقيد أحمد عثمان، لـ"العربي الجديد"، أنهم باتوا قريبين من دابق. ويتطرق إلى أهمية المعركة بالقول "هي ملحمة بالنسبة لتنظيم، أصبحنا بعد السيطرة على قرية تركمان قريبين من دابق، كونه يفصلنا عن دابق قرية دويبق من الشرق، ومن الغرب شورين"، مشيراً إلى أن المعارك مستمرة حسب الخطة والوتيرة التي نسير بها". وحول المدة المتوقع أن تستمر المعارك فيها في هذه الجبهة، يرى عثمان أنه "قد نصل إلى دابق خلال يوم أو ربما عشرة أيام لا نعرف"، مبيّناً أن "استراتيجية المعارك هناك تختلف، وهناك ألغام وتعزيزات عسكرية كبيرة من التنظيم، فنحن لا نتوقع الوصول إلى دابق في زمن واحد، لدينا احتمالات عدة للتقدم ونتقدم بغض النظر عن أسماء القرى".

أما عن التسريبات التي تشير إلى اتفاق روسي تركي، تمتد فيه يد الأولى لتمكين النظام السوري في مدينة حلب، مقابل طرد تركيا تنظيم داعش، والمقاتلين الأكراد من حدودها، والحفاظ على الأمن القومي لأنقرة، يلفت القيادي العسكري نفسه إلى أنه "لا علاقة لدرع الفرات بالمعارك التي تدور في حلب المدينة". ويضيف "لا أعتقد أن هناك صفقة روسية تركية، على أن تحافظ تركيا على حدودها وبمنأى عن الأكراد وداعش، ولا يوجد علاقة بين المعركتين، المقاتلون في حلب لا يزالون مصممين على فعل شيء، والفصائل المتواجدة هناك لهم ثقل في الشمال والمدينة". وينوّه إلى أنه "لم يسبق أي فصيل أن قام بسحب مقاتليه من حلب المدينة باتجاه الشمال، فالمقاتلون في الشمال متواجدون منذ فترة طويلة. لواء السلطان مراد متواجد منذ أكثر من سنتين في الريف الشمالي وفي حلب والمعارك منذ ثلاثة أيام في بستان الباشا هو خط جبهة لنا وقواتنا متواجدة هناك، ولا تراجع بالنسبة لحلب ولا يوجد أي اتفاق.

الاتفاقات الروسية الأميركية معلقة
سياسياً، حاول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الاثنين، تحميل واشنطن والمعارضة السورية مسؤولية تعليق الاتفاقات الأميركية الروسية. وأشار إلى "تصريحات وخطوات الشركاء الأميركيين حول سورية فعلاً متباينة بقدر كبير، ونحن، طبعا، نأمل في إزالة أي مواقف مبهمة، لا سيما لأنها تطاول بصورة مباشرة تعاوننا مع الولايات المتحدة لتنفيذ الاتفاقات الروسية الأميركية التي باتت معلقة بسبب الغموض حول موقف واشنطن من مقاربات عدد كبير من أطياف المعارضة، بما فيها المسلحون وبعض المعارضين السياسيين لنظام (بشار) الأسد، الذين يرفضون الاتفاقات الروسية الأميركية أو يتهربون من تنفيذها". وأضاف "إننا نسعى لإزالة العقبات على طريق تنفيذ ما اتفقنا عليه بشأن التسوية السورية"، لافتاً إلى أنه يتحدث مع نظيره الأميركي يومياً. كما ذكر أنهما أجريا السبت الماضي ثلاث مكالمات خلال يوم واحد. بدوره، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أمس، أن الوضع في حلب محور النقاشات الحالية بين موسكو وواشنطن، مؤكدا عدم توصل الجانبين إلى تفاهمات بشأن سورية. واتهم واشنطن بأنها "لا تتعاون بشأن تحديد مواقع المجموعات المسلحة في سورية رغم دعوات موسكو إلى ذلك".

في غضون ذلك، لم يتخل المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن تكرار دعوته إلى وقف القصف في سورية. وقال دي ميستورا، أثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لمقر الأمم المتحدة في جنيف، إن اجتماعات تعقد بين الجانبين الروسي والأميركي، مضيفاً أن الأولوية للجانب الإنساني. وأوضح أنه "لا بد من إجلاء بعض الناس. لابد من توصيل المساعدات. لكن لا يمكن فعل ذلك ما لم يتوقف القصف". وعبّر عن غضبه بسبب قصف مستشفى إم 10 أكبر مستشفى لعلاج الصدمات في شرق حلب يوم السبت، مشيراً إلى أن القصف يتنافى مع القانون الإنساني. وشدد دي ميستورا أنه لن يتخلى عن السوريين. وقال "هل سنتخلى عن السوريين؟ هل سنتخلى عما يصل إلى 350 ألف شخص؟ أبداً. لهذا الموضوع لا يتعلق بتفاؤل أو تشاؤم وإنما عدم التخلي عن هؤلاء". ولم يقتصر استهداف المستشفيات على حلب، إذ أفاد الاتحاد الدولي للرعاية الطبية ومنظمات الإغاثة بأن غارات جوية ألحقت أضراراً بمستشفى الدكتور حسن الأعرج - الشهير أيضاً باسم "مستشفى الكهف" والذي يعد أحد أكثر مستشفيات سورية أماناً إذ يوجد في قلب جبل بعدما تعرض للقصف يوم الأحد.

من جهته، دان الأمين العام للأمم المتحدة بشدة الحملات العسكرية المروعة ضد المدنيين في مدينة حلب، معتبراً أن تشريد ملايين السوريين نتيجة الحرب الدائرة هو في حد ذاته جريمة حرب. وبينما أكد أن التدمير المستمر للمجتمع السوري لن يؤدي إلى أي أمل للشعب، اعتبر أنه يتعين على أطراف الأزمة السورية العمل على وضع حد لإراقة الدماء ووقف الأعمال العدائية. كما أشار إلى أن هيئة الحكم الانتقالي التي اتفق عليها عام 2012 يجب أن تكون العمود الفقري للاتفاق في سورية. ودافع الأمين العام للأمم المتحدة عن أداء الموفدين الدوليين الذين تم تعيينهم لإدارة الملف السوري بدءاً من كوفي عنان مروراً بالأخضر الإبراهيمي وأخيراً دي ميستورا، معتبراً أن "فشل أي قضية لا يمكن نسبه إلى ضعف الأداء الدبلوماسي ولكن إلى انعدام الإرادة السياسية". إلى ذلك، يحاول الاتحاد الأوروبي الدفع نحو الأخذ بالاقتراح الذي قدمه لتقديم المساعدات إلى مدينة حلب السورية. وفي السياق أجرت وزيرة الخارجية في الاتحاد، فيدريكا موغريني، مشاورات هاتفية مع حلفاء دمشق وشملت لافروف أمس، فضلاً عن اتصال بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم الأحد.


العربي الجديد


: الأوسمة



التالي
هجرة الدعاة أم الرعاة
السابق
قصف روسي يخلف قتلى ويدمر مستشفى بحلب

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع