البحث

التفاصيل

ناقصات دين

في حديث البخاري السابق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟" قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟" قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان دينها".

القضية الثالثة التي يثيرها الحديث أن النساء ناقصات دين، وأود أن أضع عدة ملاحظات في هذا الشأن:

ـ من المقرر شرعا أن الإيمان يزيد بالطاعات، وينقص بالمعصية، كما هي قاعدة أهل السنة، ومن كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه كما قال الإمام النووى، وفي ضوء هذا يفهم ظاهر الحديث بنقصان دين المرأة لنقصان الطاعة زمن الحيض.

ـ لكن امتثال المرأة لحكم الشرع بترك الصلاة والصيام زمن الحيض والنفاس ليس شيئًا معيبًا أو أمرًا ينتقص من أهليتها إذ إنها ليس لها في ذلك من يد، بل هي إرادة السماء في خلقها وتكوينها، وحكمة الله في خلقه؛ بل الذي نعتقده أنها مأجورة على هذا الامتثال؛ وإلا أثمت بالخروج عن الطاعة.

ـ قد يكون أمر النبي لهن بالصدقة الوارد في بداية الحديث لونًا من ألوان الطاعة التي تجبر وقوع بعض النساء في كفران العشير، وإنكار الجميل، وتجبر انقطاع المرأة في زمن الحيض عن الصلاة والصيام؛ ففي ذلك عوض عن الطاعة المتروكة التزامًا وامتثالًا للأمر الشرعي وهي الصلاة والصيام، وهي في ذلك معذورة، والله وحده هو الذي يكافىء خلقه، ويثيب عباده، وهو على كل شيء قدير.

ـ إذا تأملنا في معنى النقص الذي يعيب الإنسان ويشينه فإذا هو النقص الذي يمكن لصاحبه أن يغيره ويجبره وهو قادر عليه، ثم هو لا يفعل، فلا شك أن هذا نقص مذموم، فماذا لو أرادت النساء في حالتنا الصلاة والصيام زمن الحيض والنفاس لتجبر النقصان وتغيره، هل يقبل منهن ذلك شرعا؟ أم أن ذلك منهن يعتبر نقصا آخر وعيبا وعدم امتثال؟ فماذا يقال هنا: إذا التزمت فهي ناقصة، وإذا لم تلتزم فهي أيضا ناقصة؟

ـ من المقرر أن النساء لم يتركن الصلاة والصوم بإرادتهن، بل بأمر الشارع لهن، فكيف يحكم عليهن بذلك، مع أنه لولا الأمر الشرعي بذلك لصلين وصمن، فهل طاعة الشريعة تسمى نقصًا؟ فما الذي يسمى به عصيانها فيما لو صلت المرأة وصامت وهي حائض مخالفة للشرع؟ والحق الذي نعتقده في ذلك أن المرأة تثاب قطعًا على طاعتها الأمر بالامتناع عن الصلاة والصوم في الحيض، عملا بالنصوص والقواعد العامة التي تثيب المسلم على كل طاعة لأمر الله ونهيه، ثم تثاب على قضائها الصوم. كما يقول أستاذنا الدكتور محمد بلتاجى.

ـ ظاهر الحديث يعلل نقصان دين المرأة بعدم الصلاة والصيام معا زمن الحيض، أما نقصان الدين بعدم الصلاة زمن الحيض فظاهر ومفهوم، فماذا عن الصيام، الذي هو دين عليها، وتقضيه عندما يتيسر لها، لأنها مأمورة شرعا بقضاء الصيام وعدم قضاء الصلاة؟ مثلها في ذلك مثل أي رجل يلحقه عذر من مرض أو سفر؛ فيفطر ثم يقضى عندما يتيسر له بعد ذلك، فهل يقال في هذه الحالة أن الرجال ناقصو دين؟

ـ لم يقل أحد بوجوب قضاء المرأة للصلاة بعد انتهاء الحيض والنفاس إلا طائفة من الخوارج تسمى الحرورية فإنهم يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض، وهو خلاف إجماع المسلمين، فماذا لو خالفت النساء النصوص وإجماع الأمة بوجوب قضاء الصيام فقط، وعدم قضاء الصلاة، وعملت برأي الخوارج، وقضت الصلاة والصيام معا، هل ينتفي عنها وصف ناقصات دين؟

ـ إن الأمر في نقصان دين المرأة عائد حقيقة إلى ترك الصلاة فقط زمن الحيض والنفاس، وليس إلى الصلاة والصيام معا، لأن الذي يسقط عنها حقيقة ولا تقضيه هو الصلاة فقط.

وما أحب أن أختم به هذا الموضوع إجمالا هو السؤال الذي سأله الدكتور محمد عمارة: هل يجوز في أي منطق، أن يعهد الإسلام وتعهد الفطرة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية ــ صناعة الإنسان، ورعاية الأسرة ــ إلى ناقصات العقل والدين بهذا المعنى السلبي، الذي ظلم به غلاة الإسلاميين، وغلاة العلمانيين الإسلام، ورسوله الكريم الذي حرر المرأة تحريره للرجل؟.


: الأوسمة



التالي
الفكر الإسلامي المعاصر وأزمة المعرفة
السابق
ذُرِّيَّة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع