البحث

التفاصيل

إسلام المستقبل

 إنني أقول قبل أن يقول لي غيري: إن الإسلام في أصله وجوهره ومجمل ما جاء به، هو إسلام واحد، هو إسلام الكتاب والسنة. فليس هناك إسلام للماضي وإسلام للحاضر وإسلام للمستقبل .
وأقول: إن ثوابت الإسلام العقدية والخلقية والتشريعية، منها ما هو مستمر ومستقر منذ آدم ونوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام. وهو ماض على ذلك إلى يوم القيامة. وأن إسلام الماضي البعيد هو نفسه إسلام الماضي القريب، وهو إسلام الحاضر وإسلام المستقبل.
ولكني أعرف وأرى رأي العين لا رأي الفكر أن الإسلام حين يتجسد في أشخاص معينين، وفي مذاهب وطوائف معينة، وحين يتنزل على ظروف زمانية ومكانية واجتماعية معينة، فإن صورته تتشكل وتتكيف على أقدار وأنماط مختلفة متفاوتة، تزيد وتنقص، وتضيق وتتسع، ولكنها على كل حال ليست نسخا متطابقة، ولا مقاسات متساوية مضبوطة. وكل هذه الأنماط والأقدار والتمثلات هي إسلام، أو من الإسلام، أو إحدى صور الإسلام، أو محسوبة على الإسلام.
وهي حينما تتم وتتحقق في إطار علمي ورؤية اجتهادية موزونة متوازنة، بلا إفراط ولا تفريط، فإنها لا شك تعبر عن حيوية الإسلام ومرونته، وتعبر عن طاقته الاستيعابية الواسعة. وهي وجه من وجوه الحكمة والرحمة.
ولكن حين تجري بلا ضابط ولا ميزان، ولا حجة ولا برهان، فإنها تكون مجرد ترجمة لأنماط من العقليات والنفسيات، ومن الأهواء والشهوات، ومن الأذواق والعادات. وقد تصبح في النهاية شكلا من أشكال الإفراط والتفريط ، أو من التجديف والتحريف.
وكل هذا يعطي الإسلامَ الواحدَ الذي أنزله الله، صفات وملامح شخصية أو مذهبية أو قومية، أو ظرفية. وكل ذلك قد يكون حقا وفي نطاق الحق. وقد يكون باطلا وفاسدا، وقد يمتزج فيه هذا وذاك.
ومن قديم كانوا يقولون: فلان أسلم وحسن إسلامه. وفلان دينه متين. وفلان دينه رقيق، أو فيه لين.
ومن هنا نستطيع أن نتحدث عن إسلام الصحابة والتابعين، وعن إسلام المتأخرين، وإسلام المعاصرين، وعن إسلام الحاضر وإسلام المستقبل.
ولقد تحدث أستاذنا العلامة يوسف القرضاوي عن صور وتصورات وتوجهات متعددة لإسلام اليوم، فهما وممارسة، سماها «الاتجاهات السبعة السائدة اليوم في موقفها من الإسلام». [1]
من بين هذه الاتجاهات «الاتجاه الاجتراري» ويمثله بعض “الدعاة الذين يفكرون بعقول الأموات من الماضين، وينظرون إلى إشكالات الحياة المعاصرة بعيونهم، وبعض الجماعات الدينية التي تعيش على الماضي وحده ولا تهتم بما يمور به العصر من تيارات، ولا ما يعانيه الواقع من مشكلات”.
ومن بين هذه الاتجاهات «الاتجاه الاختصاري» الذي يختصر الإسلام ويختزله في العقيدة والعبادة، فهو “يريد الإسلام: عقيدة بلا شريعة، ودعوة بلا دولة، وسلاما بلا جه، وحقا بلا قوة، وعبادة بلا معاملة، ودينا بلا دنيا…”
ومنها أيضًا « الاتجاه الاشتجاري» وهو الذي يجعل الإسلام في حالة شجار دائم مع كافة الناس. «أصحاب هذا الاتجاه دائما في “حالة حرب” مع غيرهم، شاهرون سيوفهم على من ليسوا أعداء لهم...»
فهم يقدمون نموذجهم الخاص للإسلام: “إنه الإسلام المقطب الوجه، العبوس القمطرير، الذي لا يعرف غير العنف في الدعوة، والخشونة في المجادلة، والغلظة في التعام، والفظاظة في الأسلوب…”
ومن هذه الاتجاهات اتجاه «الوسطية الإيجابية» الذي يسميه أيضا «الاتجاه الحضاري».
إسلام هذا الاتجاه هو“إسلام التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، والرفق لا العنف، والتعارف لا التناكر، والتسامح لا التعصب، والجوهر لا الشكل، والعمل لا الجدل، والعطاء لا الادعاء، والاجتهاد لا التقلي، والتجديد لا الجمود، والانضباط لا التسي، والوسطية لا الغلو ولا التقصير”
من هذا الباب وعلى هذا الأساس، أعني ما أعنيه بعبارة «إسلام المستقبل» الذي من خلاله نضمن مستقبل الإسلام، على نحو أفضل وأمثل، ومن خلاله نستوعب طبيعة زماننا وأحوال عصرنا، ما لها وما عليه، وما يمكن فيها وما لا يمكن، وما يصلح لكل داء من دواء، وما يلزم تقديمه على غيره لأولويته الظرفية أو الدائمة.
****************************************
[1] ) الدور الحضاري للأمة المسلمة في عالم الغد، لنخبة من الباحثين والكتاب،
نشر وزارة الأوقاف القطرية ١٤٢١– 2000
بحث الدكتور يوسف القرضاوي: « حاجة البشرية إلى الرسالة الحضارية لأمتنا ».
(ص ٧٠٧ ) وما بعدها .
***************
المصدر: أبحاث في الميدان - ص7 – 10


: الأوسمة



التالي
هذا هو قاتل إمام مسجد كوينز ومساعده في نيويورك.. والجالية المسلمة: نريد العدالة
السابق
القرضاوي: ارض الانبياء تستغيث

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع