البحث

التفاصيل

التطبيع التركي مع "إسرائيل"

تساؤلات عدة أثارها التطبيع التركي الإسرائيلي الذي جرى الإثنين الماضي، حيث اعتبره معارضو أنقره بمثابة بيع "تركي" للقضية الفلسطينية، في حين رآه مؤيدوها بأنه "انتصار تاريخي في مرمى إسرائيل" التي لم يسجل العرب أي نقاط في شباكها منذ انسحاب غزة 2005، بل على العكس دائما ما كانت تقود تل أبيب الهجوم في ظل صمت عربي مريب منذ 2008 وحتى 2014 باستثناء حرب 2012 والتي وقف لها أول رئيس مصري منتخب، وكان هذا أحد أسباب التعجيل برحيله بعد أقل من عام.

وما بين التهوين والتهويل، ينبغي وضع الاتفاق في إطاره الصحيح سواء فيما يتعلق بمعرفة أهداف ومصالح تركيا من ناحية، والظرف الإقليمي والدولي من ناحية ثانية.

فسبب التوتر في العلاقة يرجع إلى دعم تركيا لكسر الحصار"وليس رفعه" على غزه والمضروب عليها منذ 2008، وما ترتب عليه من اعتداء إسرائيلي على سفينة مرمرة التركية ومقتل عشرة أتراك.. وقبل هذا كانت العلاقات جيدة إلى حد كبير..وحينها اشترط أردوغان ثلاثة شروط أساسية للتطبيع، هي اعتذار رسمي الإسرائيلي كتابة وليس شفاهة، ودفع تعويضات لأسر الضحايا، ورفع الحصار عن غزه. ويلاحظ أن اثنين منهما يتعلقان بتركيا وكرامتها، والثالث يتعلق بالقضية الفلسطينية. ورغم عدالة هذه المطالب في إطار القانون الدولي، إلا أنها ربما تكون قاسية على إسرائيل التي اعتادت قتل العرب والفلسطينيين بدم بارد دون اعتذار أو تعويض. لذا رفضتها في البداية، ثم وضعت شروطا للتخفيف من آثارها، أو حفظ ماء وجهها أمام الإصرار التركي من ناحية وللأضرار التي تقع عليها بسبب غياب التطبيع معها، لاسيَّما ما يتعلق بتصدير غازها الطبيعي إلى أوروبا عبر البوابة التركية الأقل تكلفة من البوابة اليونانية أو حتى المصرية والقبرصية. فاعتذر نتنياهو هاتفيا لأردوغان في 2013 بدلا من الاعتذار الكتابي، وانصاعت إسرائيل ربما للمرة الأولى لدفع تعويضات تقدر بـ20 مليون دولار "بواقع مليوني دولار لكل ضحية" مقابل وقف أنقره الملاحقات القانونية للقادة الإسرائيليين المتسببين في الحادث. كما وافقت على رفع الحصار جزئيا عن غزه عبر السماح بتقديم مساعدات قادمة من تركيا "سواء أكانت تركيا مصدرها أو غيرها" لتصل إلى القطاع عبر ميناء أسدود الإسرائيلي، مع إعلان نتنياهو استمرار الحصار البحري على القطاع" أي رفض فتح ميناء غزه أو إقامة ميناء يكون أداة اتصال خارجي للغزاويين بالعالم.

ولكي نقيم هذا الاتفاق لاسيَّما أنه ربما لا يتماشى بصورة كبيرة مع الموقف التركي قبل ست سنوات، لا بد أن ننظر للمشهد الإقليمي والدولي، لمعرفة أسباب القبول التركي به، وهل هذا القبول يخدم تركيا أولا، والقضية الفلسطينية ثانيا أم لا؟

إن تركيا التي دشنت سياسة صفر مشاكل من خلال رئيس وزرائها السابق داوود أوغلو، وجدت نفسها بعد الربيع العربي في مواجهات داخلية وخارجية لا حصر لها، فقد تحملت فاتورة دعم الثورة السورية، وتوترت علاقاتها مع الحليف والشريك الاقتصادي والسياسي الروسي القوي بسببها، كما وجدت نفسها في مواجهة تكتل رباعي إقليمي بقيادة إسرائيل يضم خصومها "مصر، قبرص، اليونان"، فضلا عن تراجع الدعم العربي للقضية الفلسطينية بسبب المشكلات الداخلية التي تواجهها العديد من الدول العربية.

وبالتالي كان على أنقره الموازنة بين مصالحها من ناحية، واستمرارها في تأييد القضية من ناحية ثانية، فقبلت بكسر الحصار المؤقت عن القطاع عبر مرور المساعدات "التركية وغيرها" من بوابة أنقره إلى غزه عبر بوابة إسرائيل على اعتبار أن إسرائيل هي المتحكمة في ذلك بسبب غلق مصر معبر رفح بسبب الخلافات مع حماس، كما حصلت على موافقة ببناء محطة توليد كهرباء، وتحلية مياه في القطاع الذي يعاني من مشاكل مزمنة فيهما، علاوة على رفضها الموافقة على غلق مكتب حماس لديها. وهو ما يعني أن تطبيعها مع تل أبيب لن يكون خصما من علاقتها مع حماس، بل على العكس ربما يساهم في قيامها بالوساطة بين الجانبين مستقبلا، بحيث تتحول القضية الفلسطينية من البيت العربي إلى البيت التركي، وربما هذا هو أحد المكاسب الأخرى التي ربما تكشف عنها الفترة القادمة.


: الأوسمة



التالي
هذه شروطي لمناظرة عدنان إبراهيم
السابق
سجود

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع