البحث

التفاصيل

مصابيح الحياة

الرابط المختصر :

إن الحياة تعلم العاقل فيها أن يجعل قلبه مدينةً بيوتُها المحبة وطرقُها التسامح والعفو، وأن يعطي الخير لمن حوله وينشر الحسن والجمال ولا ينتظر الرد على العطاء، وأن يصدق المرء مع نفسه قبل أن يطلب من أحد أن يفهمه، وأن لا يندم على شيءٍ وأن يجعل الأمل مصباحا يرافقه في كل مكان، فالمرء حسب تعاليم الإسلام وهديه منوط بالتكليف، فهو مسؤول عن عمله، إن خيرا فسوف يجزى به، و إن شرا فسوف يعاقب عليه، ويؤتى يوم القيامة كتابه إما بيمينه أو بشماله، فهو يقوم بدوره وواجباته في المجتمع انطلاقا من المسؤولية التي سيسأل عنها يوم القيامة، فكل عبد فسوف يأتي الله عز وجل فردا، فالنجاح سلم صعب المنال ويأتي إلا بعد جهد وعرق فلا تستطيع تسلقه ويداك في جيبك، فالعواصف الشديدة تحطم الأشجار الضخمة، ولكنها لا تؤثر في العيدان الخضراء التي تنحني لها، لذلك علمتني الحياة أن أجمع بين كلٍ من الجمال والقسوة في آن واحد، الجمال لمن يقدِّر الجمال دون أهداف أخرى، والقسوة في وجه من يلجأ إلى الخداع ولمن يحاول أن يقطف الزهرة كي يستمتع بها دقائق ثم يلقي بها في أقرب طريق يلقي بها تحت الأقدام، وكل إنسان من ذكر وأنثى في مجتمعه يمارس مجموعة من المسؤوليات التي يفرضها عليه مكان وجوده وقدراته ومقدار معرفة الفرد لمسؤولياته وفهمه لها، ثم حرصه على تحقيق المصلحة والفائدة المرجوة منها، مما يجعل المجتمع متعاونا فعالا تسوده مشاعر الانسجام والمودة بين أفراده.

فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا) رواه البخاري، فمن المعلوم أن المجتمع هو هذه السفينة يركب على ظهرها البر والفاجر والصالح والطالح والمحسن والمسيء والمتيقـظ والغافل تحملهم هذه السفينة جميعا لوجهتهم، ولكنها وهي محكومة بالموج المضطرب والرياح الهوجاء من كل جانب تتأثر بكل حركة تقع فيها، فتهتـز مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال وقد تستقيم على الأفق أحيانا أو ترسب إلى الأعماق أحيانا، وإن كثيرا من الناس لينسى في غمرته هذه الحقيقة، ينسى سفينة المجتمع أو سفينة الحياة، ينسى فيخيـل إليه أنه ثابت على البر قوي راسخ، لا يضطرب ولا يميل ولا يزول ومن هنا يفجر ويطغى، ولو تذكـر من استكبر وطغى أنه ليس راكزا على شاطئ الأمان، وليس دائما في مكانه ولا خالدا في سطوته وإنما هي رحلة قصيرة على سفينة الحياة، لو تذكر ذلك ما استكبر ولا طغى ولعاد إلى مصدر القوة الحقيقيـة في هذا الكون يستلهم منه الهدى ويطلب منه الرشاد، ويسير على النهج الذي أمر به وارتضاه للناس، ولكنها الغفلة السائدة التي تخيم على البشرية إلا من آمن واتـقى وعرف ربه واهتدى، والرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من هذه الغفلة التي ترين على القلوب ويصورها في صورة السفينة الماخرة في العباب يقسم ركابها بحسب أماكنهم الظاهرة في المجتمع، فالأمر حينئذ لا يخلو من إحدى نتيجتين، إما أن يقوم أهل العلو بواجبهم في منع هذه الكارثة فينجو الجميع، وإما أن يتركوهم وشأنهم بدعوى أن هذا نصيبهم يفعلون فيه ما يشاءون، وحينئذ تكون النتيجة الحتمية هي هلاك الجميع، فالهدي النبوي يبين أنه هكذا تكون حال الناس في المجتمع، فإنه لا يخلو مجتمع من بعض صور المنكر والفساد التي يقدم عليها ضعاف الإيمان، وقد يلتمس بعضهم لنفسه مبررا فيما يفعل كأن يقول هذه حرية شخصية وأنا حر أصنع في ملكي ما أشاء، فإن قام أهل الرشد بواجبهم في إنكار هذه المنكرات والأخذ على أيدي الظالمين صلح المجتمع ونجا الجميع من غضب الله عز وجل، فالعاقل في الحياة هو من يقابل الخير بالخير ومن يقابل الشر بالخير، ومن يقابل الإحسان بالإحسان ومن يقابل الإساءة بالإحسان، وعلمتني أن أحاول إصلاح الكون من حولي وتزيينه بلمسات من الجمال، فلابد من تبصر مواطن النقص والخلل في المجتمع، والتي تحتاج إلى تحسين وإحساس النفس بالمسؤولية تجاهها والحرص على المشاركة الإيجابية في بناء المجتمع وإصلاحه.


: الأوسمة



التالي
أهلاً يا رمضان شهر الإقبال على الله (1)
السابق
الغنوشي: لا فصال في عقل المسلم بين السياسة وبين الدين

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع