البحث

التفاصيل

استراتيجية إيران حتى عام 2036… فما استراتيجيتنا نحن؟

رسم الجنرال رحيم صفوي الخطوط العريضة للإستراتيجية الإيرانية للسنوات العشرين المقبلة حتى عام 2036، في مؤتمر عقــــد مؤخــــرا في طهران. وصفوي قائد سابق للحرس الثوري الإيراني، وحاليا مستشار عسكري للمرشــد الأعلى علي خامنئي، وبالتالي فإن الأهداف والاهتمامات التي حددها في الإستراتيجية، تؤشر إلى المديات الحقيقية التي سيتعامل معها صانع القرار الإيراني للفترة المقبلة.
يضع صفوي المنطقة العربية في بؤرة السياسة الإستراتجية الإيرانية، مُذكّرا في مواصلة الدعم لحزب الله في لبنان، حتى بلوغه درجة الاكتفاء الذاتي ماليا وعسكريا، كي يصبح القوة الكبرى في لبنان، على حد تعبيره. كذلك منع سقوط بشار الأسد والحيلولة دون تقسيم العراق وسوريا، من خلال التصدي للطموحات الكردية، إضافة إلى الحضور الدائم في منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزيا واوزبكستان وطاجيكستان ومنغوليا وباكستان وأفغانستان. لكن أهم ما جاء في تصريحاته هو ما وصفه بنقل استراتيجية إيران إلى دول المنطقة. فما هي تلك الإستراتيجية التي يجب أن تُنقل إلى المنطقة ؟
الإستراتيجية هي فكرة تربط الوسائل بالأهداف، أي ماذا أستطيع أن أحقق بما معي من وسائل. هي تعكس الواقع التكتيكي والعملي الذي تتعامل معه لأنها بنت الواقع، وهي كائن حي كلما احتك بالواقع تبدل. الإستراتيجيات أنواع، استراتيجية القوة، استراتيجية الخداع والحيلة، استراتيجية تغير الواقع من تحت إلى فوق، من خلال تغيير البيئة الاجتماعية للإمساك بالفوق. أما استراتيجية إيران فهي مجموع كل هذه الإستراتيجيات، وأبعادها هي، أولا القرار بيد المرشد الأعلى، ثانيا عدم الزج بالجيش خارج إيران والاستعاضة عنه بالحرس الثوري، ثالثا خلق قوى طائفية في المنطقة تديرها عن بعد وتشكل المكون الاقليمي لهذه الإستراتيجية. كما أنها تقوم على رفض التغيرات في الحدود، وجعل الانقسامات داخلية وخلق اصطفافات في المنطقة على أساس شيعة، سنة، عرب وأكراد. هذه التحركات تعطيها دينامية جديدة تُحرّك وتُخلخل المنطقة لخلق واقع جديد، يساعد على ظهور معادلة جيوسياسية جديدة تجبر الجميع على التأقلم وفق الإرادة الإيرانية، بعد أن يدفعوا أثمانا عالية في الأرواح والأموال. كما أن نقل الكيان المعنوي للدولة الايرانية من دولة إلى ثقافة ورمزية شيعية، هو أحد الاهتمامات الرئيسية في هذه الإستراتيجية، ولم يعد يقتصر هذا الامر على المنطقة المحيطة بها فقط، بل تعداه إلى شمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا، وهم يسعون إلى العالمية أيضا. فقد اعتادوا أن يصوروا أنفسهم على أنهم أمة استثنائية، ومثال يُحتذى من قبل الآخرين، ولهم الحق الحصري في خلق دول وكيانات شيعية، من خلال الدفع بالجبال الطائفية للتحرك في الفضاء العربي، ثم تثبيت هذه الجبال في الأماكن المطلوبة، كي تكون عند استقرار الأوضاع مفيدة لها. فعدم مقدرة إيران على خوض حروب عسكرية، جعل استراتيجيتها تقوم على نقل آليات الإدارة السياسية إلى الوسائل المليشياوية– السياسية، أي مواجهة الآخرين بالقوة الناعمة لزعزعة الاستقرار، ومن ثم بواسطة الفوضى المليشياوية تحقق إيران أغراضها السياسية والأمنية.
فهي تسعى إلى أن يكون هنالك شبه دول في محيطها الاقليمي، على أن يكون الحليف الاساسي لايران هو المسيطر فيها، كما هي الحال في لبنان، حيث الحليف حزب الله هو القادر على التأثير في السياسة اللبنانية والاقليمية، والدولة اللبنانية شبه دولة، أي أننا أمام حالة وسطاء يعملون من ضمن شبه دولة، وهذه شبه الدولة يجب أن تكون غير قوية وغير قادرة على استيعاب وسيطهم، وليست ضعيفة إلى درجة لا تعطي شرعية لهذا الوسيط.
الهدف من كل هذا السيناريو هو الهيمنة غير المباشرة والتأثير بالمحيط، ثم السعي لاخذ الشرعية لهذا الدور من المتضررين، وكذلك من القادرين على توزيع الادوار للقوى الاقليمية الكبرى.
في الإستراتيجية الايرانية، العراق هو صدر مركز الثقل والعمق الإستراتيجي للعرب، وهو مهم جدا لانه الخاصرة العربية لها، والفتوحات العربية لايران مرت من خلاله، وكل ثرواتها الطبيعية تقع على الحدود معه، وسورية هي قلب الهلال الخصيب، ولا يمكن فصل القلب عن مركز الثقل. لذا كلاهما يشكلان عصبا مهما في التفكير الإستراتيجي الايراني. وإذا كان عام 1514 قد شهد تغيرا في الخريطة السياسية للهلال الخصيب، فلسطين والعراق وسورية ولبنان، بعد معركة شلدران في العراق بين الفرس والعثمانيين، حيث أصبحت المنطقة تحت السيطرة التركية، فإن إيران استغلت الغزو الامريكي للعراق لتعيد الهيمنة على الهلال الخصيب، وهذا تحول جيوسياسي كبير تحاول به العودة إلى حلم الامبراطورية ومناطق نفوذها السابقة. لكن جغرافية الهيمنة هي هي نفسها لكل من العرب وإسرائيل وتركيا وإيران، أي أن الجميع يتنافسون على المنطقة الجغرافية نفسها. ولأن النجاح الإستراتيجي يُحتّم السيطرة على كل مكونات النجاح، أي أن مستوى النجاح وعوامله يجب أن تكون تحت اليد وليس في يد الآخرين، فإن سيطرتها على الهلال الخصيب لن تكون سهلة أو مجدية، لان هذه المنطقة الجغرافية عوامل النجاح فيها مشتتة لكثرة اللاعبين الاقليميين والدوليين. مع ذلك يبقى دورها في سوريا والعراق ولبنان مهم جدا في استراتيجيتها، لانه أحد وسائل تنفيذ أهدافها الجيوسياسية، المتمثل بترسيخ دورها كقوة إقليمية معترف بها ولها شرعيتها تحت هذه المسلمات.
أهم معادلة إيرانية لدى صانع القرار الايراني هي أن الحرس الثوري هو قلب الدولة، وطهران هي قلب إيران، وإيران هي قلب المحيط المباشر. كل المحيط المباشر وما بداخله يُعتبر من الامور الاكثر أهمية في الإستراتيجية الايرانية، التي تقوم على مراحل كل منها يؤسس لما بعدها ويوسعها بوسائل هي، الحرس الثوري، والاقتصاد، وولاية الفقيه لنشر التشيع، يتزامن كل هذا مع أبقاء الداخل مستقرا، وتركيب مجموعة دول عربية بهلال شيعي إقليمي ضمن منظومة تستخدمها إيران، تعتمد النظام السياسي نفسه فيها، مع خلق مصدر آخر من مصادر الشرعية، هي سلطة المرجعيات الدينية، التي لها أدواتها المؤسساتية وميزانية كبيرة، ولها القدرة على إدارة التوجهات الكبرى السياسية والعسكرية والامنية.
في السياسة، على الضعيف أن يفعل ما يجب عليه أن يفعله، وعلى القوي أن يفعل ما يريد أن يفعله. وها هي إيران تفعل ما تريد أن تفعله لحماية أمنها القومي وتحقيق مشروعها التوسعي، لكن العرب عاجزون تماما عن فعل ما يجب أن يفعلوه، لانهم يمرون بمرحلة سقوط الدولة. فلدينا حكومات بدون حكم، ومجتمعات عادت إلى ما قبل سايكس بيكو، حيث القبيلة والمذهب والطائفة، وجيوش تم الاستغناء عنها بالمليشيات والحشود الشعبية، فتدخلت إيران بشؤون الاقطار العربية، وتحاول الظهور بمظهر المدافع عن حقوق الامة.


: الأوسمة



التالي
إعدامات بنغلاديش.. ماذا وراء الأكمة؟
السابق
إيران تطلق أكبر مشروع لنشر التشيع في أفريقيا (صور)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع