البحث

التفاصيل

الصراع على الإخوان المسلمين

الرابط المختصر :

يمثل تيار الإخوان المسلمين أحد المحاور الرئيسية للصراع في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا في مرحلة "الثورات المضادة"، الأمر الذي يؤشر على استمرار أهمية هذا التيار، خلافا للاستنتاجات المتسرعة أحيانا، والرغائبية أحيانا أخرى، التي روجت لنهايته، باعتبار أنه كان أحد أكبر الخاسرين من انتكاسة "الربيع العربي".

ويتخذ الصراع المتمحور حول تيار الإخوان اتجاهين، الأول: "صراع مع الإخوان" تخوضه القوى والدول التي رعت الثورة المضادة أو انضوت تحت لوائها، وهي قوى تبذل كل ما تستطيع من القوة العسكرية، والأموال، والقوة "الناعمة" لسحق جماعة الإخوان بجميع تمظهراتها السياسية والحزبية. أما الثاني، وهو موضوع هذا المقال، فهو "صراع على الإخوان"، تخوضه تيارات داخل الجماعة في عدة دول عربية، تحت شعار الإصلاح والتغيير والمراجعات التي تفرضها اللحظة التاريخية الفارقة. وحينما نقول إنه صراع "على الإخوان" وليس "داخل الإخوان"، فإنه مصطلح مقصود وليس عبثيا، لأن الصراع في حقيقته هو على احتكار تمثيل الجماعة، أو السيطرة على "شعارها" واسمها وكوادرها الذي تقول بعض الأرقام إنهم يبلغون بمصر وحدها حوالي المليون عضو، إذ تعتبر كل مجموعة من أطراف هذا الصراع أنها الأحق بالشعار والاسم، وأنها الأكثر استحقاقا للانتماء "للجذور الأصلية" للإخوان، والأكثر تمسكا بمدرسة "حسن البنا".

أسباب الصراع

تعد جماعة الإخوان المسلمين أكبر منظمة "إسلامية" في العالم من حيث الانتشار والتوزع الجغرافي وعدد المنتمين أو المؤيدين، وقد أظهرت معظم إن لم يكن الانتخابات المحلية والنقابية والبرلمانية كافة، وحتى الرئاسية قدرة هذه الجماعة على تحقيق انتصارات واضحة، في أي بلد عربي تجرى فيه انتخابات نزيهة أو ديمقراطية.

ونظرا لهذا الحجم الكبير للجماعة، فإن ظاهرة "الصراع على الإخوان" ليست جديدة، ولكن أسبابا موضوعية وتاريخية جعلت الصراع الداخلي في المرحلة الحالية أكثر عمقا من أي وقت مضى.

إن أول هذه الأسباب يتمثل بالخسارة المدوية للجماعات المنتمية لتيار الإخوان في بلاد الربيع العربي، سواء كان ذلك بالانقلاب الدموي في مصر، أو الثورة المضادة في تونس، أو الخسارة العسكرية أمام الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح في اليمن، حتى الآن على الأقل، أو كنتيجة من نتائج انتكاسات الثورات الشعبية في أكثر من بلد، التي خسر الإخوان وغيرهم من قوى التغيير بسببها زخمهم وقوتهم ووجودهم على الأرض.

ومن الطبيعي أن تؤدي خسارة أي تيار أو تعرضه لهزيمة تاريخية إلى إحداث نقاش كبير داخلي قد يتطور إلى انشقاقات، ويظهر ذلك من خلال تمحور القيادات الوسطى والقواعد حول تيارات؛ يرى بعضها أن "القيادة" مسؤولة عن الهزيمة، وبالتالي فإنها يجب أن "تحاسب" و "تغيَّر"، فيما يرى آخرون أن هذه القيادة تتعرض إلى "محنة" وتقدم صورا باهرة من "الصمود" و"التضحية"، تستلزم من الجميع الوقوف وراءها إلى حين انتهاء "المحنة".

وإضافة لذلك، فإن الهزائم التاريخية لأي تيار سياسي تقود حتما إلى صراعات داخلية، ونقاشات جذرية حول الطريقة التي يجب التعامل فيها مع الهزيمة، وحول كيفية الرد على الطرف الآخر، سواء كان هذا الطرف حزبا سياسيا أو دولة عميقة أو انقلابا عسكريا دمويا.

ولذلك، فإن النقاش الساخن الدائر بين تيارات "الإخوان" على امتداد الدول العربية، ليس سوى مجرد عارض طبيعي "للهزيمة" التي تلقتها الجماعة، ومن المؤكد أن هذا النقاش لم يكن ليصل إلى هذه الحدة لو استمرت مسيرة الإخوان التي كانت تشارك في الحكم أو تقوده، في مصر أو تونس أو اليمن أو ليبيا.

أما السبب الثاني للصراع الداخلي في تيار الإخوان المسلمين فهو تاريخي وفكري. ينطلق من استحقاقات فكرية فرضها تغير التاريخ بالنسبة لدور الإخوان في العالم العربي؛ إذ إن نجاح الثورات العربية بإزالة "رؤوس الأنظمة العربية" في عدة دول أدى إلى تحول طبيعة الجماعة ودورها، من حركة "دعوية معارضة إصلاحية" إلى جماعة "سياسية حزبية"، تشارك في الحكم وتتحمل مسؤولياته التي تختلف جذريا عن مسؤوليات المعارضة.

وعلى الرغم من أن هذا التحول لم يكن سوى تجربة قصيرة تم الانقضاض عليها من الثورات المضادة، انقلابية كانت أم سلمية، إلا أنها شكلت محورا للجدل داخل تيارات الإخوان حول الرؤية والأيدولوجيا، وكشفت ضعف التنظير داخل التيارات الإخوانية حول مفهوم "الدولة الوطنية" و"الشريعة" و"المواطنة" و"الأقليات" و"النموذج الاقتصادي" و"العلاقات الدولية"، وغيرها من العناوين التي أجبر الإخوان على "الاشتباك" معها بصورة غير مسبوقة إبان دخولهم لتجربة الحكم، وأظهرت أنها عناوين لا تصلح معها تنظيرات مرحلة "الدعوة والإصلاح والمعارضة" التي اعتادتها التيارات الإخوانية.

أما السبب الثالث في اشتداد الصراع "على الإخوان" فينطلق من حالة الفراغ القيادي التي خلفتها حملات القمع والاعتقال والتشريد والقتل خارج القانون، التي نفذتها وتنفذها سلطات الانقلاب بحق قيادات الجماعة، ما يعني أن القيادة المنتخبة التي كانت موضع "شرعية" من معارضيها ومؤيديها على حد سواء لم تعد موجودة، ما يفتح جدلا كبيرا حول "الشرعية" بين بقايا مكاتب منتخبة قبل الأزمة، وأخرى انتخبت كرد على الأزمة ومحاولة لإدارتها والتعامل معها.

وعلاوة على الأسباب الثلاثة "الداخلية" التي ذكرت آنفا، فإن العامل الخارجي يمثل عنصرا جوهريا في تأجيج الصراعات الداخلية لجماعة الإخوان. فقد تعرضت الجماعة لهجمات سياسية وأمنية متزامنة على الصعيد الوطني- في أكثر من بلد- وعلى الصعد الإقليمية والدولية على حد سواء، ما أدى إلى هزيمتها في ظل انعدام مخل لموازين القوى. صحيح أن أي لاعب سياسي يجب أن يتوقع "التآمر" على تجربته من خصومه، كجزء من العمل السياسي، ولكن حجم الحملة التي تعرض لها الإخوان تفوق قدرة أي فصيل أو جماعة مهما أحسنت الإعداد والتخطيط، دون أن يعني ذلك إغفال الأسباب الذاتية في الهزيمة.

وقد تابع خصوم جماعة الإخوان حملتهم على الجماعة حتى بعد هزيمتها؛ في محاولة لمنع أي فرصة لقيامها من كبوتها، ولذلك فإن من الواضح أن هؤلاء الخصوم وخصوصا سلطات العسكر والانقلاب "في الحالة المصرية" يعملون على تغذية الصراع، من خلال أذرعهم المختلفة، مستفيدين من "الهزيمة" التي تعرض لها الإخوان.

تيارات الصراع على الإخوان

بعيدا عن التمظهرات السطحية للصراعات داخل جماعة الإخوان ممثلة بالخلافات بين مكاتب ولجان وجمعيات وجماعات وغيرها من المسميات، فإن حقيقة الصراع أعمق بكثير مما يظهر على السطح من تمظهرات. ومن خلال متابعة ما ينشر في الإعلام المرئي والإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي؛ يمكن القول إن الصراع الجذري هو صراع بين رؤى ثلاث، لا يمكن بشكل علمي تحديد عناوينها ورموزها، ولا نسبة المؤمنين بها من القواعد الشعبية، ولا حتى أسسها النظرية، إذ إنها لا تزال رؤى مشوشة تنطلق من ردة الفعل على "حالة الأزمة"، يعتقد المؤمنون بكل منها أنها الرد الحقيقي على الأزمة التي تمر بها الجماعة.

أولى هذه الرؤى هي تلك التي تنطلق من مبدأ "الحفاظ على التنظيم" كأولوية قصوى. وهي رؤية تتقبل الهزيمة عمليا أمام الانقلاب كأمر واقع، وتسعى لـ"إنقاذ ما يمكن إنقاذه". وهي غير مقتنعة بإمكانية الانتصار على الانقلاب نظرا لاختلال موازين القوى، وتعتبر أن إعادة بناء هياكل التنظيم تحتاج إلى فترة من الابتعاد عن السياسة، وتعتبر أن مواجهة الانقلاب-وإن كانت مطلوبة ويجب أن تستمر- ولكنها ليست سوى أولوية من ضمن الأولويات الكثيرة الملقاة على عاتق الجماعة باعتبار أن الانتصار على الدولة العميقة غير ممكن في الظروف الحالية.

ويقع في هامش الرؤية الأولى أيضا، تيار يعتبر أن جماعة الإخوان يجب أن تركز على العمل الدعوي، ويجب أن تعترف بأنها خسرت سياسيا وشعبيا، وبالتالي فهي بحاجة إلى فترة انتقالية قد تكون طويلة لإعادة بناء علاقة إيجابية مع الشعب المصري، بعد أن تعرض لحملة إعلامية غير مسبوقة أدت إلى تشويه صورة الإخوان قبل وبعد الانقلاب. أصحاب هذه الرؤى ليس لهم تصور واضح عن كيفية التعامل مع "الجروح" التي خلفتها الأزمة، وعن طريق الخروج من عالم السياسة إلى عالم الدعوة بأقل الخسائر.

أما الرؤية الثانية فهي تلك التي تعتبر أن نجاح الإخوان سياسيا يستلزم انتهاج سياسة واقعية تحترم مفهوم "الدولة الوطنية"، وتتسم بالبراغماتية العالية، وتبتعد عن الخطاب الديني، وتخوض السياسة بكل عيوبها وشرورها وأحيانا "لا أخلاقيتها". كثيرون من أصحاب هذه الرؤية يؤمنون بأن التجربة التي خاضتها مثلا حركة النهضة التونسية واتسمت بالبراغماتية والحكمة، جنبت تونس والحركة مآلات شبيهة لما جرى في مصر، ويعتقدون بأن الإخوان يجب أن يتعلموا لعبة السياسة وفق قوانينها، لا قوانين الحركات الإسلامية-الدينية. أصحاب هذه الرؤية ليس لديهم حتى الآن "نظرية" للانتقال من الوضع الراهن إلى وضع الاندماج بالعملية السياسية، كما أنهم لم يجدوا حتى الآن "أردوغانهم" أو "راشدهم" (نسبة إلى الشيخ راشد الغنوشي) الذي يقود عملية التحول هذه.

أما الرؤية الثالثة التي تصارع على الإخوان المسلمين، فهي تلك التي تؤمن بأن الرد على الأزمة يجب أن يكون "ثوريا"، باعتبار أن الخط السلمي الناعم الذي تنتهجه الجماعة لا يمكن أن يوقف جرائم النظام أو يسقط الانقلاب. أصحاب هذه الرؤية يزدادون إيمانا يوما بعد يوم بموقفهم مع زيادة الاستبداد الذي يمارسه النظام، بل إن بعض رموز الجماعة بدأت تنظّر وتؤصل لهذه الرؤية في ظل انسداد الأفق السياسي، واستمرار جرائم النظام اليومية ضد معارضي الانقلاب. وبالطبع فإن من يتبنون هذه الرؤية لم يجيبوا حتى الآن بشكل علمي على التساؤلات الكبرى المتعلقة بمشروعية و"أخلاقية" هذه الرؤية، إذ إنها تتهم بقبول نوع ما من العنف، فضلا عن إمكانية نجاحها في ظل اختلال موازين القوى والتجارب التاريخية المريرة التي خلفها العنف في عدة دول عربية.

وتبدو أزمة جماعة الإخوان الحقيقية ليس فقط بالصراع "على الرؤى" داخلها، بل في عدم وجود "نظرية" متكاملة لأي رؤية من الرؤى التي تتصارع عليها، وعدم وجود قادة قادرين على قيادة تحول حقيقي من حالة الهزيمة إلى حالة التوازن، فضلا عن الانتصار.


 


: الأوسمة



التالي
نبيع العفش ولا لأ؟!!
السابق
الاتحاد يهنئ شبكة الجزيرة الإعلامية وأسرة ومحبي الصحفي عبد الله الشامي بالإفراج عنه بعد أن تم اعتقاله قسرياً

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع