البحث

التفاصيل

القره داغي: الثورات الشعبية في عالمنا العربي قد قربت المسافة بين العالم

إنعقد المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته الـ (21) في إيرلندا برعاية مؤسسة راشد آل مكتوم الإماراتية، حيث ألقى الأمين العام للأتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الدكتور علي القره داغي كلمة  ذكر فيها المقاربة التي حصلت بين الغرب والشرق بفعل الثورات العربية الراهنة، وذكر ثلاثة رسائل موجزة: إلى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والأقلية الإسلامية بأوروبا وغيرها، والحكومات والشعوب الأوروبية.

نص الكلمة:

أصحاب الفضيلة والسماحة،،،

أيها الإخوة والأخوات،،،

أحييكم بتحية الإسلام فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، 

وأحمل إليكم تحيات فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله وشافاه، ودعاءه لكم ولهذه الدورة للمجلس بمزيد من النجاح والتوفيق، ونحن بدورنا نفتقده ونُحسّ بوجود فراغ كبير بغيابه الذي نتمنى أن لا يطول، وأن يبارك في عمره، ويكتب له الشفاء العاجل، كما لا ننسى أيضا فضيلة العلامة الشيخ فيصل مولوي الذي وافاه الأجل وترك فراغاً كبيراً، ونسأل الله تعالى له الرحمة والغفران والحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ولا يسعني في هذا المجال أيضا أن أقدم باسمكم جميعاً الشكر الجزيل والتقدير الكبير لإيرلندا شعباً وحكومة ومؤسسات، على ما تقدمه للمجلس من تسهيلات وللأقلية المسلمة من خدمات.

وكذلك نقدم أجزل الشكر وأخلص الدعاء لدولة الامارات بصفة عامة، ولمؤسسة راشد آل مكتوم على هذه الرعاية والعناية للمركز، وللمجلس بصفة خاصة، فجزاهم الله تعالى جميعاً خير الجزاء.

والشكر الموصول لأمانة المجلس وإدارته وكل العاملين فيه، وبخاصة لفضيلة الأمين العام للمجلس فضيلة الشيخ حسين حلاوة على جهودهم المشكورة، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، وأما أنتم الحاضرون الذين تجشمتم عناء السفر وتحملتم ما تحملتم فلكم منا الشكر والثناء والعاطر والدعاء الخالص ولله در الشاعر يقول:

 

إن تختلف نسباً يؤلف بيننا                     أدب اقمناه مقام الوالد
أو تغير منا الوصال                فوردنا عذب تحدر من ابناء واحد

 

أيها الاخوة والاخوات،،

ينعقد المجلس الاوروبي للإفتاء والبحوث في دورته الحالية (21) في ظل ظروف دولية وغربية واسلامية قربت أوروبا وأمريكا الى الشعوب الإسلامية أكثر مما مضى، حين أن الازمة المالية العالمية أدت الى تقارب عملي إقتصادي حيث درس الغرب اسباب نجاح الصيرفة الإسلامية، فاستعان بها، واستفاد من مبادئ الاقتصاد الإسلامي القائم على الإقتصاد العيني، مما دفع بالمنصفين الى الإعتراف بأهمية الإقتصاد الغسلامي والإستفادة منه، وهذا يجعل أعباء المجلس الأوروبي ثقيلة في تقديم مشروع أو مشاريع نافعة للانسانية جمعاء، وبخاصة للبلاد التي يعيش فيها المسلمون إقتداءً وأسوة بسيدنا يوسف (عليه السلام) حيث قدم وهو مسلم يعيش بين مجتمع غير مسلم  مشروع انقاذ بكل ما تعني هذه الكلمة، ووفقه الله تعالى لإنقذ مصر ومن حولها من كارثة المجاعة والموت.

ومن جانب آخر فإن الثورات الشعبية في عالمنا العربي قد قربت ايضاً المسافة بين العالم ولاسيما الغرب وبين عالمنا العربي والإسلامي من ثلاث نواح:

الناحية الأولى: أن الغرب اكتشف له بأن الشعوب العربية والإسلامية  تتوق إلى الحرية، با تضحي بكل شئ في سبيلها بل واجهت بصدورها العارية الاسلحة والدبابات في تونس ومصر، وليبيا ، واليمن، وسوريا، بالإضافة إلى أن هذه الشعوب مسالمة لا تحب العنف، بل واجهت عنف الحكومات االظالمة بثورتها السلمية والصبر والثبات، فالثورة لم تكن ثورة الجياع وانما كانت ثورة العاشقين للحرية المتعطشين لها، المستعدين للتضحية بها بكل شئ.

 

الحرية الحمراء باب   بكل يد مضرجة يدق

 

ومن هنا أحس الغرب بالقرب النفسي من هذه الشعوب وتبين له أن هذه الشعوب مغلوب على أمرها، وأنها شعوب تموت من أجل الحرية والديمقراطية، وبالتالي ففطرة حميع الشعوب متحدة أو متقاربة إضافة الى أن الدين الإسلامي كان هو المحرك الأول لهذه الثورات، وأنه كان المرجع والأساس في نبذ الظلم والطغيان، ووجوب التحرر منه بكل الوسائل المتاحة.

ومن هنا اكتشفت للمنصفين غير المسلمين حقيقة الاسلام من حيث أنه قوة عظيمة في النفوس ضد الذل والإستعباد والإستبداد، وأنه بحق دين الحرية والكرامة، ودين السلم والسلام والحفاظ على دماء الآخرين، كما أكتشفت لهم حيوية هذا الدين وقدرته على تفجير الطاقات الهائلة من الصبر...

الناحية الثانية: أن الغرب إكتشف له بأن فزاعة الإسلاميين هي من صناعة الأنظمة الدكتاتورية، وأنهم ليسوا إرهابيين، بل أناس يحبون دينهم ووطنهم، ويحترمون غيرهم، وأنهم مع الحرية والديمقراطية، لأن دينهم يقول (لا إكراه في الدين)، كما اكتشف للغرب أن دور القاعدة والجماعات المتطرفة كان مفقوداً في هذه الثورات، وأن النجاح قد تحقق بدونها، وهذه ما طمأن الغرب أكثر، وبالتالي أصبح طريق التعامل مع المسلمين مفتوحاً.

وقد أثبتت الثورات الشعبية حرص الإسلاميين - وبخاصة أصحاب المنهج الوسط – على عدم الهيمنة، وعدم الإستغلال، وعلى السلم والنظام والحرية مما أعطى صورة طيبة عنهم أمام العالم الحر الشريف.

وهذا نابع من صميم هذا الدين ورسوله الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) ومن تجاربه وسيرته العطرة، حيث أعلن صلى الله عليه وسلم من خلال آيات عظيمة أهمية الحرية (لا إكراه في الدين)، (لكم دينكم ولي دين) (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ثم من خلال تعامله مع غير المسلمين من اليهود والنصارى، فحينما دخل المدينة المنورة وأصبح حاكما لها ايضا كتب وثيقة عهد (دستور) بين المسلمين بعضهم مع بعض، وبينهم وبين اليهود ساكني المدينة، أعطاهم فيها كامل حقوق المواطنة، وهذا بحق أول دستور مكتوب توضح فيه حقوق المواطنين، وأما مع نصارى النجران فقد تكفل لهم حتى بالضمان الاجتماعي الذي أقره للجميع فيما بعد الخليفة عمر.

الناحية الثالثة: مواقف الدول الغربية المشرفة الجيدة في وقوفها مع الثورات الشعبية، قربت الشعوب العربية من الشعوب الغربية، بل من العالم الحر.

وهنا أود أن أوجه رسالة الى هذه الدول، بل الى الدول غير الاسلامية بأن تبدأ بصفحة جديدة من التعامل مع الشعوب المسلمة على أساس الاحترام المتبادل، وحماية حقوق الانسان (أي انسان كان) ونطالب هذه الدول برفع الدعم السياسي والمعنوي عن كل الحكام الظالمة في العالم أجمع، فالظلم مصيره الى الزوال، ونناشدهم أن لا تفكر مرة أخرى بالاستعمار بكل اشكاله (السياسي والثقافي والإقتصادي والإجتماعي) وأن لا تُخيّب ظن حسن النية بها، بأن يكون ما قدمته هذه الدول المساعدة لهذه الثورات من مساعدات لأجل حرية الشعوب، وليس لإعادة الاستعمار في ظل أي اسم مرة أخرى. كما نطالب هذه الدول أن لا تتدخل في شؤون هذه الشعوب من حيث اختبار النظام الذي تريده، حتى لا يعود الصراع مرة أخرى.

وهذا يتطلب منا جميعاً – مسلمين وغير مسلمين – أن نسعى لتحقيق التعايش السلمي على اساس العدل والحقوق المتقابلة، وحل جميع مشاكلنا على اساس التحاور القائم على المساواة وأحترام الآخر، وأن تنتهي فكرة الاستعلاء والاستعمار ، ولنبدأ بعالم جديد تسوده الحرية والعدل والمساواة والإخاء، بعيدة عن الحروب والمشاكل التي تضرالجميع.

فقد بين الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن بأن هذه الأرض كلها خلقها لجميع البشرية دون استثناء حتى يتمكن منها الجميع، ويستفيد كلّ حسب أخذه بسنن لله وسنن الذين من قبلنا بشرط واحد، وهو اقامة العدل فقال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان والأرض وضعها للأنام} أي يجب علينا أن نعمر الأرض مع تحقيق العدل ومراعاة ميزان الحقوق لكل انسان بل لكل مخلوق.

أيها الإخوة والأخوات

ولي بعد هذه الكلمة رسائل موجزة.

الرسالة الأولى إلى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: أن يضاعف من جهوده المباركة لتحقيق مكاسب لتضاف الى مكاسبه العظيمة خلال السنوات السابقة حيث أصبح مرجعية طوعية لمسلمي أوروبا. واليوم نطالبه بتكثيف الجهود المباركة لتحقيق أهدافه المرسومة، وغاياته المنشودة من خلال ما يأتي:

1- المزيد من السعي للتواصل مع جميع المراكز الإسلامية، ومع الأقلية المسلمة من خلال الزيارات المكثفة، ومن خلال توصيل خدمات المجلس اليهم جميعاً

2- الإسراع بترجمة الفتاوى والبحوث والقرارات إلى جميع لغات أوروبا المعتمدة.

3- السعي الجاد للتواصل مع الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني وذلك بتقديم الكتب البناءة، والمشاريع الجادة اليها، ومن خلال الندوات المشتركة وورش العمل للمشاكل التي تهم الطرفين، فمنهجنا هو قوله تعالى: {تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم} فهناك أمور كثيرة ومشاكل مشتركة تدخل في هذه الدعوة المباركة.

4- المزيد من التطوير في الأداء من حيث القرارات والفتاوى ومن حيث علاج المشاكل، والحلول.

5- المزيد من السعي لتقديم الطروحات الجادة بلغة مفهومة لدى غير المسلمين، ومن خلال التجديد في الخطاب الديني، وفي المفاهيم والمحتوى ماعدا الثوابت التي ليست هي كثيرة.

ومما لا شك فيه أن تحقيق هذه الغايات وغيرها يتطلب منا جميعاً – نحن الأعضاء – أن نقف مع الأمانة العامة للمجلس بالدعم والتأييد وأن نعطي له من الجهود والأوقات ما يستحقه المجلس.

الرسالة الثانية إلى الأقلية الإسلامية بأوروبا وغيرها: أن تخرج من دائرة السعي إلى الترخيص إلى دائرة التأسيس وأن تضع لنفسها خطة للتطوير ذاتيا من الجوانب العلمية والتقنية، حتى تستفيد من هذه الحضارة بأقصى قدر ممكن.

كما أطالبها بالوحدة وعدم التفرقة، وأن تكون لها أهداف واضحة في العيش هنا، وأن تسعى جاهدة لتكون اليد العليا بدل اليد السفلى، وأن تقتدي بسيدنا يوسف، وذلك من خلال تقديم العلم والابتكارات والشركات والمشاريع والمؤسسات البناءة التي تخدم المجتمع الغربي ايضا فالناس خاضعون للاحسان

 

أحسن الى الناس تستعبد قلوبهم                فطالما يستعبد الانسان احسان

 

الرسالة الثالثة: إلى الحكومات والشعوب الأوروبية: حيث نؤكد لهم بأن الاسلام الحقيقي اذا ترك وشأنه فهو دين خير ورحمة للجميع، ويدل على ذلك من النصوص ما لا تعد ولا تحصى وأنه دين الحوار، ويدعو الى الحوار بالتي هي أحسن ولاسيما مع اخواننا النصارى، وحتى مع غيرهم، بل حتى مع الملحدين المشركين، يريد لهم الحوار من خلال قوله تعالى:{وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين، قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون}.

لذلك أدعو هذه الحكومات والشعوب الى إعادة النظر وإجراءاتها المنيعة مع الإسلام والأقلية، في سياساتها السابقة ولاسيما في ظل التقارب الحالي، والبدء بإقامة مجمتمع العدل والرحمة والخير للجميع كما أمر الله تعالى المسلمين بذلك، فقد دل قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس...} على أن هذه الأمة أخرجت إخراجاً لخدمة الناس، ولمنفعة الناس ولهاية الناس ولتوصيل الرحمة والخير والمصالح والمنافع والطيبات الى الناس.

نحن اليوم جميعاً قد أتيحت لنا فرصة تاريخية في ظل هذه الثورات الشعبية من التقارب والتفاهم فلنبنِ عليه مجتمع العدل والمساواة والإحترام المتبادل.

فكفى الظلم والمكر والخداع والإستبداد والإحتلال وكفى العنف والإرهاب والغلو، والإذلال، ولنبدأ بعصر التعايش السلمي على أساس الحقوق المتقابلة، وعلى أساس إزالة الظلم والعدوان، فالمسلمون في كل مكان وحتى في فلسطين لا يطالبون بأكثر من حقوقهم العادلة، وإعادة الحقوق الى أصحابها، ونشر نعم الرحمة في الأرض والسموات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


: الأوسمة



التالي
القره داغي من مصر: نريد لمصر أن تكون رائدة لأمتنا الإسلامية
السابق
القرضاوي يطالب السفير الروسي بتغيير موقف بلاده من ثورة سوريا

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع