البحث

التفاصيل

دور الأغنياء في مواساة الفقراء (فتحي أبو الورد)

الرابط المختصر :

فتحي أبو الورد*

الفرح لحسن حال المسلمين، والتوجع لآلامهم ومعاناتهم، ترجمة صادقة لمعنى الجسد الواحد الوارد في حديث النبي: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى». ([[1]])

وكم تكون سعادتنا غامرة حين نقف على تجربة اقتصادية ناجحة لبلد من البلاد، حيث يعم الخير، وينجو الناس من الفقر فإنه بئس الضجيع، وشعار المسلم في ذلك «حب الخير للجميع».

يقول ابن عباس: «إني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين؛ فأفرح، ومالي به سائمة» ([[2]])

التكافل وسعادة المجتمع

تعد الزكاة في شريعتنا أكبر ضمانة للقضاء على الفقر والحاجة في المجتمع، والزكاة حق، والصدقة فضل، وكلاهما دين وخلق، ولا مفر من وجود فقراء في المجتمع، وقد فرض الله تعالى في أموال الأغنياء القدر الذي يسع الفقراء، ولن يجهد الفقراء إلا إذا بخل الأغنياء، كما نطقت بذلك الآثار.

 (وما اليد المعطية، واليد الآخذة إلا يدان لشخصية واحدة، كلتاهما تعمل لخدمة تلك الشخصية، ولا خادم ولا مخدوم، وإنما خادمان لشخصية واحدة هي "شخصية المجتمع" الذي لا قوام له، ولا بقاء إلا بتكامل هاتين اليدين على خيره وبقائه) ([[3]])

والقرآن الكريم يذكر الأغنياء بحقيقة لا ينبغي أن ينساها أو يتناساها كل من ابتلي بنعمة المال والسعة، فالمال مال الله، وهو عطاء الله للأغنياء، وهم مأمورون بالعطاء منه للفقراء، يقول تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} (النور:33)، ويقول أيضًا: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} (الحديد:7).

وفي حديث معاذ حين أرسله النبي إلى اليمن: «إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم». ([[4]])

يقول الشيخ محمود شلتوت - رحمه الله - (فالمال، وإن كان معقودًا في ملكيته بأسمائهم، إلا أن حق الانتفاع به مشترك بينهم وبين إخوانهم الفقراء الذين يُكَوِّنُون المجتمع معهم) ([[5]])

فإذا كان المال مال الله، وإذا كان في أموال الأغنياء حق معلوم للسائل المحروم فلا فضل لغني على فقير، ولا لمعطٍ على آخذ، إلا ما يقال على سبيل الحث على الخير، والحض على فعله.

والزكاة على وجه الخصوص في هذا الباب - كما يقول الشيخ شلتوت - ما هي إلا صرف بعض أموال الأمة ممثلة في أغنيائها إلى الأمة نفسها ممثلة في فقرائها، أو هي نقل الأمة بعض مالها من إحدى يديها إلى اليد الأخرى. ([[6]])

ومن المقرر فقهًا أن من مات جوعًا بعلم جيرانه فَدِيَتُه على أهل الحي، وكذا من مات عطشًا.

 (روى الحسن أن رجلاً أتى أهل ماء فاستسقاهم، فلم يسقوه حتى مات، فأغرمهم عمر الدِّيَة) ([[7]])

فكيف يستطيب الأغنياء التلذذ بالنعم، وفي مجتمعاتهم آلاف الجوعى - إن لم نقل الملايين - يبيتون على الطوى، وفيها المريض الذي لا يجد ثمن الدواء أو الفحص، والأرملة التي تتوجع لصغارها ضيقًا، لا تستطيع حيلة، ولا تهتدي سبيلاً، والعاري الذي لا يجد ما يستر بدنه، والذي يفترش الأرض ويلتحف السماء في العراء بلا مأوى ولا مسكن، وغيرهم.

وقد صح عن النبي قوله: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) ([[8]])  

يقول الشيخ شلتوت: (ومن تركه يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد أسلمه) ([[9]])

وصح عنه أنه قال: (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لازاد له)، ثم قال الراوي أبو سعيد الخدري: (حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في فضله) ([[10]])

ولما دهمت المجاعة الجزيرة العربية في عهد عمر بن الخطاب، قال: (لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيت عدتهم - مثل عددهم - فيقاسموهم أنصاف بطونهم لفعلت، فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم).

همسة فى أذن كل غنى

يقول علي بن أبي طالب : (ليس الخير أن يكثر مالك، ولكن الخير أن يكثر عملك، ويعظم حلمك، ولا خير في الدنيا إلا أحد رجلين: رجل أذنب ذنوبًا فهو يتدارك ذلك بتوبة، أو رجل يسارع في الخيرات، ولا يقل عمل في تقوى، وكيف يقل ما يتقبل) ([[11]])

ليس من الخير أن يكثر مالك دون أن تستعمله في الخير، بل الخير أن تسارع به في الخير، تضرب في كل فضل بسهم، وتعود من كل برٍّ بغنيمة، لا يفوتك مشهد من مشاهد العطاء، ولا تفتقدك مواطن البر والوفاء.

يقول النبي : «إن لله (عز وجل) خلقًا، خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله) ([[12]]) ، فهل أنت أيها الغني ممن خلقهم الله لحوائج الناس؟ وهل أنت ممن يفزع الناس إليهم، أم ممن يفزع الناس منهم؟ وهل أنت ممن يطمعون في الأمن من عذاب الله ؟ أم أنك من الآ منين من مكر الله ؟

ومرة أخرى أذكرك بما ورد عن النبي : «إن لله قومًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد ويقرُّها فيهم ما بذلوها، فإن منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم) ([[13]])

فهل أنت ممن يبذل في ميادين البر حتى تكون من المحمودين الذين يزيدهم الله من فضله؟ {ولئن شكرتم لأزيدنكم} (إبراهيم:7)، ومن شكر النعمة بذلها في المستحقين من أهلها، وكما قيل: (بالشكر تدوم النعم)، وهل يَسُرُّك أن تتحول عنك النعم إلى غيرك؟

أيها الغني، إن لم تكن من الذين يُسَخِّرون النعم لمنافع العباد؛ فما أتعسك! وإن لم تبذل في حاجات المحتاجين؛ فاحذر زوال النعم، واعلم أن في مالك حقًا للسائل والمحروم، إن لم تقم به قام به غيرك، وآلت أموالك إلى البوار، وتعامل مع المال وفق رؤية القرآن، فهو وإن كان باسمك ظاهرًا، فإن حقيقة ملكيته لله.

الإيمان والنفقة قرينان

وليعلم الغني أن الإيمان مقرون بالنفقة، حتى أنك لا تكاد تجد ذكرًا للإيمان في القرآن الكريم إلا مقرونًا بالإنفاق في سبيل الله، ومن ذلك على سبيل المثال:

- في سورة البقرة، في وصف المتقين: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} (البقرة:3).

- وفي سورة الأنفال نجد أن من مقومات الإيمان النفقة {الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} (الأنفال:3).

- وفي سورة الحجرات يرتبط ذكر الإيمان بالنفقة في سبيل الله، في قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} (الحجرات:15).

المسلم واجتياز العقبة

ليعلم الأغنياء أن سعادتهم مرهونة باجتياز العقبة، وتأمل معي قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيمًا ذا مقربة أو مسكينًا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة} (البلد:11-18).

وقوله تعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} (سورة الماعون}.

يقول الشيخ شلتوت: (هذا أسلوب يضع الإنفاق في سبيل الله، وإطعام الفقير المحتاج موضع العقبة والحاجز الذي لابد من اقتحامه ليصل الإنسان إلى سعادته، إن لم يكن بنفسه فبحض القادرين عليه وإرشادهم إليه) ([[14]])  وقد وردت عشرات الآيات في القرآن الكريم ترغب في الإنفاق في سبيل الله، وتعد عليه الأجر الجزيل، والثواب العظيم، من ذلك:

- قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة} (البقرة:45).

- وقوله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} (البقرة:261).

- وقوله تعالى: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير} (البقرة:265).

وتعاليم الإسلام وتوجيهاته إن لم تثمر رحمة في قلب العبد تدفعه لمواساة المنكوبين والمحاويج والمعاويز، فليلتمس له قلبًا، فإنه لا قلب له، (إن الإسلام لا يقيم وزنًا لشيء من تكاليفه إذا لم تغرس في قلب المسلم عاطفة الرحمة مبعث الإنفاق والبذل والعطاء) ([[15]])

المواساة سلوك إنساني

الرحمة مبعث الإنفاق، وهي قسم مشترك بين بني البشر، وكل من يعلي من إنسانيته، ومن ثم لا يختص بالإنفاق مسلم عن كافر، ولا رجل عن امرأة اللهم إلا في الدوافع والمآلات.

وتخفيف معاناة المنكوبين شعور وسلوك إنساني مركوزان في الفطرة الإنسانية بعيدًا عن اللون، أو العرق، أو النوع، أو الدين.

تطالعنا الأخبار أن لاعب الجولف الأمريكي (تايجر وودز) أنشأ مركزًا تعليميًا للأطفال ضمن سلسلة مراكز مماثلة موزعة في الولايات المتحدة، وأنشأ كذلك منظمة تايجر وودز الخيرية سنة 1996م، كما أنه يقيم حفلاً سنويًا لجمع التبرعات.

وكذلك تطالعنا الأخبار أن (وارن بوفت) ثاني أغنياء العالم تبرع بمبلغ 31 مليار دولار من ثروته المقدرة بأربعة وأربعين مليار دولار إلى المؤسسات الخيرية، وأولها مؤسسة "بيل جيتس" الخيرية.

وإن السمو الإنساني يكتمل ليتجسد في إنفاق نبي الإنسانية، وهو يعملنا كيف نتعامل مع المال، ووظيفته في سد حاجات المجتمع، وإسعاد الفقراء والمساكين؟ حتى إنه ينفقه كله لا يبقي منه شيئًا.

عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: دخل عليَّ رسول الله وهو ساهم الوجه - أي متغير لون الوجه - فحسبت ذلك من وجع، فقلت: يا نبي الله: مالك ساهم الوجه؟ فقال: «من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا أمس، أمسينا وهي في خصم الفراش»، وفي رواية: «أمسينا ولم ننفقها» ([[16]])

- واليد التي تعطي لله، غير ناظرة إلى ثناء أو مدح، وغير آبهة بشهرة أو مكانة هي اليد الطولى التي امتدح النبي أهلها.

- فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله : «أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا»، قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدًا، قالت: وكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق، وفي طريق آخر: (فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب)([[17]])

وشعور المؤمن بحاجة الآخرين، واعتقاده بوجوب تخفيف المعاناة عنهم بقدر الوسع، وقضاء حوائجهم يدفعان المؤمن إلى التفنن في العطاء، وكأن الإنفاق فنون ومدارس، أو رؤى ومذاهب، وقد علمنا من ذلك مدرستين:

- فعن عبد الله بن الزبير (رضي الله عنهما) قال: ما رأيت امرأتين أجود من عائشة وأسماء (رضي الله عنهما) وجُودُهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا كان اجتمع عندها قسمت، وأما أسماء فكانت لا تمسك شيئًا لغد. ([[18]])

ولأهل الخير نقول..

ينطلق كثيرون نحو العمل الخيري بدوافع كثيرة، منها الديني، ومنها الدنيوي، ومنها خليط بين هذا وذاك، وينطلق أصحاب الرسالات الحقة نحوه من عقيدة راسخة، وإيمان متجذر، لا يدفعهم إليه إلا دافع الدين، لا يقصدون إلا وجه الله، ولا يطمعون إلا في رضاه، لسان حالهم يقول: {لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا} (الإنسان:9)، وينعكس ذلك في سلوكياتهم مع المحتاجين رحمة ورقة ومواساة.

وعلى هذا المرتكز الديني الخالص قام نظام اجتماعي متماسك، منذ قيام دولة الإسلام الأولى، يقول جوستاف لوبون: (المثل الأعلى الذي أبدعه محمد ديني محض، والدولة التي أسسها العرب هي الدولة العظمى الوحيدة التي قامت باسم دين، اشتقت منه جميع نظمها السياسية والاجتماعية) ([[19]])

والتميز في العمل الخيري في ضوء النصوص الجمة - قرآنًا وسنة - التي تدعو إلى التكافل والتراحم والمواساة واعدة برضا الله ومثوبته والأجر الكريم، ينبغي أن يكون هدفًا لكل العاملين تحت لوائه، فيصبح العمل الخيري عملاً احترافيًا مثمرًا، لا نكتفي فيه بتقليد الآخرين، ولا نقل تجاربهم، بل ينبغي أن يتجاوز ذلك ليمتلك القائمون عليه زمام الابتكار، وناصية الإبداع، لينعكس ذلك كله على ممارسة العمل الخيري باحتراف ومهارة واقتدار.

يقول جوستاف لوبون: (إذا كانت الأمة مبدعة أمكن أن تتجلى قوتها الإبداعية في كل شيء حتى في بناء إسطبل، أو صنع حذاء) ([[20]])

وفي ضوء ذلك، نصبو إلى أن يكون هناك استثمار محترف للتبرعات والهبات، وأن تأخذ الجمعيات الخيرية بنظم الجودة، وأن يكون أساس العمل الخيري رفع مستوى المعيشة للفقراء ونظرائهم من الكفاف إلى الكفاية، ثم إلى الكفاءة، وأن يشمل العمل الخيري جميع المناشط الإنسانية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً من تعليم، وبحث علمي، ورعاية أيتام، وغيرها.

ولا تختلف المرأة عن الرجل في القيام بدور اجتماعي رائد في تخفيف المعاناة عن ذوي الحاجات، وإدخال السرور على الفقراء والمعاويز، ولا يزال التاريخ الماضي والحاضر يحدثنا عن فضليات النساء اللائي قمن بأدوار يفخر التاريخ بذكرها، ويباهي بها أفاضل الرجال، وحسبنا أن رائدة العمل الخيري في صدر الإسلام كانت امرأة، إنها السيدة زينب بنت جحش (رضي الله عنها)، وقد كانت أطول نساء النبي يدًا؛ لأنها كانت تعمل وتتصدق، كما مرَّ بنا.

تقول عنها السيدة عائشة (رضي الله عنها): (لم أرَ امرأة خيرًا، وأكثر صدقة، وأوصل للرحم، وأبذل لنفسها في كل شيء يتقرب به إلى الله - عز وجل - من زينب) ([[21]])

مخاطر إهمال الفقراء

تزداد الأسرة كل فترة من الزمن مولودًا جديدًا، وتزداد نفقتها، ويعظم الخطب حين لا تجد الأسرة ما يوازي ذلك زيادة في الدخل، ولا سعة في الموارد، مما يزيد الأسرة همًا وضيقًا، ولا ينتبه لهذا أحد، فتزداد المعاناة، وتستمر الآلام وتتضاعف، والأصل أن خروج هذه النسمة إلى دنيا الوجود يستوجب رعاية أولي الأمر، ويستلفت عناية كل قادر.

يحدثنا التاريخ أن عمر بن الخطاب كان يفرض لكل فطيم عطاءً، يخفف به حمل الأسرة، ويرفع عن كاهلها عبء نفقته، فلما سمع ذات ليلة بكاء صبي تكرهه أمه على الفطام حتى يصيبه عطاء عمر، قال لأمه: لا تعجليه، ثم صلى الفجر ما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلَّم قال: يا بؤسًا لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر مناديًا فنادى: أن لا تعجلوا صبيانكم على الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام. ([[22]])

ومن البلاء الخطير - كما يقول الشيخ شلتوت - أن يترك الفقراء تكثر أولادهم، وتتعدد مطالبهم، فيقعوا مع أسرهم في أسر الحرج، ويضعفوا عن مسايرة حياتهم الشقية وحظهم التعس، وتسوء بذلك صحتهم، وتفسد أخلاقهم، فيستبيحوا - في سبيل التخلص من هذه الحياة التي تفعم قلوبهم بالنكد - الإخلال بالأمن، والفتك بالأرواح، وينتهي بهم الأمر إلى الانتحار أو قتل الأولاد). ([[23]])

ومن آخر ما قرأت في هذا الصدد، إقدام امرأة على الانتحار وهي حامل؛ لأنها لا تجد نفقات الولادة. ([[24]])

وقد أكدت في دراستي للماجستير على علاقة الحاجة بالجريمة، ودللت على مسؤولية الحكومات والأغنياء في المجتمع شرعًا عن جنايات الفقراء والمحتاجين، وأن الحاجة من أهم أسباب جرائم الأموال والدعارة بوجه خاص. ([[25]])

وما جرائم السرقة والزنى والقتل التي تطالعنا بها وسائل الإعلام إلا انعكاس لمرآة المجتمع الذي غفل فيه كل من المسؤول والغني عن دوره، فآلت أحوال المجتمع إلى حضيض متراكم.

إدخال السرور على المسلم

من العبادات الاجتماعية المهمة التي يتعدى نفعها، ويمتد أثرها، نفع الناس، ومن أحب الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله إدخال السرور على القلوب بأية وسيلة، وبأية صورة، وبأي لون من ألوان القربات، وهذا هو جوهر رسالة الإسلام.

عن ابن عمر قال: قال رسول الله : «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كربًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا». ([[26]])

وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي قال: «من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ([[27]])

وقد نذر الصالحون أعمارهم لفعل الخير، وتمنوا لو طالت بهم الآجال في قضاء حوائج الناس.

قال المرداس بن حدير: (يا ليت لي نفسين: نفسًا تجاهد في سبيل الله، ونفسًا تسعى للمسلمين في حوائجهم). ([[28]])

ميادين العطاء

ولقد طرق سلفنا الصالح أبواب الخير كلها، وكان لهم في كل ميدان من ميادينه أثر كريم، حتى لا تكاد تجد بابًا من أبوابه إلا وجدتهم شهودًا على أعتابه، لقد أنفقوا في إطعام الطعام، وإكساء الحلل، وتفريج الكربات، وفك الأسير، ورعاية الأيتام، ومداواة المرضى، وسداد ديون المدينين، وتوفير المسكن لمن لا مسكن له، وإيواء الغريب، وتزويج المحتاجين من الفقراء، وتفطير الصائمين، والكفارة عمن وجبت عليه ولم يستطع أداءها، والمساهمة في إعداد الولائم لمن لا يستطيع ذلك، ونشر الدعوة والعلم، وتحمل الديات عن القاتل في القتل الخطأ، حتى قال القرطبي في هذا الصنيع في الدية: (إنه مواساة محضة). ([[29]])

وقد وقفوا أموالهم في وجوه الخير والبر، وعرف التاريخ عن المسلمين نظام الوقف الخيري في أروع صوره.

ولنتحدث عن بعض الوجوه الخيرية التي تستحق البذل وتنتظر العطاء.

 (1) كفالة الأسر الفقيرة وتوزيع المساعدات الدورية:

وفي هذا اللون الخيري يتعهد القادر - بينه وبين نفسه أو بينه وبين إحدى الجمعيات الخيرية - بمبلغ من المال شهريًا، أو أسبوعيًا، أو سنويًا، يدفع به إلى أسرة، أو عدد من الأسر الفقيرة.

قال ابن عباس: (لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهرًا، أو جمعة، أو ما شاء الله أحب إليَّ من حجة بعد حجة). ([[30]])

وعن أم درة قالت: (أتيت عائشة بمئة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: ما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ فقالت: لو كنت أذكرتيني لفعلت). ([[31]])

وقد تكون هذه المساعدة الدورية من الصدقات، وكذلك يمكن جعلها من الزكاة مقدمًا، وهذا ما يساعد على إخراجها بصورة منتظمة، ويسع المسلم في ذلك فتوى تعجيل إخراج الزكاة التي أفتت بها الهيئة الشرعية لبيت الزكاة بالكويت، أنه يجوز للمزكي إخراج زكاته دفعة واحدة، وله تقسيطها على دفعات بحيث يكون القسط الأخير يوم وجوب الزكاة). ([[32]])

ونظرة على ما تبرزه الإحصائيات، تبين لنا كم هو عظيم أثر الزكاة في المجتمع للقضاء على الفقر والحاجة.

تقول الإحصائيات: إن زكاة المصريين المعروفة لدى الدولة فقط - أي الأموال الظاهرة - تقدر بنحو 7 مليارات جنيه مصري لصالح الفقراء والمحتاجين وسائر أصناف المصارف، هذا الرقم كفيل بالقضاء على الفقر والبطالة في مصر، إن أحسن توظيفه وتوزيعه.

وللخيرين أن يرصدوا إعانة سنوية تعليمية لأبناء الفقراء واليتامى، تشمل الكتب الدراسية والزي المدرسي والرسوم المدرسية والجامعية بالتعاون مع الأخصائيين الاجتماعيين بالمدارس والجامعات لمعرفة أصحاب الحاجات.

 (2) حقيبة الخير وإطعام الطعام:

لون آخر من العبادات الاجتماعية تكثر رؤيته في شهر رمضان، وهو إعداد شنطة بها عدد من أصناف الطعام التي يحتاج إليها البيت، يقوم بها بعض الخيرين والجمعيات الخيرية، ويتم إيصالها إلى مستحقيها، ويسمونها شنطة رمضان.

هذا لون جميل من العبادات، ولكن الأجمل منه أن تنظم هذه العطايا وتتسع؛ بحيث تستمر طوال العام، فيدفع بمثل هذه الحقيبة إلى مستحقيها كل شهر، ففي هذا مواساة مستمرة، وعطاء موصول يخفف المعاناة عن أصحابها، ونسميها حقيبة الخير حتى لا يرتبط إخراجها بشهر رمضان فقط، وهي باب من أبواب إطعام الطعام.

يقول علي بن أبي طالب: (لأن أجمع ناسًا من أصحابي على صاع من طعام أحب إليّ من أن أخرج إلى السوق فأشتري نسمة فأعتقها). ([[33]])

وكان بعضهم يتفقد البيوت المحتاجة ويسألهم: هل لكم زيت؟ هل لكم ملح؟ هل لكم حاجة؟ ([[34]])

ولما مات زين العابدين بن الحسين، وجدوا أثناء الغسل في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب - الكيس - إلى بيوت الأرامل والمساكين. ([[35]])

لقد كانوا يرون أن قضاء حوائج الناس من العبادات الاجتماعية التي يتعدى نفعها، وهي أولى بالتقديم من القرب المحضة إذا تعارضتا، حتى قال الحسن البصري: (لأن أقضي لأخ حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف شهرين). ([[36]])

وقد كان عمر بن عبد العزيز يرى أن الأكباد الجائعة أولى بالصدقات من كسوة الكعبة، فقد كتب إليه الحجية أن يأمر للبيت بكسوة، كما كان يفعل من كان قبله، فكتب إليهم: إني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة، فإنه أولى بذلك من البيت. ([[37]])

ومن المشاهد الاجتماعية المحمودة والتي تبرز التراحم وحب الخير، ما نراه في رمضان من انتشار ظاهرة موائد الرحمن في المدن والقرى طمعًا في تحصيل أجر تفطير الصائم.

 (3 ) مواساة المرضى

مداواة المريض واجب ديني واجتماعي، والإحسان إليه مكرمة، وعيادته فضيلة، والدعاء له والتخفيف من معاناته أدب إسلامي رفيع، وفي حديث ثوبان أن رسول الله قال: «إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع»، وفي رواية، قيل: يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال: «جناها». ([[38]])

وقد اهتم المسلمون منذ القرن الأول الهجري بحقوق المرضى، فبنوا لهم المشافي وقد بدأت المارستانات - أو البيمارستانات - في عهد الوليد بن عبد الملك سنة 88هـ بدمشق.

وأنشأ المنصور ملجأ للعميان، واليتامى، والقواعد من النساء.

ووجد الحكام والخيرون في إقامة المشافي، ورعاية المرضى واجبًا دينيًا، وخلقًا اجتماعيًا يستحق أن تبذل فيه كرائم الأموال، فبنوا عشرات المشافي، وجلبوا لها الأطباء المتخصصين في كافة فروع الطب قيامًا بالواجب تجاه المرضى. ([[39]])

وللخيرين - أفرادًا ومؤسسات وهيئات - أن يضربوا بسهام من الخير في هذا المجال، فمرضى الكبد والسرطان والكلى والقلب وغيرهم يعدون بالآلاف، بل بالملايين في مجتمعاتنا، ولهؤلاء حق على مجتمعهم في العلاج، والتخفيف عنهم وتسريتهم.

وقد حكى التاريخ أن فتحة بنت سنان بن ثابت أنشأت مارستانًا سنة 306ه، وكانت تنفق عليه 600 دينار شهريًا. ([[40]])

وقد عرف الوقف الخيري في تاريخ حضارتنا الإسلامية وقفًا باسم (مؤنس المرضى والغرباء) كان ينفق منه على عدة مؤذنين من كل رخيم الصوت حسن الأداء، فيرتلون القصائد الدينية طوال الليل، بحيث يرتل كل منهم ساعة حتى مطلع الفجر، سعيًا وراء التخفيف عن المريض الذي ليس له من يخفف عنه، وإيناس الغريب الذي ليس له من يؤنسه. ([[41]])

وكم من مريض اليوم يحتاج إلى من يواسيه، ويخفف عنه في ثمن العلاج الذي لا يجده، حتى يستعصي الداء على الدواء، وتعجز إمكانياته عن الوفاء بتكاليف الطبيب أو الدواء أو كليهما، واسألوا الأطباء والصيادلة والمشافي عن عشرات الحالات التي يقف فيها المريض - أو مرافقه - حائرًا أمام المبلغ المطلوب دفعه وفاءً بثمن الروشتة التي حددها الطبيب.

وكم من حاجة مماثلة كشفت ستر المتعففين، فسألوا الناس مضطرين تفيض أعينهم بالدمع، وتستر وجوههم خمرة الخجل، ويتمنى بعضهم لو أنه قبض قبل أن يصير إلى هذا المآل.

بل سجل التاريخ عن المسلمين في تخفيف معاناة المرضى ومواساتهم وقفًا عُرف باسم (وقف خداع المريض)، وفيه وظيفة من جملة وظائف المعالجة في المستشفيات، وهي تكليف اثنين من الممرضين أن يقفا قريبًا من المريض بحيث يسمعهما ولا يراهما، فيقول أحدهما لصاحبه: ماذا قال الطبيب عن هذا المريض؟ فيرد عليه الآخر: إن الطبيب يقول: إنه لا بأس به، فهو مرجو البرء، ولا يوجد في علته ما يشغل البال، وربما نهض من فراش مرضه بعد يومين أو ثلاثة أيام) ([[42]])

ويستطيع الموسرون والقادرون - أفرادًا وهيئات - أن يواسوا المريض اليوم بالزيارة والدعاء، وتحمل نفقات العلاج، خاصة الذين يتناولون أدوية بصورة منتظمة ومستمرة، مثل مرضى السكري، والضغط، والقلب.. وغيرهم.

كما يستطيعون أن يوقفوا مستوصفات علاجية في القطاعات الشعبية والأحياء الفقيرة، يتم توقيع الكشف فيها بأجر رمزي، ويصرف الدواء فيها مدعومًا.

ويتسع العطاء والمواساة للمرضى لتشمل تزويد المستشفيات والمستوصفات العامة القائمة، بالأجهزة والمستلزمات الطبية، كي تحسن أداءها خدمة للفقراء من المرضى.

كما تشمل المواساة توفير الكراسي المتحركة للمعاقين والمرضى الذين يحتاجون إليها، فكم من حالة بحاجة إلى مثل هذه الكراسي عزّ من يلبيها.

وليتذكر الغني الصحيح، كم لله عليه من نعمة وهو يسير على قدميه أو راكبًا سيارة فارهة، وإلى جواره من يحتاج إلى كرسي متحرك ليتنقل بواسطته.

 (4) توفير المياه النقية

المياه حاجة أساسية وضرورة حياتية، وتوفيرها واجب اجتماعي محتم، وفي الحديث: (من سقى مؤمنًا على الظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم). ([[43]])

وكم يؤلمنا سماع أنباء عن انقطاع المياه عن منطقة من المناطق أيامًا وأسابيع، أو وجود مساكن لم يصلها الماء أصلاً، فيضطر أهلها إلى استخدام مياه غير صالحة للشرب من المصارف والترع.

وأنباء أخرى عن وجود المياه الملوثة التي تكثر معها الأمراض، وأبرزها الفشل الكلوي.

وللخيرين حيال ذلك أن يبذلوا من أموالهم لتطهير هذه المياه، مما يتحقق معه أبسط معاني الكرامة الإنسانية، كما لهم أن يبذلوا في توفير المياه لمن لا يجدها - قربة إلى الله - بأية وسيلة كانت وفق المتاح والمستطاع.

لقد اشترى عثمان بئر رومية ليستقي منها المسلمون عندما ظهرت الحاجة إليها، وكانت ليهودي، بعد أن ندب النبي إلى شرائها، وقال: (من يشتري بئر رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم وله بها مشرب في الجنة). ([[44]])

وللخيرين أيضًا - أفرادًا وهيئات - أن يقيموا المبردات المائية في المساجد والطرقات العامة والمؤسسات، وأماكن تواجد العمال الذين تشتد حاجتهم إلى الماء، خاصة في ظل الحر الشديد في مواسم الصيف، محتسبين الأجر، آملين في الشراب من مشارب الجنة.

 (5) تيسير سبل الزواج وإحصان غير المتزوجين:

قرر الإسلام تأمين الزواج لكل فرد يخشى على نفسه الفتنة، وغير قادر على نفقاته، وذلك من أموال الزكاة، فيقرر علماء الإسلام أن من تمام الكفاية ما يأخذه الفقير ليتزوج، إن لم يكن له زوجة، واحتاج إلى الزواج، كما يذكر الدكتور محمد شوقي الفنجري. ([[45]])

وقد أحاطت بالزواج في عصرنا صعوبات جمة، تجعله عند الكثيرين من الشباب والفتيات اليوم حلمًا بعيد المنال، من ذلك صعوبة الحصول على مسكن الزوجية، وصعوبة توفير تكاليف الزواج ونفقاته من مهر وشبكة وتأثيث منزل، وصعوبة أخرى ممثلة في ندرة الوظائف والأعمال التي يرتزق منها الناس، في ظل كثرة الفتن والمغريات المحيطة بالناس التي تحضهم على ارتكاب المحرم، ومداهمة الرذيلة للرجال والنساء في الشوارع، والمنتديات، والوظائف، وانتشار المجلات الخليعة، وحرب الصور العارية على الإنترنت، والمجلات المتخصصة، والتلفاز، والفيديو كليب.

كل ذلك يجعل السعي في تيسير سبل الزواج وإحصان غير المتزوجين من العبادات الهامة والخطيرة في مجتمعاتنا، والتي تشبه في أهميتها وخطورتها عمل رجال الإطفاء للحرائق، وإخماد النار المتأججة، وكفى بفتنة الجنس فتنة، وبلهيب الغريزة والشهوة نارًا.

وقد كانت المجتمعات الأولى تدرك خطورة العزوبة على المجتمع، لذلك كانت قناعتهم أن الزواج لا يمنع منه إلا عجز أو فجور، وكانت مروءتهم تقضي بأن إعفاف الرجل والمرأة واجب اجتماعي محتم، في ظل سهولة الزواج، ويسر تكاليفه، وطهارة البيئة المحيطة.

وقد سجل التاريخ للمسلمين ما عرف بوقف الأعراس والأفراح، يستعير الفقراء منه ما يلزمهم في أفراحهم وأعراسهم، ثم يعيدون ما استعاروا إلى مكانه، وبهذا يتسير للفقير أن يبرز يوم عرسه بحلة لائقة، ولعروسه أن تجلى في حلة رائقة، حتى يكتمل الشعور بالفرح، وتنجبر الخواطر المكسورة. ([[46]])

وفي ضوء ما سبق، أدعو كل قادر إلى المساهمة في إعفاف الشباب والفتيات وكل غير قادر على الزواج، ويحتاج إليه بقدر الوسع، حتى إنه ليستطيع المسلم أن يسهم في ذلك ببدلة جميلة أو رابطة عنق أو قميصًا أنيقًا، لعريس فقير، أو أن يوقف ذلك لدى جمعية خيرية لكل عريس فقير، وقد تؤخر مثل هذه الأمور البسيطة الزواج شهورًا.

وتستطيع كذلك المرأة التي تمتلك فستان زفاف أو خطبة أن تعيره لعروس فقيرة لا تستطيع أن تدبر أمرها، وقدرات عريسها أعجز من أن تلبي لها حاجتها، وبذلك تشارك في إدخال السرور على أهل بيت محتاج.

وفي الحديث، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: «من كسا مؤمنًا على عري كساه الله من استبرق الجنة». ([[47]])

واحتكاكنا بالواقع، ومعايشتنا لهموم الناس يؤكدان أن إتمام عملية الزفاف لدى كثيرين قد تتأخر بضعة أشهر بسبب ألفين أو ثلاثة آلاف من الجنيهات، ومثل هذا المبلغ ينفقه بعض الأغنياء في غداء، أو عشاء، أو سهرة مع الأهل والأصدقاء.

ولأهل المعروف في هذا المجال أن يسهموا كلٌّ بحسب طاقته ووسعه في مثل ما يلي:

- إنشاء صناديق للزواج، وإنشاء مشاريع استثمارية تخدم فكرة تيسير الزواج.

- تقديم مساعدات عينية مثل شراء القطن، وتكاليف التنجيد، وتأثيث المنزل بما يسمى جهاز العروسين، والأجهزة الكهربائية المنزلية، مثل: الغسالة، والثلاجة، والبوتاجاز، وأدوات الطهي، مما يعد اليوم حاجة أساسية في كل منزل.

- تقديم مساعدات نقدية.

- تقديم قروض حسنة تقوم بها الجمعيات الخيرية - إن أمكن - بالتعاون والتنسيق مع أحد المصارف الإسلامية بدون فوائد، بحيث تسدد على أقساط ميسرة.

- التكفل بنفقة حفلات الزفاف الفردية أو الجماعية.

مقترحات أخرى:

وأشير إلى بعض المشاريع الخيرية التي يمكن للبعض أن ينفذها، أو تقوم بها بعض المؤسسات الخيرية، من ذلك:

- إقامة العمارات السكنية، ووقفها لتنتفع بها الأسر الفقيرة، والمقبلون على الزواج من الفقراء من الشباب والفتيات، أو إيجارها، ووقف ريعها على الأسر الفقيرة، بعد بحث اجتماعي صحيح وواقعي؛ حتى نؤوي من لا يجد مسكنًا من ذوي الدخول المحدودة أو المعدومة.

- إنشاء مدينة مصغرة للأيتام بها جميع المنشآت الرياضية، والسكنية، والتعليمية على نحو ما هو واقع في سلطنة عمان، والتي أنشأها بعض الموسرين على نفقتهم الخاصة، فضلاً عن دور رعاية الأيتام والكفالة الفردية لهم.

- تبني مشاريع استثمارية صغيرة للأسر الفقيرة لتضمن لها موردًا دائمًا للقمة العيش طوال العام.

- تقديم البديل الشرعي للقرض الربوي، وهو الاستثمار بطريق المشاركة أو المضاربة مع أصحاب الحاجات، والقرض الحسن.

وإن مؤسسة الزكاة عن طريق التوسع في سهم (الغارمين) أو في مفهوم الزكاة كمؤسسة لمعونة المحتاجين بالحق هي وحدها المرشحة شرعًا لسد احتياجات المواطنين إلى الاقتراض، سواء لغرض استهلاكي أو إنتاجي. ([[48]])

وأخيرًا:

 

إن كل وقت تقضيه في الخير هو الوقت المستثمر والمنتفع به، فلا تبخل بوقتك، ولا تحرم نفسك من زيارة دور الأيتام والمستشفيات وعيادة المرضى، والأسر الفقيرة، وكذلك أنت أيتها المسلمة.

وقد كنا نسمع عن فضليات النساء أنهن يشهدن ولادة فقيرات الحي زوجات البسطاء والفقراء من الجيران.

وينتقل المسلم من خير إلى خير، حتى يهنأ بالجنة، وفي الأثر: (لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة).

ولنعلم أن ما أوردته في صور الخير ما هو إلا نماذج، يستطيع المسلم أن يجد صورًا غيرها كثيرة، تكون محلاً للبذل والعطاء، وأن هذا  ـ وغيره من أعمال البر ـ من المعروف الذي عناه النبي بقوله: «كل معروف صدقة». ([[49]])

*مدير مكتب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالقاهرة.

 [1] - رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير كتاب البر والصلة والآداب - باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم.

 [2] - رواه الطبراني في المعجم الكبير ج10، ص266، رقم (10621)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ج9 ص463 رقم (15528)، وانظر مختصر حياة الصحابة ص296.

 [[3]] - الإسلام عقيدة وشريعة، ص95.

 [[4]] - رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين.

 [[5]] - الإسلام عقيدة وشريعة، ص270.

 [[6]] - الأحكام السلطانية للماوردي، ص239.

 [[7]] - الأحكام السلطانية للماوردي، ص239.

 [[8]] - رواه البخاري من حديث ابن عمر في كتاب المظالم – باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه.

 [[9]] - الإسلام عقيدة وشريعة، ص96.

 [[10]] - رواه أبو داود في سننه كتاب الزكاة - باب في حقوق المال، وقال الشيخ الألباني: صحيح.

 [[11]] - صفة الصفوة ج1، 120.

 [[12]] - رواه الطبراني في المعجم الكبير ج12، ص358، رقم (13334).

 [[13]] - أخرجه الحافظ ابن أبي الدنيا في «قضاء الحوائج» ص24، بتحقيق/ مجدي السيد إبراهيم.

 [[14]] - الإسلام عقيدة وشريعة ص263.

 [[15]] - الإسلام عقيدة وشريعة، ص265.

 [[16]] - رواه أحمد في مسنده رقم (26557) وأبو يعلي في مسنده بتحقيق حسين سليم أسد ج12، ص447، رقم (7017).

 [[17]] - البخاري كتاب الزكاة باب: أي الصدقة أفضل، ومسلم واللفظ له في فضائل الصحابة، باب من فضائل زينب أم المؤمنين.

 [[18]] - أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) كتاب حسن الخلق - باب سخاوة النفس. وقال الألباني: صحيح.

 [[19]] - نقلاً عن أثر المدنية الإسلامية في الحضارة الغربية، ص109.

 [[20]] - نقلاً عن أثر المدنية الإسلامية، ص112.

 [[21]] - صفة الصفوة ج1، ص327.

 [[22]] - صفة الصفوة ص106.

 [[23]] - الإسلام عقيدة وشريعة ص214.

 [[24]] - موقع شبكة الأخبار العربية على الإنترنت (محيط).

 [[25]] - ضوابط الاجتهاد المعاصر في التشريع الجنائي ص418 وما بعدها.

 [[26]] - أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، ص47، بإسناد حسن.

 [[27]] - رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر.

 [[28]] - إدخال السرور على المسلم ص،8.

 [[29]] - تفسير القرطبي ج3، ص428.

 [[30]] - صفة الصفوة ج1، ص756.

 [[31]] - مختصر حياة الصحابة، ص264.

 [[32]] - أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات، ص35.

 [[33]] - كنز العمال ج9، ص476، رقم(25972)، وقال: (رواه البخاري في الأدب المفرد وابن زنجويه في ترغيبه)، وانظر مختصر حياة الصحابة، ص257.

 [[34]] - إدخال السرور على المسلم أ. مجدي فتحي، ص10.

 [[35]] - إدخال السرور على المسلم، ص11.

 [[36]] - قضاء الحوائج، ص48.

 [[37]] - سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز، ص66.

 [[38]] - رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل عيادة المريض.

 [[39]] - راجع في ذلك أثر المدينة الإسلامية في الحضارة الغربية، ص104.

 [[40]] - أثر المدينة الإسلامية، ص104.

 [[41]] - الإيمان والحياة، د. يوسف القرضاوي، ص293.

 [[42]] - الإيمان والحياة، ص293.

 [[43]] - قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا، ص55.

 [[44]] - الإصابة في تمييز الصحابة ج4، ص457، صفة الصفوة ص113.

 [[45]] - موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، ج1، ص369.

 [[46]] - الإيمان والحياة، ص292.

 [[47]] - قضاء الحوائج، ص43.

 [[48]] - موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، ج1، ص374.

 [[49]] - متفق عليه. البخاري كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة، مسلم في كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل أنواع المعروف.


: الأوسمة



التالي
الصيام .. مدرسة لإصلاح المجتمع
السابق
الصوم .. وتربية الأمة على النصر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع