البحث

التفاصيل

حق التصويت بين الشهادة والوكالة (فتحي أبو الورد)

حق المواطن – رجلا كان أو امرأة -  في ممارسة اختيار المرشحين للمجالس النيابية وكذا الرئاسة – المعروف بحق التصويت - من أبجديات الحقوق المقررة  فى فقهنا السياسى الإسلامى ، ولا يكاد يوجد من العلماء من يخالف في إثبات هذا الحق.

أما عن التكييف الفقهي للانتخاب فيراه جمهور الفقهاء أنه شهادة ومن هؤلاء الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ عطية صقر ، فالناخب عندهم  شاهد ، والتصويت لا يعدو أن يكون شهادة بصلاحية شخص أو عدم صلاحيته.

ومن ثم فإنه يجب على الشاهد إذا دعي للتصويت، أن يدلي بشهادته، ولا يكتمها "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" البقرة 283، "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا"  البقرة 282.

وإذا كان الانتخاب شهادة على النحو الذي وصفنا فالرجل والمرأة في الشهادة سواء، والقاعدة العامة في ذلك هي المساواة العامة بين الرجل والمرأة في التكاليف والأحكام الشرعية ما لم يرد نص بمنع أحدهما ، كما أن الأصل فى الأشياء الإباحة مالم يرد نص بالتحريم كما يقرر الأصوليون. 

والأصل في ذلك قوله تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"  التوبة 71.

ويرى بعض الفقهاء أن الانتخاب وكالة ومن هؤلاء الدكتور مصطفى السباعي، والدكتور محمد بلتاجي ، فالانتخاب عندهم هو اختيار الأمة لوكلاء عنها في التشريع ومراقبة الحكومة، فعملية الانتخاب عملية توكيل، يذهب الشخص إلى مركز الاقتراع فيدلي بصوته فيمن يختارهم وكلاء عنه في المجلس النيابي يتكلمون باسمه ويدافعون عن حقوقه.

وعلى هذا التكييف أيضًا ــ الذي يرى أن الانتخاب توكيل ــ لا يوجد مانع شرعي من إثبات هذا الحق للمرأة مثلما هو حق للرجل على السواء، فالمرأة ليست ممنوعة شرعًا من توكيل غيرها للدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع.

وقد اتفق الفقهاء كما يقرر ابن رشد فى بداية المجتهد على وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين لأمور أنفسهم.

وما دام الأمر كذلك فللمرأة أن توكل نائبًا عنها في المجلس النيابي فيما يعرف بحق الانتخاب.

ومما يذكر في هذا الصدد أن عبد الرحمن بن عوف لما نهض يستشير الناس في علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان استشار النساء فأدلين برأيهن فى المسألة ، كما يذكر ابن كثير فى البداية والنهاية يقول : نهض عبد الرحمن بن عوف ــ رضي الله عنه ــ يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأخيارهم جميعًا وأشتاتًا، مثنى وفرادى ومجتمعين، سرًا وجهرًا، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن.
والذي أراه أن كلا التوصيفين الفقهيين للانتخاب بأنه شهادة أو وكالة صحيح، وكلا الوصفين يصلح إطلاقه على عملية الانتخاب.

ومما يجب التركيز عليه هنا أن الانتخاب – أو التصويت -  بوصفه شهادة يجب أن يتم وفق ما أوجبه الله تعالى فى ضوء قوله تعالى (وأقيموا الشهادة لله) الطلاق 2.

كما أن من يكتم الشهادة يكون  بذلك قد اكتسب  معصية الله، وركب إثما عظيما كما يقول الإمام الطبرى.

وقد اعتبر ابن عباس كتمان الشهادة من أكبر الكبائر  لأن الله عز وجل يقول:"ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"، وكان يقول: على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد

وقد اختتمت آية الشهادة بقوله تعالى: "والله بما تعملون عليم"، وهذا يعنى كما يقول الطبرى :"بما تعملون" في شهادتكم من إقامتها والقيام بها، أو كتمانكم إياها عند حاجة من استشهدكم إليها، وبغير ذلك من سرائر أعمالكم وعلانيتها ، "عليم"، يحصيه عليكم، ليجزيكم بذلك كله جزاءكم، إما خيرا وإما شرا على قدر استحقاقكم.

ومن ثم فلا تتدخل المذهبية ولا العصبية ولا القبلية ولا الحزبية ولا الطائفية ولا الهوى فى اختيار المرشحين، وإلا نكون قد ارتكبنا المحذور، وأقيمت الشهادة لغير الله، ووقعنا فى أكبر الكبائر وهى شهادة الزور، التى قرنها النبى صلى الله عليه وسلم بالإشراك بالله وعقوق الوالدين فى الحديث الصحيح . وقد قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " النساء 135، وذكر سبحانه من صفات المؤمنين " والذين هم بشهاداتهم قائمون " المعارج 33. وفى الحديث الذى رواه مسلم من طريق زيد بن خالد الجهني

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها. كتاب الأقضية - باب بيان خير الشهود.

 كما أن الانتخاب بوصفه وكالة لايجوز معه  أن يوكل  العاقل غير مؤتمن من المرشحين، أو غير كفء، أو غير مؤهل، فيضيع الأمانة ويبدل العهد، ويخرق الميثاق، والله تعالى يقول على لسان ابنة شعيب عليه السلام "إن خير من استأجرت القوى الأمين" القصص 26.

فالأهلية والقدرة على القيام بمهام الوظيفة هما المعيار الصحيح لتولى المناصب فى الفقه السياسى الإسلامى.

ولعلك أخى القارئ أدركت معى خطورة  التصويت فى المنظور الإسلامى  مما يوجب التثبت والتحقق من أهلية المرشح  قبل أن أشهد له أو أوكله ، بعيدا عن المجاملات أو الحسابات الأرضية.


: الأوسمة



التالي
مؤامرات فرنسية لإفشال الثورة التونسية
السابق
أكنا ننتظر الدوائر التلفازية المغلقة لتكون ضوابطنا الشرعية؟ (سهيلة زين العابدين حماد) 2/2

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع