البحث

التفاصيل

الغنوشي.. «أردوغاني».. في مواجهة أتاتوركيي تونس

 

لم يحظ سياسي تونسي خلال فترة الثلاثين سنة الماضية بما حظي به الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، فهو من بين السياسيين الأكثر إثارة للجدل، وكان طيلة سنوات إقامته في المهجر البريطاني بلندن، التي استمرت أكثر من عقدين، محطة للتونسيين وللإعلام في أوقات الأزمات.. وغيرها.
له قائمة طويلة من الأنصار لا تقل في أعدادها عن «الأعداء» والمناوئين. لم يستطع خلال مسيرة سياسية طويلة، بدأت منذ نهاية عقد الستينات، من جمع التونسيين حول فكرة واحدة، لكنه أحدث شرخا كبيرا في الحياة السياسية بعد أن تمكن في وقت وجيز من إدخال التوجه الإسلامي لدى الكثير من التونسيين بعد أن زرع فيهم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، منذ استقلال تونس سنة 1956 عن فرنسا، التوجه العلماني الغربي المتأثر بمسيرة الزعيم التركي كمال أتاتورك.

اليوم وبعد التغيّرات والتحوّلات العميقة التي أحدثتها ثورة 14 يناير (كانون الثاني) على الساحة التونسيّة، يعود راشد الغنوشي إلى الصفوف الأمامية ليسلط عليه الكثير من الأضواء بعد نجاح حركة النهضة في تحقيق أكبر نسبة من أصوات الناخبين التونسيين في أول اختبار انتخابي حقيقي احترم - على ما يبدو - الشروط والمعايير الدولية في مجال الانتخابات. الغريب أن راشد الغنوشي زعيم الحركة الإسلامية التونسية يمكن تشبيهه بطائر «الفينيق» فهو ينهض من بين الركام كلما ذهب ظن الجميع إلى أنه عرف النهاية ولن يتمكن من الرجوع إلى واجهة الأحداث.

اليوم ينطلق راشد الغنوشي بنوع جديد من إثارة الجدل حول النموذج المجتمعي الذي سيطرحه على التونسيين، فقد تحول في فترة قياسية من موقع الضحية المطارد والمعارض لنظام حكم جائر، إلى موقع قيادة الحكم في تونس.

والغنوشي، الذي اعتبر لفترة طويلة إسلاميا متشددا، أصبح يقدم نفسه الآن على أنه «معتدل». ويكرر مؤسس حزب النهضة القول أمام الصحافيين منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) القول «لست مثل الخميني.. لدينا حزب إسلامي وديمقراطي يشبه كثيرا حزب العدالة والتنمية في تركيا».

وهذا الرجل البالغ من العمر 70 عاما.. نحيل البنية ومن الصعب تخيل أنه أثار خوف النظام التونسي إلى درجة أن رئيس الاستقلال الحبيب بورقيبة أراد رؤية «حبل المشنقة حول رقبته» وأن خلفه زين العابدين بن علي أرغمه على المنفى منذ أكثر من عشرين عاما. وبعدما حرم من دور ناشط في الثورة الشعبية التي شهدتها تونس بقي الزعيم الإسلامي بعيدا عن الأضواء وعمل على محو أي آثار للتطرف في خطابه.

ولد الغنوشي في الحامة، وهي مدينة صغيرة على الساحل الجنوبي الشرقي لتونس، في 22 يونيو (حزيران) 1941، لدى عائلة متواضعة. واتجه نحو الدراسات الدينية. وبعدما نال إجازة في الفقه الإسلامي في تونس في 1962 أصبح مدرسا في قابس المدينة الواقعة في وسط غربي البلاد، حيث اكتشف «البؤس من الداخل». وتقول أوساطه إنه كان «متعطشا للمعرفة ومتأثرا جدا بالقومية العربية». وقد غادر لمتابعة دراسته في القاهرة ثم في دمشق حيث نال شهادة في الفلسفة. وبعد فترة قصيرة أمضاها في فرنسا عاد إلى تونس في نهاية الستينات واكتشف مجتمعا منطلقا على طريق العلمانية.

وعبر عن مواقفه في السبعينات عبر خطب شديدة اللهجة دعا فيها إلى تدمير «أتباع إسرائيل»، مطالبا بتطبيق الشريعة الإسلامية لفرض النظام في مجتمع كان يعتبر أنه فاسد. وأسس مع بعض رفاقه في مطلع 1981 حركة ذات توجه إسلامي أصبحت لاحقا النهضة. وبدأ الغنوشي بإثارة قلق السلطة، واتهم بتأجيج اضطرابات وحكم عليه أول مرة بالسجن 11 عاما في نهاية 1981 ثم بالأشغال الشاقة المؤبدة في مطلع 1987.

وللمفارقات فإن وصول بن علي إلى السلطة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1987 أنقذ وضعه، فقد عفا عنه في 1988 مقابل إعلان ولائه للرئيس الجديد. ويروي عنه أحد مسؤولي الحركة في تونس، علي العريض، الذي أوقف في 1990 وأمضى 14 عاما في السجن، أنه «يرفض العنف ويعترف بوضع المرأة. لكن ذلك لا يكفي. ففي الانتخابات التشريعية عام 1988 حصلنا على أكثر من 17 في المائة من الأصوات وبدأنا التعرض للضرب». وفي نهاية 1989 غادر الغنوشي تونس إلى الجزائر ثم إلى لندن في 1991. والسنة التالية حكمت عليه محكمة عسكرية في تونس مع مسؤولين دينيين آخرين بالسجن المؤبد بتهمة «التآمر» ضد الرئيس.

بعد دراسته في دمشق، عاد الغنوشي إلى تونس ليؤسس عام 1972 حركة الاتجاه الإسلامي وهي الحركة التاريخية التي تمثل التيار الإسلامي في تونس والتي ستتحول تسميتها لاحقا إلى حركة النهضة. تأسست الحركة وأعلنت عن نفسها رسميا في 6 يونيو (حزيران) 1981 ولم يتم الاعتراف بها كحزب سياسي في تونس إلا في 1 مارس (آذار) 2011. ولا يمكن تقديم الغنوشي دون الحديث عن الحركة الإسلامية في تونس. وقد جاء في بيانها التأسيسي «نحن لا نعارض البتة أن يقوم في البلاد أي اتجاه من الاتجاهات، ولا نعارض البتة قيام أي حركة سياسية، وإن اختلفت معنا اختلافا جذريا بما في ذلك الحزب الشيوعي. فنحن حين نقدم أطروحاتنا نقدمها ونحن نؤمن بأن الشعب هو الذي يرفعنا إلى السلطة ليس إلا» ودعت في بيان آخر لاحق إلى «الصمود ضد الاستدراج إلى العنف».

وقد حظيت حركة النهضة ورئيسها بمكانة خاصة من قبل المثقفين والنخب على مستوى عربي وعالمي. وفي هذا الشأن يقول المفكر منير شفيق «لم تؤثر الضربات القاسية التي تلقتها (الحركة) داخل تونس في تلك المكانة أو في الدور الريادي، بل أدت تلك الضربات إلى زيادة التقدير لها بسبب ما تقدمه من تضحيات وما اتسمت به من صلابة وصمود دون أن ينجح النظام في استدراجها إلى ممارسة العنف المضاد أو إلى الخنوع والتخاذل».

ويتميز الغنوشي، حسب مختلف المتابعين للمشهد السياسي، بقراءته التجديدية للإسلام السياسي، فهو لا يخجل من المناداة بحقوق المواطنة ويقر بتساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، وقد أصل لآرائه أصوليا وفقهيا في كتابه الشهير «الحريات في الإسلام» الذي يرفضه معظم الإسلاميين غير التجديديين لصبغته التحررية التي يعتبرها البعض مناقضة في بعض مكوناتها لروح الدين الإسلامي. وقد عمل الغنوشي صحبة رفيق دربه عبد الفتّاح مورو على إقناع أكبر عدد ممكن من النخب المثقفة التونسية في المساجد والمؤسسات التعليمية بأنّ الإسلام هو البديل الحضاري الحي وأن الانضمام إلى الحركة الإسلامية سيجبر الأنظمة على الاعتراف بإسلامية الشارع.

ولكن مرافقي الغنوشي كانوا يرفضون فكرة التنظيم السياسي وطالبوا بإبقاء الحركة الإسلامية في تونس بعيدة عن متاهات التحزّب والسياسة، والاسترسال في العمل الثقافي والتعليمي والتربوي والاجتماعي وإعطائه الأولوية ضمن أنشطة الجماعة الإسلامية.

ومن الذين عارضوا فكرة التنظيم من قادة الحركة هم أحميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي وزيّاد كريشان. وأسسوا هؤلاء جماعة تكاد تكون مناقضة لنهج الغنوشي أطلقوا عليها اسم «الإسلاميون التقدميون» لم تحظ بكثير من الاهتمام وتركزت كل الأضواء على تحركات الشيخ راشد الغنوشي.

وترجع بدايات الحركة إلى أواخر الستينات تحت اسم الجماعة الإسلامية التي أقامت أول لقاءاتها التنظيمية بصفة سرية في أبريل (نيسان) سنة 1972، ومن أبرز مؤسسيها راشد الغنوشي أستاذ الفلسفة، والمحامي عبد الفتاح مورو والدكتور المنصف بن سالم وانضم إليهم لاحقا عدد من النشطاء من أبرزهم صالح كركر والحبيب المكني وعلى العريّض. البداية كانت بإقامة حلقات في المساجد ومن خلال الانخراط بجمعيات المحافظة على القرآن الكريم، هذا النشاط لقي في الأول ترحيبا ضمنيا من قبل الحزب الاشتراكي الدستوري (الحزب الحاكم في عهد الحبيب بورقيبة)، بل إنه استغل الحركة الإسلامية واستعملها في مواجهة التيار اليساري المهيمن وقتها على المعارضة وعلى المؤسسات الجامعية.

وظل الغنوشي لسنوات في الصفوف الأمامية سنة 1974 حين سمح لأعضاء الحركة بإصدار مجلة «المعرفة» التي أصبحت المنبر الفعلي لأفكار الحركة، وكذلك في أغسطس 1979 حين أقيم بشكل سري المؤتمر المؤسس لحركة الاتجاه الإسلامي وخلاله تمت المصادقة على قانونها الأساسي الذي انبنت على أساسه هيكلة التنظيم. ولم تكن أفكار راشد الغنوشي هي المستهدفة من قبل نظام بورقيبة بل الأفكار الإسلامية ككل، حيث لم يسمح لتلك الأفكار بالخروج إلى العلن. ومع ذلك واصل راشد الغنوشي صحبة مجموعة من النشطاء العمل، وعقدوا المؤتمر الثاني بشكل سري أيضا في مدينة سوسة يومي 9 أبريل (نيسان) 1981 في الفترة نفسها التي عقد فيها الحزب الاشتراكي الدستوري مؤتمره الاستثنائي الذي أعلن فيه الرئيس الحبيب بورقيبة أنه لا يرى مانعا في وجود أحزاب أخرى إلى جانب الحزب الحاكم.

الغنوشي يبدو أنه أراد أن يجرب مدى مصداقية بورقيبة من خلال الإعلان عن الحركة في مؤتمر صحافي عقده الغنوشي وعبد الفتاح مورو وتقدمت الحركة بمطلب رسمي للحصول على الترخيص، ولكن السلطات التونسية وعدت بدراسة الطلب وعوضا عن ذلك قامت بإلقاء القبض عليه في 18 يوليو (تموز) 1981 مع قيادات الحركة ليقدموا في سبتمبر (أيلول) للمحاكمة بتهم عديدة من بينها «الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها»، و«النيل من كرامة رئيس الجمهورية‏»، و«نشر أنباء زائفة»، و«توزيع منشورات معادية». وحكم على الغنوشي ومورو بالسجن عشر سنوات ولم يفرج عن الشيخ راشد الغنوشي إلا في شهر أغسطس (آب) 1984 إثر وساطة من الوزير الأول محمد مزالي. في حين أطلق سراح مورو عام 1983.

ولكن سياسة لي الذراع التي اعتمدتها السلطات مع الحركة أدت إلى صدامات مع ترهل نظام الحكم وهو ما جعل الكثير من الملاحظين يتهمون حركة الاتجاه الإسلامي بالتحضير لانقلاب عسكري على الحبيب بورقيبة يوم 6 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1987 قبل يوم واحد من قيام زين العابدين بالاستيلاء على السلطة.

وكانت الصدامات قد عرفت أوجها سنة 1987 وأدت إلى الحكم على راشد الغنوشي بالأشغال الشاقة مدى الحياة وتوجيه الحكومة اتهاما للحركة بالتورط في التفجيرات التي استهدفت 4 نزل سياحة في جهة الساحل.

وتولى راشد الغنوشي قيادة حركة النهضة أكثر من مرة وذلك من سنة 1972 إلى 1980 ومن شهر أبريل (نيسان) 1981 إلى شهر يوليو (تموز) من سنة 1981. وعاد إلى قيادتها من جديد في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 1984 إلى غاية شهر أغسطس من سنة 1987.

وتشير المراجع التاريخية إلى أنه قضى قرابة ربع قرن على رأس قيادة الحركة الإسلامية في تونس. وهذا الوضع ربط بين صورة الغنوشي وصورة الحركة الإسلامية في تونس، وأصبح اسم الغنوشي مرتبطا بالحركة التي ظلت محل انقسام بين التونسيين، إذ هناك من يساندها ويدعمها بكل الطرق وهناك من يعترض على وجودها ونشاطها. وقد ساعده في ذلك رفض السلطات التونسية منذ الاستقلال في عهدي بورقيبة وبن علي، وإلى حد بداية سنة 2011 تكوين حزب سياسي له مرجعية دينية.

ولكن الغنوشي كذلك هو إحدى الشخصيات السياسية التونسية التي نالت أحكاما قضائية قاسية، فقد حكم عليه بالسجن 11 عاما سنة 1981 كما حكم عليه سنة 1987 مدى الحياة. وعلى إثر أحداث سنة 1991 حكم عليه غيابيا مرة أخرى بالسجن مدى الحياة. وسبق أن حوكم غيابيا سنة 1998 بالسجن مدى الحياة. ولكن منطق الثورة التونسية غير الكثير من الأشياء.

ولم تتوقف سياسة التضييق على الحركة مع وصول بن علي إلى السلطة، فقد اتهمت حركة النهضة بالاعتداء على شعبة التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي الحاكم) في باب سويقة في 17 فبراير (شباط) 1991 وكذلك تفجيرات نزل في سوسة والمنستير سنة 1986 مما أسفر عن جرح 13 سائحا. وقد اعترفت الحركة بمسؤوليتها عن أحداث باب سويقة في فبراير (شباط) من سنة 2011 مؤكدة أنها أخطاء فردية ارتكبها بعض شباب الحركة الذين كانوا يعانون من القمع وفي ظل غياب قيادات الحركة سواء بالنفي أو في السجون.

وقام النظام الجديد منذ الأشهر الأولى بالإفراج عن أغلب أعضاء الحركة المسجونين. وفي 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988، وكانت الحركة من بين الموقعين على وثيقة الميثاق الوطني التي دعا إليها الرئيس السابق بن علي كقاعدة لتنظيم العمل السياسي في البلاد، خرج الغنوشي من السجن وشاركت حركته في الانتخابات التشريعية في مايو (أيار) 1989 تحت لوائح مستقلة، وحصلت (حسب النتائج المعلنة) على نحو 13 في المائة من الأصوات.

وفي فبراير (شباط) 1989 غيرت الحركة اسمها إلى «حركة النهضة» للتقيد بقانون الأحزاب الذي يمنع «إقامة أحزاب على أساس ديني» إلا أن طلبها بالترخيص جوبه بالرفض من طرف السلطة. وفي 28 مايو 1989 غادر راشد الغنوشي البلاد في اتجاه الجزائر، وقد تولى الصادق شورو رئاسة المكتب السياسي للحركة منذ مايو 1988.

انتقل الغنوشي إلى ليبيا وبقي فيها شهرا وبعدها ذهب للسودان ومكث فيها بضعة أيام، وبعد ذلك طلب اللجوء للمملكة المتحدة حيث قضى فيها 22 سنة في المنفى الإجباري.

ولكن هجرة راشد الغنوشي لقيت الكثير من الانتقادات على المستوى المحلي، فقد رأى فيها قياديو الحركة وخاصة القواعد التي تعرضت للتشريد والفصل عن العمل والتنكيل بهم في السجون أن خروج الغنوشي من تونس مثل هروبا من الساحة السياسية وترك منظوريه من الحركة أمام مصير مجهول، والحال أن كل القواعد قد انضمت إلى الحركة بعد أن سمعت خطب الغنوشي واطلعت على كتبه ومؤلفاته. وبداية من سنة 1990 اصطدمت الحركة بعنف مع السلطة وقد بلغت المواجهة أوجها أثناء أزمة حرب الخليج. في مايو 1991 أعلنت الحكومة إبطال مؤامرة لقلب نظام الحكم واغتيال الرئيس بن علي، وشنت الأجهزة الأمنية حملة شديدة على أعضاء الحركة ومؤيديها وقد بلغ عدد الموقوفين حسب بعض المصادر 8000 شخص. وواصل نظام بن علي التضييق على وجود الحركة وقاومها بكل الوسائل رغم انتقادات المنظمات الدولية.

وبعد سقوط حكم بن علي أكد الغنوشي أنه مع الديمقراطية وضد الخلافة الإسلامية وقدم حركة النهضة على أساس أنها حركة مدنية لا تنوي الاستيلاء على الحكم بالقوة بل تعمل على المشاركة السياسية وفق الطرق السلمية بعيدا عن منطق العنف.

ولئن لم تعلن الحركة في بيانها التأسيسي أنها مرتبطة بالإخوان المسلمين فإن كثيرا من المصادر تذكر أن رئيس الحركة راشد الغنوشي يعتبر حركة الإخوان حليفا ولكنها ليست مرجعية، إلا أن راشد الغنوشي رئيس الحركة ومؤسسها حاصل على عضوية مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين حسب مصادر أخرى. ويبدو أن النموذج التركي قد أغرى راشد الغنوشي بعد أن أغرى نموذج كمال أتاتورك الحبيب بورقيبة في فترة أولى بعد استقلال تونس. ولعل النجاح الذي عرفه ذاك النموذج والنجاحات الاقتصادية التي حققها هي التي قد تكون النموذج المفضل لحركة النهضة خلال السنوات القادمة.

راشد الغنوشي وبعد رجوعه إلى تونس بداية سنة 2011 بعد أيام قلائل من الإطاحة بنظام بن علي، صرح لوسائل الإعلام قائلا «اليوم لم يعد الناس يخافون منّا، الحركة الآن تشهد إقبالا من كلّ الفئات وسنفتح قريبا باب العضوية وتقديراتنا أنّه سيكون لنا مليون عضو، كلّ طبقات المجتمع مقبلة علينا فلماذا نحتاج إلى تمويل من الخارج».

عاد راشد الغنوشي إلى تونس بعد أكثر من 22 عاما من اللجوء السياسي ببريطانيا، واستقبله بمطار تونس قرطاج الدولي أكثر من 20 ألفا من أنصار حركة النهضة. وأكد الغنوشي منذ عودته، على عدم نيّته الترشح لأي منصب سياسي، وأنه سيغادر رئاسة حركة النهضة في أول مؤتمر تعقده الحركة بعد الإطاحة بنظام بن علي. ولعل النتائج المحققة في انتخابات المجلس التأسيسي التونسي تؤكد الإطاحة بمعظم خصومه السياسيين سواء منهم الذين دافعوا عن الحركة الإسلامية خلال محنتها أو الذين أعملوا فيها خناجرهم. وكل الملاحظين يؤكدون على الدور الحيوي الذي لعبه راشد الغنوشي لإعادة النفس الديني إلى البيوت التونسية بعد عقود من عمليات التغريب والتغافل عن مسألة الهوية في المجتمع التونسي.

ومن الواضح أن حركة النهضة تعيش بدورها حراكا سياسيا كبيرا تترجمه العلاقات المتنافسة بين التيار الذي حوكم وقضى سنوات في السجون التونسية وبين التيار الذي انتظر خارج البلاد وعاد ليجني الثمار بعد الثورة. راشد الغنوشي يمثل اليوم رجل وفاق بين مختلف التيارات السياسية حتى وإن عبر البعض من القيادات الجديدة عن نيته التخلص من القيادات «القديمة» لكن السؤال الآن يبقى حاضرا: هل يغادر الغنوشي البيت قبل أن يقرر البعض بداية تنظيفه، أم يبقى داخله، مواصلا إصلاحاته.. وأفكاره التي أوصلت الحزب إلى دفة الحكم.

 

الشرق الأوسط


: الأوسمة



التالي
تحركات الحوثيين وخطورتها على المنطقة (خالد مصطفى)
السابق
مقاصد التشريع الجنائي الإسلامي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع