البحث

التفاصيل

المرأة والعمل السياسي.. شبهات وردود (يوسف القرضاوي)

الرابط المختصر :

السؤال: أفتى بعض العلماء بتحريم ممارسة المرأة للعمل السياسي وكان مما استندت إليه هذه الفتوى أن طبيعة المرأة وفطرتها التي فطرها الله عليها تحول دون ذلك، كما استندت إلى حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" إلى آخر ما ورد فيها فهل ما جاء في هذه الفتوى هو الحق أم ماذا؟ أفيدونا أفادكم الله.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

فالإسلام لم يفرق بين المرأة والرجل في ممارسة الحقوق السياسية فهما على قدم سواء، وبالنسبة لتولي المرأة أماكن الصدارة والرياسة إذا توافرت فيها الشروط التي تؤهلها لذلك فقد انعقد إجماع الأمة؛ على أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى الإمامة العظمى وما في معناها من رئاسة الدولة -غير المؤسسية- بحيث تكون ذات إرادة نافذة في قومها، لا يرد لها حكم، ولا يبرم دونها أمر، وبذلك يكونون قد ولوها أمرهم حقيقة، أي أن أمرهم العام قد أصبح بيدها وتحت تصرفها، ورهن إشارتها.

أما عدا الإمامة والخلافة وما في معناها من رئاسة الدولة - فهو مما اختلف فيه، وهذا ما خلص إليه الدكتور يوسف القرضاوي في رده على من أفتى بتحريم الحقوق السياسية على المرأة، وإليك نص فتواه:

لقد اطلعت على الفتوى التي أشار إليها الأخ السائل في رسالته وهي فتوى صدرت قديما لبعض علماء الأزهر والتي انتهت إلى تحريم الحقوق السياسية كلها على المرأة، وأولها حق الانتخاب، والشهادة لمرشح بقول  "نعم" أو "لا"، ومن باب أولى منعها عن الترشيح للمجالس النيابية، ما دامت قد منعت من مجرد التصويت.

موقف نساء النبي وتطلعهن إلى الزينة:

ومما استندت إليه فتوى هؤلاء المانعين للمرأة من مزاولة الحقوق السياسية قولهم: إن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها، وهي مهمة الأمومة وحضانة النشء وتربيته، وهذه قد جعلتها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة.

ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدل على أن شدة الانفعال والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها. فقد دفعت هذه الغرائز المرأة في أسمى بيئة نسوية إلى تغليب العاطفة على مقتضى العقل والحكمة.

وآيات من سورة الأحزاب: تشير إلى ما كان من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم- وتطلعهن إلى زينة الدنيا ومتعتها، ومطالبتهن الرسول أن يغدق عليهن مما آتاه الله من الغنائم حتى يعشن كما تعيش زوجات الملوك ورؤساء الأمم. لكن القرآن قد ردهن إلى مقتضى العقل والحكمة في ذلك: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب:28- 29).

وآية أخرى من سورة التحريم تتحدث عن غيرة بعض نسائه عليه الصلاة والسلام وما كان لها من الأثر في تغليبهن العاطفة على العقل، مما جعلهن يدبرن ما يتظاهرن به على الرسول - صلى الله عليه وسلم- وقد ردهن القرآن إلى الجادة : {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (التحريم :4).

هذه هي المرأة في أسمى البيئات النسوية لم تسلم من التأثر الشديد بدواعي العاطفة، ولم تنهض قوتها المعنوية على مغالبة نوازع الغيرة مع كمال إيمانها ونشأتها في بيت النبوة والوحي، فكيف بامرأة غيرها لم تؤمن إيمانها ولم تنشأ نشأتها وليس لها ما تطمع به أن تبلغ شأنها أو تقارب منزلتها؟!

هذا ما ذكره من ذكره في شأن نساء النبي؛ ولكن فاته أن يذكر أنهن - حين خُيِّرن - اخترن جميعًا الله ورسوله والدار الآخرة.

على أن تطلعهن إلى الزينة ومتاع الحياة كسائر النساء وبخاصة نساء العظماء، لا يدل على قصور عقولهن، ولا عدم صلاحيتهن للتفكير في الأمور العامة، بل هو تطلع بحكم الفطرة البشرية، والطبيعة النسوية، سرعان ما تقشعت سحابته عندما نزلت آية التخيير.

وهل برئ الرجال تمامًا من مثل هذه المواقف التي يركنون فيها فترة إلى الدنيا، ثم تدركهم الصحوة، حينما ينبههم الوحي إلى خطئهم أو غفلتهم ؟. ألم يقل القرآن في شأن الصحابة مخاطبًا الرسول الكريم:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِين} (الجمعة : 11).

ألم ينزل الله تعالى عقب غزوة أحد آيات يعاتب فيها أصحاب رسوله - أفضل أجيال البشر - على ما بدر منهم من عصيان أمره، وترك مواقعهم والنزول لجمع الغنائم.. مما كان من عواقبه ما كان؟ يقول عز وجل: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ۚ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ..} (آل عمران : 152).

قال ابن مسعود: "ما كنت أعلم أن فينا من يريد الدنيا، حتى نزلت هذه الآية"!. هل يمكن أن يؤخذ من مثل هذه المواقف التي يضعف فيها بعض الرجال الأخيار وتغلب فيها أهواؤهم عقولهم: أن الرجال لا يصلحون للمهمات الكبار؟ !.

وفي غزوة بدر يسجل القرآن على بعض المؤمنين مثل هذه المواقف قبل المعركة وبعدها، يقول تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ..} (الأنفال: 5 - 7).

وبعد المعركة يقول في شأن موقفهم من الأسرى: {..تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الأنفال : 67، 68).

إن الضعف البشري يعتري الرجال والنساء جميعًا، والعبرة بالعاقبة. ولماذا لا يذكر هنا مشورة أم سلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم- في يوم الحديبية، وقد كان من ورائها الخير والمصلحة؟.

بل لماذا لم يذكر ما ذكره القرآن عن امرأة حكمت قومها بالعقل، وساستهم بالحكمة، وقادتهم في أحرج الأوقات إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة؟ ألا وهي ملكة سبأ، التي لخصت لقومها ما يصنعه الفاتحون المستعمرون إذا دخلوا بلدًا بعبارة في غاية الوجازة والبلاغة: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ} (النمل: 34).

العوارض الطبيعية للمرأة وأثرها على مزاولة المرأة للعمل السياسي:

ويستند المانعون للنساء من التشريع بأن المرأة تعرض لها عوارض طبيعية من الدورة الشهرية وآلامها، والحمل وأوجاعه، والولادة وأسقامها، والإرضاع ومتاعبه، والأمومة وأعبائها... كل هذا مما يجعلها غير قادرة بدنيًا ولا نفسيًا ولا فكريًا، على تحمل تبعة العضوية في مجلس يسن القوانين، ويراقب الحكومة.

ونقول: إن هذا صحيح، وليست كل امرأة صالحة للقيام بعبء النيابة، فالمرأة المشغولة بالأمومة ومتطلباتها لن تزج بنفسها في معترك الترشيح لهذه المهام، ولو فعلت لكان على الرجال والنساء أن يقولوا لها: لا.. أطفالك أولى بك.

ولكن المرأة التي لم ترزق الأطفال وعندها فضل قوة ووقت وعلم وذكاء، والمرأة التي بلغت الخمسين أو قاربت، ولم تعد تعرض لها العوارض الطبيعية المذكورة، وتزوج أبناؤها وبناتها، وبلغت من نضج السن والتجربة ما بلغت، وعندها من الفراغ ما يمكن أن تشغله في عمل عام، ما الذي يمنع من انتخاب مثلها في مجلس نيابي، إذا توافرت فيها الشروط الأخرى، التي يجب أن تتوفر في كل مرشح، رجلا كان أو امرأة؟

آية : " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" وقد استدلت الفتوى على منع المرأة من الترشيح للانتخاب بقوله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" (الأحزاب : 33) وللرد على ذلك نقول: من المعلوم الذي لا ينازع فيه أحد أن الآية خطاب لنساء النبي، كما يدل على ذلك السياق. ونساء النبي لهن أحكام خاصة من حيث مضاعفة العذاب لمن تأتي بفاحشة مبينة، ومضاعفة الأجر لمن تعمل صالحًا، وتحريم نكاحهن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقد قال القرآن في نفس السياق: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (الأحزاب:32)

ولهذا أجاز المسلمون من غير نكير للمرأة في عصرنا أن تخرج من بيتها للتعلم في المدرسة، ثم في الجامعة، وأن تذهب إلى السوق، وأن تعمل خارج بيتها معلمة وطبيبة وممرضة، وغير ذلك من الأعمال المشروعة، في إطار الشروط والضوابط الشرعية.

على أن الآية الكريمة: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" لم تمنع أم المؤمنين، أفقه نساء الأمة، عائشة رضي الله عنها، أن تخرج من بيتها، بل من المدينة المنورة، وأن تسافر إلى البصرة على رأس جيش فيه الكثير من الصحابة، وفيهم اثنان من العشرة المبشرين بالجنة، ومن الستة المرشحين للخلافة، أصحاب الشورى: طلحة والزبير، تطالب بما تعتقد أنه حق وصواب، من المبادرة بالقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه. وما يقال من أنها ندمت على هذا الخروج، فهذا ليس لأن خروجها كان غير مشروع، بل لأن رأيها في السياسة كان خطأ. وهذا أمر آخر.

على أن بعضهم اتخذ من آية: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" حجة عامة على أن المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيتها إلا لضرورة أو حاجة تنزل منزلة الضرورة، حتى التعليم في المدرسة والجامعة توقفوا فيه! ولا عجب أن حرموا عليها أن تشترك في الانتخابات بالتصويت، بأن تقول "نعم" أو "لا".

وبهذا يعطل نصف الأمة عن الشهادة في هذا الجانب المهم. وإن شئت التعبير عن الواقع، قلت: تعطل الصالحات من النساء عن أداء هذه الشهادة، على حين تذهب الأخريات لإعطاء أصواتهن للعلمانيين والمعادين لشريعة الإسلام.

وقد نسي هؤلاء أن بقية الآية الكريمة تدل بمفهومها على شرعية الخروج للمرأة من بيتها إذا التزمت الحشمة والأدب ولم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، فالنهي عن التبرج يفيد أن ذلك خارج البيت، فالمرأة في بيتها لا حرج عليها أن تتزين وتتبرج، فالتبرج المنهي عنه إذن لا يكون إلا خارج البيت.

حديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة":

ومما استندت إليه الفتوى المذكورة في منع المرأة أن تكون ناخبة أو عضوا في مجلس نيابي الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- حين بلغه أن الفرس ولوا على ملكهم بنت كسرى بعد موته، قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

ولنا مع هذا الاستدلال وقفات:

الأولى: هل يؤخذ الحديث على عمومه أو يوقف به عند سبب وروده؟

على معنى أنه أراد أن يخبر عن عدم فلاح الفرس، الذين فرض عليهم نظام الحكم الوراثي أن تحكمهم بنت الإمبراطور، وإن كان في الأمة من هو أكفأ منها وأفضل ألف مرة؟

صحيح أن أغلب الأصوليين قالوا: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن هذا غير مجمع عليه، وقد ورد عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما ضرورة رعاية أسباب النزول، وإلا حدث التخبط في الفهم، ووقع سوء التفسير، كما تورط في ذلك الحرورية من الخوارج وأمثالهم، الذين أخذوا الآيات التي نزلت في المشركين فعمموها على المؤمنين. (وللشاطبي بحث مفيد في ذلك في كلامه عن "القرآن" في "الموافقات").

فدل هذا على أن سبب نزول الآية ومن باب أولى سبب ورود الحديث، يجب أن يرجع إليه في فهم النص، ولا يؤخذ عموم اللفظ قاعدة مسلمة.

يؤكد هذا في هذا الحديث خاصة: أنه - لو أخذ على عمومه - لعارض ظاهر القرآن، فقد قص علينا القرآن قصة امرأة قادت قومها أفضل ما تكون القيادة، وحكمتهم أعدل ما يكون الحكم، وتصرفت بحكمة ورشد أحسن ما يكون التصرف، ونجوا بحسن رأيها من التورط في معركة خاسرة، يهلك فيها الرجال، وتذهب الأموال، ولا يجنون من ورائها شيئَا.

تلك هي بلقيس التي ذكر الله قصتها في سورة النمل مع نبي الله سليمان، وانتهى بها المطاف إلى أن قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (النمل : 44).

كما يؤكد صرف الحديث عن العموم: الواقع الذي نشهده، وهو أن كثيرًا من النساء قد كن لأوطانهن خيرًا من كثير من الرجال. وإن بعض هؤلاء  "النساء" لهو أرجح في ميزان الكفاية والمقدرة السياسية والإدارية من كثير من حكام العرب والمسلمين "الذكور" ولا أقول "الرجال"!.

الثانية: أن علماء الأمة قد اتفقوا على منع المرأة من الولاية الكبرى أو الإمامة العظمى، وهي التي ورد في شأنها الحديث ودل عليها سبب وروده، كما دل عليها لفظه "ولوا أمرهم" وفي رواية " تملكهم امرأة " فهذا إنما ينطبق على المرأة إذا أصبحت ملكة أو رئيسة دولة ذات إرادة نافذة في قومها، لا يرد لها حكم، ولا يبرم دونها أمر، وبذلك يكونون قد ولوها أمرهم حقيقة، أي أن أمرهم العام قد أصبح بيدها وتحت تصرفها، ورهن إشارتها.

أما ما عدا الإمامة والخلافة وما في معناها من رئاسة الدولة - فهو مما اختلف فيه. فيمكن بهذا أن تكون وزيرة، ويمكن أن تكون قاضية، ويمكن أن تكون محتسبة احتسابًا عامًّا. وقد ولى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله العدوية على السوق تحتسب وتراقب، وهو ضرب من الولاية العامة.

الثالثة: أن المجتمع المعاصر في ظل النظم الديمقراطية حين يولي المرأة منصبًا عامًا كالوزارة أو الإدارة أو النيابة، أو نحو ذلك، فلا يعني هذا أنه ولاها أمره بالفعل، وقلدها المسئولية عنه كاملة. فالواقع المشاهد أن المسئولية جماعية والولاية مشتركة، تقوم بأعبائها مجموعة من المؤسسات والأجهزة، والمرأة إنما تحمل جزءًا منها مع من يحملها.

فليست هي الحاكمة المطلقة التي لا يعصى لها أمر، ولا يرفض لها طلب، فهي إنما تترأس حزبًا يعارضه غيره، وقد تجري هي انتخابات فتسقط فيها بجدارة، كما حدث لأنديرا في الهند، وهي في حزبها لا تملك إلا صوتها، فإذا عارضتها الأغلبية غدا رأيها كرأي أي إنسان في عرض الطريق.

والله أعلم.


: الأوسمة



التالي
الميكافيلية الجدد (ماهر أبو عامر)
السابق
من وحي زيارتي الى ليبيا

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع