البحث

التفاصيل

من وحي زيارتي الى ليبيا

الرابط المختصر :

من خلال زيارة وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الشيخ الامام يوسف القرضاوي وعدد من أعضاء مجلس الامناء، ولاتحاد بالاضافة الى الامين العام في الفترة 8-11/12/2011م سجلت الملاحظات التالية التي فاض بها القلب.

كانت عاطفة الشعب الليبي من خلال استقبالهم الحار في بنغازي، وطرابس – للوفد جياشة صادقة فياضة مليئة بالحب الكبير، ومفعمة بالود العظيم لفضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي وولوفد جميعاً، حتى ربما يند أن تجد مثلها، فقد استقبل الوفد من خلال رؤسائل القبائل، والمحالي وخصص لمرافقة الوفد وتأمين الأمن، وللتقدير كتيبة الشهداء17 فبراير. كان الاستقبال والترحيب والتنويه، والحب والتقدير على السنة الجميع ضغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً مدنيين وثورا وعسكريين، حتى اننا حينما راينا تقدم المستقبلين نحو فضيلة الشيخ القرضاوي بشكل حماسي خفنا على صحته وعدم تحمله الإزدحام الكبير، والاحتضان الحار.

فقد كنا في السابق، وأثناء الثورة المباركة نكن حباً كبيراً، وتقديراً عظيماً للشعب الليبي الأصيل، ولكن في هذه الزيارة اكتشف لنا اصالة فوق ما نتصور، وشهامة أكبر، وحماسة وعاطفة جياشة أكثر مما نتوقع، وظهرت هذه الاصالة والشهامة على جميع الليبيين الذين إلتقينا بهم بدءاً من فخامة الاخ الكريم الشيخ مصطفى عبدالجليل رئيس مجلس الانتقالي، ومعالي الأخ الفاضل الدكتور عبدالرحيم الكيب، وبقية المسؤولين وكتائب الثوار، وبخاصة كتيبة الشداء، والى عامة الشعب الذين قابلونا بمنتهى الحب والعاطفة والتقدير.

فلذلك يستغرب من الطاغية القذافي الذي حكم هذا الشعب (42) سنة ثم قال لهم: "من أنتم؟" ويبدو أن الله تعالى قد أعمى بصره وجعا عليه غشاوة، وختم على قلبه وسمعه فلم ير طيبة هذا الشعب العظيم، واصالته وشهامته وفخامته، حتى لقنوه وكتائبه وملأه درساً عظيماً كشف للعالم أجمع من هو الشعب الليبي؟ إنه الشعب المجاهد المقاتل الثائر، أنهم الأسود في الوغى، ولكنهم ألين من الماء أمام من يعرف قدرهم، إنهم بحار في الكرم، جبال شمم في العزة، قمم في الجود والسخاء.

ويبدو أن ما قاله فرعون ليبيا في حق شعبه ووصفهم بالجرذان كان عقوبة إلهية لهذا الطاغية حتى يثير شعبه أكثر، ويدفع بالمترددين الى أن يحسموا أمرهم في حق الثورة، وحتى يظل على جبروته وكبريائه فيهلك شر هلاك، وذلك دعاء سيدنا موسى على فرعون وهامان وجندهما "فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم" سورة  وقد استجاب الله دعاءه في فرعون وهامان وجنودهما، ولكن يبدو أن هذا الدعاء قد استجاب الله لجميع الفراعنة الى يوم الدين.

ومن جانب آخر فإن ما قاله وعامل به هو وإبنه سيف الذل في رد الثوار ومطالبتهم كان من فساد الرأي بل من أفسده، وهذه عقوبة أخرى من الله تعالى يجريها على الطغاة كما قال ابن القيم:

إذا لم يكن عون من الله للفتى          فأول ما يجنى عليه اجتهاده


وقد حطت الطائرو الأميرية التي أقلتنا الى بن غازي في تمام الساعو الرابعة مساءاً من يوم الخميس الموافق 8/12/2011م، حيث كان حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله أمير البلاد هو الذي أمر بترتيب طائرة خاصة تُقل الوفد برئاسة فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، فجزاه الله خييراً على كل ما قدمه لخدمة الثورات العربية، وخدمة العلماء.

وبعد الاستقبال الحار نزلنا في فندق مناسب علماً بأن مدينة بن غازي قد أهملت في عهد الطاغية القذافي، حيث لم نجد فيها مظاهر العمران، ولا البنية التحتية على الرغم مما تملكه ليبيا من ثروات بترولية وغازية، ومعدنية لو صرف عشرها على الشعب الليبي لكان من أغنى الشعوب، ولكانت ليبيا جنة الله في أرضه.

وبعد استراحة قصيرة نزلنا الى حفلة كان وجهاء البلد (بن غازي) ورؤساء المجالس والقبائل قد أقاموها لأجل الوفد، فألقيت فيها كلمات، ومنها كلمة ضافية طيبة من فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، ثم كانت كلمتي التي هنأت فيها الشعب الليبي على نجاح ثورته المباركة، ثم تحدثت عن ان دور الاتحاد كان من منطلق الواجب والمسؤولية، والآن حان دور المصالحة الشاملة للخروج من الآلام الى الآمال ومن الوسائل الى المقاصد، ومن الثورة الى الدولة، وتطرقنا كذلك الى امكانية أن يقوم الاتحاد بدوره في هذه المرحلة من حيث إعداد علماء المستقبل، والبرامج الاقتصادية.

وفي يوم الثاني الجمعة 9/12/2011م كان المفروض أن يرتب لبعض أعضاء الوفد من الخطباء خطب في بعض المساجد غير الجامع الكبير الذي يخطب فيه الشيخ القرضاوي، ولكن لم يُرتب ذلك، وانتظرنا جميعاً الشيخ القرضاوي حيث ذهبنا معه وأثناء الطريق قال لي الشيخ ونيس الذي كان معنا في السيارة " مارأيك اذا رتبت لك خطبة الجمعة في جامع يرتاده المثقفون وأهل الفكر" قلت: لا مانع، فخطبت في جامع المشعر الحرام، وتحدثت في الخطبة عما بعد الثورة من المسؤوليات والواجبات في خطبة مركزة على هذا الجانب وبخاصة موضوع التنمية الشاملة.

ثم ذهبنا بعد الخطبة الى الجامع الذي صلّى فيه الشيخ، فصحبناه الى عزيمة أقامها الاخوان المسلمون على شرف الوفد بفندق على البحر، حيث ألقيت الكلمات الترحيبية والجوابية ايضا..

وبعد الغداء عدنا الى الفندق لنرتاح فيه قليلاً لنذهب فيما بعد الى ميدان التحرير ببن غازي، حيث ألقيت كلمات وكان من ألذ الكلمات وأجملها أشعار البنت الشاعرة المبدعة (شروق) على الرغم من أن سنها في حدود 8 سنوات حيث ألقت قصائد رائعة ألهبت مشاعرنا ومشاعر الجميع، وكانت هذه هي شاعرة الميدان أثناء الثورة فكان لها دورها في التثبيت ، وإُارة الطاغية وأعوانه حتى أصدروا قراراً بإغتيالها ولكن الله حماها، وعرضت عدداً من القصائد في هذا المجال منها ردها على يوسف أشكر الأعلامي السئ من أعوان القذافي الذي ذكر لنا الحاضرون انه كان من المعارضين، ثم طلب العفو من القذافي فقال له: لن يسمح له إلا إذا أتى مكتب مثل الكلبعلى رجليه ويديه وهو ينبح، ففعل ذلك، وفرح القذافي فأعطى له منصباً إعلامياً، فهذا يوسف كان يهدد الشاعرة الصغيرة الموهوبة (شروق)، فردت عليها بقصيدة كان مطلعها:

عليش تهدد يا شاكير    الله حاميني بالتكبير

ثم توالت تهديدات فردت عليها شروق بقصيدة أخرى كان مطلعها:

يا شاكير اطلع من راسي         ربي وجنوده حراسي

وقد ألقيت في الميدان كلمة تضمنت تأكيد التهنئة، وواجب الشعب الليبي فيما بعد الثورة لتتحول الى دولة راسخة، ونهضة رائدة، وتنمية شاملة.

وبعد الانتهاء من الكلمات ذهبنا الى المطار لنركب الطائرة خاصة من حكومة ليبيا للذهاب الى طرابلس العاصمة حيث وصلناها في حدود الساعة التاسعة مساءاً، وكان باستقبالنا عدد من المسؤولين والوجهاء ورؤساء المجالس المحلية، حيث ألقيت الكلمات أيضا، وكان من أجل الكلمات كلمة الشيخ شاكر.

ثم بعد ذلك ذهبنا الى فندق (ريكسوز) الذي سماه الطاغية (غابة النصر)، وهو فندق جميل جداً كان معداً لإستقبال الرؤساء والملوك وفيه أحد منازله، كما في جانبه قصر المؤتمرات.

وفي اليوم الثالث من الزيارة (السبت) كان الموعد الاساس هو لحضور مؤتمر المصالحة الوطنية حيث حضرناه، وكان مؤتمراً كبيراً مهيباً، حضره قادة ليبيا الجدد، ورؤساء العشائر والوجهاء، وألقى فيه كلمة كل من الشيخ مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الانتقالي، والاستاذ الدكتور عبدالرحيم الكيب رئيس مجلس الوزراء، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ راشد الغنوشي، والشيخ صادق الغرياتي، تدور حول المصالحة وشروطها وأهميتها و...

ثم بعد المؤتمر وفي فترة الاستراحة رتب لقاء طيب مع الشيخ مصطفى عبدالجليل، والدكتور عبدالرحيم الكيب، وبحضور كل من الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد، والفقير الى الله تعالى، والشيخ راشد الغنوشي، والشيخ عبدالرحمن المحمود، والدكتور خالد المذكور، والاستاذ عبدالغفار عبدالعزيز، حيث تم فيه التباحث حول دور الاتحاد، وقد تحدثت فيه عن دور الاتحاد في الماضي، وفي الحاضر من خلال الدورات والندوات واعداد العلماء، والمساهمة في تأصيل وتقنين قوانين الصيرفة والبنوك وعن أهمية اعداد الدعاة الذين يتمسكون بالمنهج الوسط المعتدل ليأخذوا مكانهم في المساجد، والدعوة الى الله تعالى وقد نال كلامي رضا الجميع وبخاصة الشيخ مصطفى عبدالجليل كما ان الشيخ القرضاوي أكد هذه المعاني، ثم أنتهى الاجتماع بالموافقة على فتح فرع للاتحاد تحت اشراف فضيلة الاخ الحبيب الدكتور سالم الشيخي. والحمد لله رب العالمين.

وفي الفترة المسائية وزع الوفد على فريقين، فريق مع الشيخ القرضاوي ليذهب لالقاء كلمات في جامع الشهداء والفريق الثاني لحضور ندوة حول "من الثورة الى الدولة" حيث كلفت فعلاً بإلقاء محاضرة وحوار شامل حول هذا الموضوع، حيث ذكرت عشر خطوات اساسية لتحقيق هذا الهدف.

ثم كان الاستعداد للعودة في اليوم الرابع الأحد في الساعة الثانية عشرة بتوقيت ليبيا الواحدة بتوقيت المكة المكرمة لتقلنا طائرة خاصة تابعة لـ(ايركايرو) استأجرتها الخطوط القطرية حيث حطن بنا في مطار الدوحة في الساعة السادسة مساءاً.

وقد كانت الرحلة مليئة بالانجازات، والخيرات والبركات فقد كانت لخطب العلامة القرضاوي وكلماته ونصائحه، وكذلك ما بذله الوفد المرافق آثار طيبة على نفوس الليبيين جميعاً، وفي تحقيق المصالحة، والأخوة، ونحوها، بالاضافة الى أن من أهم الانجازات للاتحاد الموافقة على فتح فرع للاتحاد بليبيا، وعلى إعداد العلماء، والدعاة...

وكانت لي لقاءات مهمة مع وزير الاوقاف، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، ومرشد الاخوان المسلمين، والتواصل مع وزير الصناعة، حيث تم الاتفاق مع محافظ مصرف ليبيا المركزي على اصدار قوانين خاصة بالمصرف المركزي، وبالصيرفة الاسلامية، وبالفروع الاسلامية وبالشركات الاستثمارية والتمويلية، والايجارية، كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة عليا للاستشارات الشرعية وقد سلمت إليه القوانين المنظمة لذلك، وكتبي المتعلقة بالموضوع.

وأما مع وزير التصنيع فقد تم الاتفاق على مساعدة الوزارة بالبرامج والعقود الخاصة بالتمويل الشرعي، وبالضمانات المناسبة (الضمين). ومع وزير الاوقاف فقد تم الاتفاق على إعداد الدعاة على المنهج الوسطي المعتدا.

وبالايجاز كانت زيارة طيبة مباركة نسأل الله تعالى القبول.


: الأوسمة



التالي
المرأة والعمل السياسي.. شبهات وردود (يوسف القرضاوي)
السابق
الدولة الدينية أم الدولة الإسلامية؟ (محمد علي دبور)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع