البحث

التفاصيل

مسلمو بورما.. محرومون من بشريتهم! (حسن شعيب)

يكاد لا يمر يوم إلا وتُدوّن بورما سطرًا آخر في مأساتها، وتنكأ جُروحًا متعددة ومتوالية في مسلسل معاناة أقليتها المسلمة، الذين ذاقوا مرارات التهجير والتعذيب والقتل، إلا أنّ ما ينكأ في الجراح أكثر هو صمت المجتمع الدولي والذي يبدو أنه قد أصيب بالعمى، وران على قلوب قادته وزعمائه جبل سامق من القسوة، فلا ترى منهم من يمدّ لهؤلاء المنكوبين والمشردين يد العون ولا يرسل لهم بمساعدة ولا تسمع حتى تنديدًا ولو بالقول إلا القليل.

حتى هذه اللحظة ومنذ أكثر من ستة أشهر ما زالت الحرب البوذية والإبادة الجماعية ضد المسلمين في بورما مستمرة؛ حيث أمرت حكومة بورما البوذية بإغلاق جميع المساجد والمدارس الإسلامية وجميع دور التعليم والكتاتيب بأراكان المحتلة، كما منعت رفع الأذان وإقامة صلاة الجمعة والجماعة ولو في المنازل أو المخيمات.

ولا غرو، فإنَّ صمت العالم، وتغافل وسائل الإعلام العالمية وتوقف الأقلام عن الكتابة والألسن عن الحديث عن هذه المحنة، يبرّر للبوذيين ما يفعلونه بمسلمي إقليم أراكان وأكثر.

في كل الأحوال تجد الموت يحاصر مسلمي الروهينجيا، فهم بين خيارين كلاهما مر، فإما أن يمكثوا في ولاية أراكان، والتي تعتبر بالنسبة لهم سجن مفتوح، فالغالبية العظمى منهم يعيشون في مخيمات للاجئين، والتي تشبه السجون، أما الموجودين في بلدات مثل مونغدو وبوثيداونغ فهم محرمون من المساعدات الخارجية، في دولة تحرمهم من أبسط أشكال الحماية الاجتماعية.

وعن هذه المخيمات يقول مبعوث حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: "إنَّ الإنسان يشعر فيها بأنّه في سجن أكثر منه مخيمًا"، مشيرًا إلى "أنّ 120 ألف شخص يعيشون الآن في مخيمات غير لائقة، في ظل غياب الرعاية الصحية الكافية، فعلى سبيل المثال في مخيم (تونج باو) التقيتُ بامرأة في حاجة ماسة إلى رعاية طبية، بسبب إصابتها بغرغرينا في قدمها، وهذا النوع من المعاناة في المخيمات غير مقبول، وأحث السلطات المركزية والحكومية على ضمان توفير الرعاية الصحية الكافية في مخيمات النازحين".

أما الخيار الثاني والذي لا يقل خطورة عن الأول، فهو رحلة الموت؛ حيث يقوم المسلمون بركوب أعالي البحار على متن قوارب خالية من المعدات الملاحية أو الإمدادات الكافية لمواصلة الإبحار نحو ماليزيا، أو أستراليا، أو في أي مكان إنهم يأملون في العثور على ملجأ وراحة، ولا سيّما أن تايلاند وبنجلاديش تهاجم من يقترب من شواطئها من الروهينجيا، وتقول الأمم المتحدة "في العام الماضي مات غرقًا الآلاف من الروهينجيا الذين فروا من بنجلاديش وبورما بحرًا"، لذلك فإن فرص البقاء على قيد الحياة في هذا الخيار غير مضمونة كذلك.

وعوضًا عن تخفيف القيود الصارمة على الروهينجيا، قامت الحكومة البورمية بفعل العكس تمامًا في ولاية أراكان؛ حيث أصدرت أوامر بمنع كل المسلمين في مدينة "ثاندواي" من مغادرة البلاد، وفي زيارته الأخيرة للبلاد قال توماس كوينتانا، مقرر الأمم المتحدة الخاص بشأن حقوق الإنسان: "برغم استمرار عملية الإصلاح في الاتجاه الصحيح في بورما، فإنّ هناك أوجه قصور تتعلق بحقوق الإنسان لم تتم معالجتها وعلى وجه التحديد ما يحدث لمسلمي اليوهينجيا".

كما أضاف كوينتنانا قائلاً: "إنّني أشعر بقلق بشأن استمرار ممارسة أسلوب الاعتقالات التعسفية والتعذيب الذي ينتهجه البوذيون أثناء استجواب واحد من أقلية الروهينجيا"، والذين يقدرون بنحو 800 ألفًا في بورما لكنهم بلا جنسية؛ حيث ترفض الحكومة منحهم إياها زاعمين أنّهم مهاجرون غير شرعيين.

كما قدرت الأمم المتحدة أعداد النازحين بحوالي 13 ألف من مسلمي الروهينجيا فرّوا من بورما بسبب المعاناة والاضطهاد الذي تمارس ضدهم بشكل شعبي من البوذيين مدعومًا من المؤسسة الرسمية.

من المؤكد أنّ مسلمي الروهينجيا معرضون للإبادة، خاصّة في ظل سلسلة من التعذيب الممنهج الذي تتبعه الحكومة البورمية، والتي تتستر بغطاء دولي لا يحرك ساكنًا حيال هذه الكارثة الإنسانية، بل إنّ بعض وسائل الإعلام الغربية لا تتوقف عن الثناء على الحكومة وما تحقق من إنجازات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وكأنّ مسلمي الروهينجيا قد حكم عليهم بأنّهم ليسوا بشرًا كسائر البشر.


: الأوسمة



التالي
الإخوان في مواجهة العنف (محمد بديع)
السابق
بالوقف‏..‏ بنت الأمة الحضارة الإسلامية (محمد عمارة)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع