البحث

التفاصيل

حين اعتذرت إسرائيل لتركيا

الرابط المختصر :

 أبرزت بعض الصحف العربية خبر اعتذار إسرائيل لتركيا في حين تجاهلت صحف أخرى خبر الاعتذار وركزت على العودة إلي تطبيع العلاقات بين البلدين. وحتى إذا كان ذلك التفاوت من قبيل المصادفة، إلا أنه يعبر عن التباين القائم في قراءة مفردات السياسة الخارجية التركية. وهذا التباين أكثر وضوحا في التعليقات التي تناولت الموضوع في الصحف العربية، والتي عمد بعضها إلي الانتقاص من قيمة الخبر والتشكيك في خلفياته.

من جانبي أقر بأنني لست سعيدًا بعودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل (ولا بوجود أي علاقة من أي نوع بين مصر وإسرائيل). كما أنه لا يسرني أن تبقي تركيا عضوًا في حلف الأطلنطي، مع ذلك فإنني أزعم أن الحكم علي السياسة الخارجية التركية انطلاقات هذه المشاعر وحدها يعد تعسفًا بجانب الصواب. ذلك أننا نعلم جيدًا أن حكومة حزب العدالة والتنمية حين تسلمت السلطة وجدت البلاد تحت حكم العسكر الفعلي ولها ارتباطاتها الوثيقة والعميقة مع الحلف المذكور فضلاً عن الولايات المتحدة وإسرائيل. وحالها في ذلك لا يختلف كثيرًا عن حال أي حكومة وطنية تتسلم السلطة في مصر مثلاً وتجد أنها مرتبطة بعلاقات وتعهدات كثيرة مع الولايات المتحدة، كما أنها مكبلة بمعاهدة سلام مع إسرائيل وفي الوقت ذاته فان موازين القوة لا تمكنها من التحلل مما ورثته من تعهدات واتفاقات. الأمر الذي يضعها بإزاء ثلاثة خيارات. إما أن تسلم بالأمر الواقع وتسايره، وإما أن ترفضه وتصطدم به. وإذا كان الاستسلام مرفوضًا والصدام متعذرًا في الأجل المنظور فليس أمامها سوى أن تحاول أن تستخلص منه أفضل ما يمكن أن تنتزعه لصالح موقفها الوطني والمستقل.

لقد ورثت حكومة حزب العدالة ذلك الوضع المعقد الذي سبقت الإشارة إليه، وقد لا نبالغ إذا قلنا إن تركيا في ذلك الحين (عام 2002) كانت مستسلمة للأحضان الأمريكية الإسرائيلية، ولم تكن معنية بالقضية الفلسطينية، ورغم أنها لم تغير كثيرًا من طبيعة العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع البلدين، إلا أنه ينبغي أن يحسب لها أنها ردت الاعتبار للقضية الفلسطينية في أجندتها السياسية، وجددت علاقة الأتراك بها، بعد طول هجران وانقطاع. يشهد بذلك الغضب العارم والمظاهرات الصاخبة المعادية لإسرائيل التي انطلقت في أنحاء تركيا أثناء اجتياحها لقطاع غزة في عام 2008. ولم يعد سرًّا أن الدفاع عن القضية الفلسطينية والتنديد بالاحتلال الإسرائيلي أصبحا أحد محاور الخطاب السياسي التركي في مختلف المحافل الدولية، ولا ينسي أحد لأردوغان اشتباكه مع شمعون بيريز ومقاطعته لمؤتمر دافوس بسبب الملف الفلسطيني، وكانت إدانته الأخيرة للصهيونية واعتبارها جريمة ضد الإنسانية تعبيرًا مجددًا عن ذات الموقف.

منذ ثلاث سنوات حين قتلت إسرائيل تسعة من الأتراك كانوا ضمن ركاب الباخرة التركية «مرمرة» التي سعت إلى كسر حصار غزة، طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة وجمدت العلاقات بين البلدين، وأعلن أردوغان أن بلاده لن تعيد تلك العلاقات إلا إذا استجابت إسرائيل لثلاثة شروط هي الاعتذار عن الجريمة وتعويض الضحايا ورفع حصار غزة. وطوال السنوات الثلاث رفضت إسرائيل تلك المطالب، وأصرت أنقرة على موقفها، وظلت علاقات البلدين في تدهور مستمر. إلى أن زارها الرئيس الأمريكي باراك أوباما المنطقة في الأسبوع الماضي، وفوجئنا بالإعلان الرسمي عن قبول إسرائيل للشروط التركية وعلى رأسها الاعتذار الذي لم تقدمه لأي دولة من قبل باستثناء الولايات المتحدة (حين أغرقت إسرائيل سفينة التجسس الأمريكية أثناء حرب 67 مما أدى إلى قتل 31 جنديًّا أمريكيًّا)، وحسب معلوماتي فإن أردوغان اتصل هاتفيًّا بالرئيس محمد مرسي وأبلغه بالنبأ قبل إعلانه، كما اتصل بالسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وتحدث إليه في الموضوع.

منذ ذلك الحين والجدل مثار في إسرائيل حول تراجع نتنياهو عن كبريائه، والضرورات الإستراتيجية التي استدعت ذلك خصوصًا ما تعلق منها بتداعيات الموقف في سوريا وموقف دول المنطقة منها.

في التعليق على ما جرى قال أردوغان إن بلاده ستراقب تصرفات إسرائيل على الطبيعة لكي ترى كيف سيكون موقفها من حصار غزة. وحسب معلوماتي فإن الاتصالات بدأت لترتيب زيارة له للقطاع للتعرف على الموقف هناك خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة. إلا أن الدوائر السياسية التركية تعتبر أنه بات من العسير للغاية أن تعود العلاقات بين أنقرة وتل أبيب إلى سابق عهدها، لأن الحاجز النفسي الذي تشكل لدي الأتراك خلال السنوات التي خلت بات من الصعب تجاوزه.

عامدًا تجنبت الحديث عن رد فعل القاهرة حين قتل الإسرائيليون ستة من رجال الشرطة المصريين في شهر أغسطس عام 2011، واكتفى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بالإعراب للمجلس العسكري الحاكم آنذاك عن الأسف لما جرى، ووعد بأن تحقيقًا سيجري حول الموضوع، ثم نسي الأمر بعد ذلك ولم يعد له ذكر. فقد وجدت أن المقارنة محرجة، إلا أنني أدركت أن الإشارة السريعة إلى الواقعة تساعدنا علي فهم الموقف التركي وتقديره، لأنني لا استطيع أن أكتم خجلاً من القول بأنه أكثر تقدمًا من مواقف بعض الدول العربية.


: الأوسمة



التالي
المَسْئولية.. في بِنَاء الأَوْطَان
السابق
التلاعب بالأسعار

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع