البحث

التفاصيل

استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية 1/4

استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية

(النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي

دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة 1

 

هذا كتاب يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القرة داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية( النقدية والمالية )في ظل الربيع العربي  وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يقول فضيلته:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبع هداه إلى يوم الدين.

وبعد

 أثبتت الأزمات الاقتصادية التي أصابت الرأسمالية الحرّة حتى قيدته، وظهرت الرأسمالية المقيدة ثم أصابتها الأزمات التي كان آخرها الأزمة المالية العالمية منذ 2008م.


 وكذلك ما أصاب النظام الاشتراكي الشيوعي من الأزمات حتى أسقطته تماماً وأسقطت الاتحاد السوفيتي السابق وفككته.


 ثم ما أصاب أمتنا الإسلامية والعربية من انتكاسات وتخلف وفقر وتمزق ، وفقر ومجاعة ، ومشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية مع أنها جربت كل الأنظمة.


 كل ذلك أثبت بوضوح أن الرحمة والشفاء والخير والعلاج والعزة والكرامة والحضارة في الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة ، قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي أن كل الخيرات موجودة في هذا الكون ، وعلى هذه الأرض ، ولكن المشكلة هي الظلم بمعناه الشامل .. وفي ظل الثورات العربية ، ونجاحها (الربيع العربي) وتمخضها عن نجاح التيار الإسلامي في تونس، والمغرب، ومصر (وهكذا في سورية واليمن بإذن الله تعالى) يجب علينا جميعاً (كلّ في موقعه وحسب قدراته وتخصصه) أن نساهم في إنجاز هذا المشروع الإسلامي العظيم على الأرض ليكون قدوة للخيرين، ورداً عملياً وفعلياً على اتهامات الأعداء بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، وأنه حقاً رحمة للعالمين ، وشفاء لأمراض الداخل والخارج.


 ومما لا شك فيه أن النجاح الاقتصادي هو من أكبر التحديات ـ إن لم يكن أعظمها على الاطلاق ـ وأن تحقيق التنمية الشاملة لهذه المجتمعات هو أعظم امتحان يمتحن بها الفائزون بثقة الجماهير الكادحة ، ولذلك تأتي مشاركتي المتواضعة هذه ضمن هذا الإطار المنشود.

 

عودة القيادة والريادة إلى الشرق الإسلامي: 
 ونحن من خلال متابعتنا لمجريات هذه الثورات ونجاحاتها الباهرة والتزاماتها بالإسلام على الرغم من جهود كبيرة لا يمكن حصرها من قبل الشرق والغرب والداخل العلماني والانتهازي ، وفلول الأنظمة الكثيرة ومحاولة تشويه الإسلام والإسلاميين ومع ذلك قال الشعب كلمته بأنه مع الإسلام ومع الإسلاميين ، فهذا من أكبر التحديات على الإطلاق.


 وهذا الكتاب هو جزء من كتابي : المدخل الاقتصاد الإسلامي الذي طبع عدة طبعات ، ثم طلب مني بعض الاخوة الكرام أن أفرده بكتاب مستقل نظراً لأهميته ، وأن أضيف إليه بعض المباحث والموضوعات حتى يزداد الانتفاع به بإذن الله تعالى ، وأن يكون بياناً  لاستراتيجية التنمية في ضوء الاقتصاد الإسلامي والسياسات الاقتصادية ، حتى تستفيد منها الدول، والمؤسسات المالية والأفراد بفضل الله تعالى.


 وقد عقدت ورشة عمل حول التنمية بالقاهرة في الفترة 14-15 سبتمبر 2011م من قبل مؤسسة " مبادرة تنمية أمة " ودُعيت إليها ، وعرضتُ فيها خلاصة الجزء المتعلق باستراتيجية التنمية ، حيث نال ـ والحمد لله ـ إعجاب الحاضرين ، حتى علقّ عليه العلاّمة الدكتور حسين حامد حسّان بأن : هذا الكتاب ممتاز جداً يمثل بُعداً استراتيجياً للتنمية وأنه صالح ليكون مشروعاً كاملاً للتنمية ، وطلب مني شخصياً أن أقوم بطبعه ليقدم إلى الدول التي تسعى للتنمية الشاملة ، سواء كانت إسلامية أم غيرها ، حيث أكد على ضرورة المشاريع المتنوعة القابلة للتطبيق حتى نقيم الحجة بها ، وإلاّ فنكون كمن يدخل في ساحة الوغى دون الأسلحة الجاهزة . وهأنذا أستجيب لطلب إخواني الفضلاء بتقديم هذا الكتاب المتواضع لعلّ الله تعالى يجعل فيه النفع للجميع 


عالم الأزمات والديون:
 إن العالم اليوم يمرّ بمنعطف خطير ، وبأزمات اقتصادية كبيرة لم يشهد التأريخ مثلها ، فمن سقوط النظام الاقتصادي الاشتراكي الشيوعي إلى الأزمات الخانقة للاقتصاد الرأسمالي التي كان آخرها الأزمة المالية العالمية منذ عام 2008م ، ثم أضيفت إليها أزمة الديون في عام 2011م في أوروبا.

 

العالم اليوم أصبح جزيرة للأغنياء تحيط بها بحار من الفقراء
 هكذا قال رئيس الجنوب الأفريقي للإشارة إلى عدم التوزان في عالمنا اليوم ، فعلى الرغم من أن 25% من سكان العالم يملكون من الثروات ما يعادل 75% ، وأن بضع مئات من الأفراد والشركات العملاقة يملكون تريليونات الدولارات فإن الوجه الآخر للعالم هو أن حوالي نصف سكان العالم ( أي ثلاثة مليارات ونصف مليار نسمة ) يعيش في الفقر والحرمان من الحياة الرضية ، ومن الصحة والتعليم.


 كما أن حوالي خمس سكان العالم يعيش في ظل الفقر المدقع ودخْل يومي أقل من دولار واحد ، ففي أفريقيا ـ ثاني القارات ـ التي يعيش فيها حوالي 736 مليون نسمة ، بلغ عدد المصابين بالآيدز 25 مليوناً وأن نسبة وفيات الرضع كبيرة 92/1000 مولوداً وأن نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي 480 دولاراً في عام 2000 ، وأن حوالي مليون شخص يموتون بالملاريا ، وأن نسبة الأمية فيها تتراوح بين 12% في زيمبابوي إلى 85% في النيجر ، مع أن القارة لديها موارد مالية ومعادن نفيسة ، وبترول وغاز ، فمثلاً تملك من الماس 95% من الناتج العالمي ، ومن الذهب 50-65%، ومن البلاتينيوم 90%.


 وكذلك فإن الفقر شائع وبنسبة كبيرة في العالم العربي ، حيث تشير الاحصائيات إلى نحو مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر ، وأن 40 مليوناً أيضاً يعانون من نقص الأغذية ، بل الغريب أن الفقر موجود أيضاً حتى في العالم الغربي حيث وصلت نسبته في أمريكا في عام 2008 إلى 25% وفي بريطانيا يوجد أكثر من 30% يعيشون على الاعانات الاجتماعية ، حتى قامت مظاهرات في اكثر من ألف مدينة في خمس وعشرين دولة تحت شعار : احتلوا وول ستريت Occupy wallstreet بدأت في نيويورك في 17 سبتمبر2011 ثم سرعان ما انتشرت في العالم احتجاجاً على أن 1% من الأمريكيين يملكون معظم ثروات البلاد.


 والإسلام يقول : (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)  هكذا أصبح العالم جزيرة لحفنة من الأغنياء حتى ذكرت مجلة فورس قائمة أثرى أثرياء العالم ، فقالت : إن عشرة أشخاص فقط يملكون أكثر من 406 مليارات من الدولارات ، ونشرت دراسة علمية في سويسرا أن ثروة بضع مئات من الأفراد قد بلغت 231 تريليون دولار أي تعادل ثروة حوالي 75% من العالم أجمع في الوقت الذي يموت فيه بسبب الفقر والجوع وقلة الغذاء والدواء ملايين الناس ، ولذلك يريد الإسلام أن تكون خيرات الأرض والسماء للجميع وإن كان هناك تفاوت ، ولكن بشرط توفير حياة مناسبة للجميع.


تجربتان عمليتان في التاريخ:

1- حينما حكم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب تحقق الاكتفاء الذاتي للجميع فلم يبقَ فقر معدم في العالم الإسلامي ، فقد ذكر المؤرخون أن الولاء في عصره أرسلوا إليه بالفائض من الزكاة بعد تحقق الغناء لأهل كل كل بلد ، فهذا معاذ كان والياً على اليمن منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ثم جدد له عمر ، فبعث إليه بعد عام بثلث صدقة الناس ، فأنكر ذلك عمر وقال : لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية ، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم ، فقال معاذ : ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني.


2- وحينما حكم عمر بن عبدالعزيز ، وضع لنفسه سياسة واضحة للقضاء على الفقر تضمنت أن يوفر للفقراء جميعاً حد الكفاف في العام الأول من خلافته ، ثم حد الكفاية في العام الثاني للوصول إلى تمام الكفاية في العام الثالث ، فأولى العناية القصوى بأن يملك الفقراء أدوات الإنتاج ـ كل حسب قدرته وخبرته.
 

 ونحن في هذا الكتاب المتواضع : نتحدث في الباب الأول عن استراتيجية التنمية الشاملة من خلال أربعة فصول ، وعن السياسات الاقتصادية من خلال بابين أحدهما للسياسية النقدية ، والآخر للسياسة المالية، والنظام المالي الإسلامي ، ونخصص الباب الرابع للحلول الطارئة العاجلة فيظل الربيع العربي الإسلامي مساهمة متواضعة في وضع لبنة في هذا المجال ، وأداء لجزء من الواجب الملقى على عاتقنا أمام أمتنا.


واللهَ أسال أن يُلبس أعمالنا كلها ثوب الإخلاص ، وأن يعصمني من الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل ، ويتقبله مني بفضله ومنّه إنه حسبي ومولاي فنعم المولى ونعم النصير.


: الأوسمة



التالي
ذات رمضان
السابق
المبشرات بانتصار الإسلام

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع