البحث

التفاصيل

الإساءة بين الواقع والواجب

المعركة بين الحق والباطل ليست حديثة وإنما هي منذ اللحظة الأولى التي علم فيها إبليس بخلق البشر ، فبدأ الباطل يكيد للحق ويضيق به صدراً ، وكلما بعث الله نبياً قام أرباب الباطل بمحاربة الخير الذي جاء به وبالاستهزاء بحامل الدعوة إلى أن وصل الأمر إلى نبينا محمد عليه وعلى أنبياء الله أفضل صلاة وأتم تسليم . فمن اللحظة الأولى التي أمره الله فيها أن يصدع بما يؤمر وهو الذي كان معروفاً بأمانته وصدقه وحكمته ورجاحة عقله ، إذا بصناديد قريش يصفون هذا النبي الكريم بأنه شاعر وساحر ومجنون وإلى غير ذلك من الأوصاف التي برأه الله تعالى منها وأسند إليه كل وصف فيه الكمال والجمال ، والمستقرىء المنصف لسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لايمكن أن يجد فيها إلا مايزيده حباً واحتراماً واتباعاً لسيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه ، أما من سفه نفسه وحقر عقله وقلبه فلن يعرف محمداً أبداً .


ولأن رذيلة الحسد قديمة على الأرض قدم الإنسان نفسه فما إن تكتمل خصائص العظمة في نفس ، أو تتكاثر مواهب الله لدى إنسان حتى ترى كل محدود أو منقوص يضيق بما رأى ، ويطوي جناحه على غضب مكتوم ، ويعيش منغَّصاً لايريحه إلا زوال النعمة وانطفاء العظمة  وتحقق الإخفاق . والسر في ذلك أن الدميم يرى في الجمال تحدياً له ، والغبي يرى في الذكاء عدواناً عليه ، والفاشل يرى في النجاح إزراء به ، وهكذا ، فهم يريدون بالإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطفئوا نور الله ولكن جاء أمر الله بإتمام نوره ولو كره هؤلاء الحاقدون المفترون .


الإساءة إلى الإسلام وإلى نبيه ليست الأولى ، فبالأمس الرسوم المسيئة وقبله تدنيس المصحف وقبله الاستهزاء بقيم الإسلام على مر التاريخ ، واليوم هذا الفيلم المسيء الذي رسم أربابه صورة للنبي من وحي خيالهم المريض ومن أعماق حقدهم الدفين لأغراض شتى تبدأ من السياسة الداخلية الأميركية في زمن الانتخابات الرئاسية مروراً بجني الثروات الطائلة وصولا إلى مجابهة الربيع العربي وزرع الشقاق ومحاولة إماتة المارد الذي استيقظ وسيغير بتحكيمه تعاليم رب الأرض والسماوات وجه التاريخ ليعلم البشرية الخلق الرفيع والميزان الدقيق .


هذه الإساءة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فحينما قال الله تعالى "يريدون ليطفئوا نور الله ..." جاء الفعل بصيغة المضارع الذي يفيد الاستمرار فالمعركة إذن لن تتوقف ولكن الله متم نوره فالنصر حتما لدين الله  ولكن هناك و اجب على المؤمنين أن يقوموا به ألا وهو الانتصار لدينهم والانتصار لنبيهم وذلك بالعودة إلى أسس هذا الدين بتطبيق مبادئه وتحكيم شرائعه في نفوسهم وبيوتهم ومؤسساتهم ، فكثير من المسلمين اليوم للأسف هم في واد وأوامر الله في واد آخر ، كثير من المسلمين اليوم يظنون بأن الانتصار لنبيهم يكون بحرق وتدمير وقتل ، أو يكون بشعار وضعناه لأيام ثم نزعناه أو بمشاركة في تظاهرة ثم ظننا أننا قمنا بواجبنا ، ليس هذا هو الانتصار الحقيقي ، فأما القتل والتدمير والإحراق فما أبعده عن الدين وتعاليمه ، أليس الله هو القائل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المائدة :8)، أليس الله هو القائل " ولا تزر وازرة وزر أخرى " ، فهل يكون انتصارنا بقتل السفراء والأبرياء ؟ ألا نكون بذلك مخالفين لأحكام الله ؟ فالانتصار إذن يكون بالعودة إلى الدين ، بتربية أجيالنا على تعاليمه وحب الله ورسوله ، يكون بعملنا بما اتفقنا عليه وعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه وحينها نصبح كما أمر الله " وكونوا عباد الله إخواناً " وساعتئذ سيهابنا الحاقدون ولن يجرؤوا على المساس بعقيدتنا .


وأما واجب الحكام والمنظمات في موضوع الإساءة فيكون بالعمل القانوني لمحاسبة الفاعلين ويكون بالسعي وبقوة لإقرار قانون أممي بتجريم الإساءة لمقدساتنا ، أيعقل أن يجرم منكر الهولوكوست ومعادي السامية ، ويجرم منكر إبادة الأرمن ، ويحاسب في بعض الدول المستهزىء بنظامها أو رئيسها ، أيعقل أن تقوم زوبعة بين تركيا والاحتلال الصهيوني من أجل مقعد أجلس عليه السفير التركي بشكل غير لائق ، أيكون لكل هذا قداسة أما الاستهزاء بمعتقداتنا فهو حرية تعبير ؟ أيعقل أن يسير الخليفة العباسي المعتصم جيشاً من أجل كرامة امرأة ولا يسير الرؤساء والأمراء والملوك والمنظمات جحافل قانونية لإقرار قانون تجريم المس بالمقدسات الدينية ؟


أما خطابنا إلى العقلاء والحكماء في الغرب فإننا نقول لهم خذوا على أيدي سفهائكم إن أردتم سلاماً ووئاماً في هذا العالم وتعالوا إلى جامع مشترك بيننا وبينكم ألا وهو إحقاق الحق وإسادة العدل ، أما إن كان جوابكم بعدم الحجر على ماتعتبرونه حرية تعبير فإننا نقول لكم لن نستطيع السيطرة على ساحتنا فالقتل حرية تعبير والتدمير حرية تعبير والبادئ أظلم .


: الأوسمة



التالي
دعاة ينفرون ولا يبشرون
السابق
ضربني وبكى سبقني واشتكى

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع