البحث

التفاصيل

الفكر السلفي.. والسياسة الشرعية

الرابط المختصر :

في التراث السياسي القديم للفكر السلفي تبرز صفحات الفكر السياسي التي بَقِيت لنا من آثار فيلسوف السلفية ومجددها شيخ الاسم ابن تيمية "661-728هـ 1263-1328" وتلميذه العلامة الإمام ابن القيم "69-751هـ 1292-1350ق" وفي هذه الصفحات تنعكس التطورات والتغيرات التي طرأت على واقع المجتمع تنعكس في اتساع مضمون مصطلح " الشرع والشريعة" عن أعلام التيار السلفي في عصر الوسيط.

ففي عصر الوحي والبعثة النبوية كان مصطلح "الشرع" يعنِي الكتاب والسنة أي لشرع المنزَّل وكانت أحكام هذا الشرع قد تَمَّت وتكاملت كاستجابات لِمَا طرحته حياة ذلك العصر من حوادث ومشكلات.. لكن الحوادث لا تتناهَى وتطور الحياة واختلاف الأماكن والمصالح والعادات والأعراف يطرح منها المزيد والجديد, الأمر الذي جعل الفقهاء والعلماء والمجتهدين, ومنهم الولاة والحكام يشرعون أحكام لِمَا استجد ويستجدّ من الأحداث فنشأ إلى جوار " الشرع المنزل" الشرع المتأوَّل، وهذا الشرع المتأوَّل الشامل لاجتهادات المجتهدين وفِقْه الفقهاء وتشريعات الولاة والحكام والذي يمكن أن نسميه "تراث الأمة القانوني والسياسي"- قد أصبح مما يندرج تحت مصطلح " الشرع والشريعة" وإن لم تكن له قدسية الدين وإلزام الشرع المنزَّل لجميع المؤمنين فهنا نمو في الشريعة والشرع ولكنَّه نمو يتكون منه بناء قانونِي ذو طبيعة مدنية لأنه اجتهاد مجتهدين وليست طبيعة دينية, لأنه ليس تنزيلاً.. إنه نمو فقهي حول نواة الشرع المنزَّل.

وابن تيمية وابن القيم يدافعان عن اندراج هذا البناء القانوني- السياسي دون استخدام هذا المصطلح الحديث تحت مصطلح "الشريعة والشرع" ويقرران تجاور مضمون هذا المصطلح لما نصّ عليه القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف: فلقد صار لفظ الشرع غير مُطابِق لمعناه الأصلي, بل لفظ الشرع في هذه الأزمنة ثلاثة أقسام:

الشرع المنزل: وهو الكتاب والسنة واتباعه واجب.

- الشرع المتأوَّل: الذي هو حكم الحاكم أو قول أئمة الفقه واتباع أحدهم ليس واجبًا على جميع الأمة كما هو حال الشرع المنزل.

- والشرع المبدَّل: الذي هو افتراء على الشريعة وإضافة إليها ما ليس منها.

ولقد كان بعض المعاصرين لابن تيمية وابن القيم يقف بهم الجمود عند حدود المضامين التي كانت لمصطلح الشريعة في عصر الوحي والبعثة فسموا تراث الأمة القانوني الذي نَمَا استجابة لمحدثات الأمور وتطورات الحياة ومستجداتها سياسية ورفضوا إدراج هذه السياسة تحت مصطلح الشريعة.. ولقد أدَّى تضييقهم هذا النطاق مضمون الشريعة إلى جعل الولاة والحكام يقتنعون لأحداث الحياة ومشكلاتها وفق أهوائهم الأمر الذي قطع الصلات بين السياسة والشريعة!

لكن أعلام السلفية اتخذوا لأنفسهم موقفًا عبقريًّا بالغ العمق في هذا الموضوع, فقرروا أن مقاصد الشريعة هي: إقامة العدل، وتحقيق المصالح، ودفع المضارّ في المجتمع، ومن ثَمَّ فإن كل ما يحقق هذه المقاصد فهو شرع وشريعة, أو جزء من الشرع والشريعة حتى لو لم تنزل به الوحي ولم ينطق به الهوى, وفي هذا الموضوع قالوا: "إنَّ السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح, وأبعد عن الفساد, وان لم يشرعه الرسول ولا نزل به وحي، فهي لا تنحصر فيما نطق به الشرع وإنَّما تشمل ما لم يخالف ما نطق به الشرع. والسياسة نوعان: سياسة ظالمة, فالشريعة تُحرِّمها وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر, فهي من الشريعة علِمها مَن علمها, وجهِلها من جهلها, وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها.

إنَّها السياسة الشرعية: "استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل.. والأفعال التي يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وتدبير المعاش على سنن العدل والاستقامة الإسلامية وهي جزء من أجزاء الشريعة وباب من أبوابها وتسميتها سياسة أمر اصطلاحي وإلا فإذا كانت عدلاً فهي من الشرع".

هكذا فتح الفكر السلفي أبواب النمو والتطور للسياسة الشرعية التي نَمَت وتنمو من حول الشرع المنزَّل جاعلاً منها جزءًا من الشريعة.


: الأوسمة



التالي
المقومات الخمس للمشروع الحضارى بدول الربيع العربى
السابق
مفارقات بين الألم والأمل والعمل في ذكرى النكبة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع