البحث

التفاصيل

مصر.. إعلان يكشِف النوايا

الرابط المختصر :

قبل أيام أقدم الرئيس المصري محمد مرسي على إصدار "إعلان دستوري" جديد بموجب الصلاحيات الممنوحة له دستوريًّا، وبموجب الإعلان الجديد أقال الرئيسُ النائبَ العام المصري، كما منح نفسه صلاحيات جديدة واسعة ومدَّد بموجبها عمل اللجنة التأسيسية للدستور لمدة شهرين، وحصَّن بعض قراراته من "تدخل وتسلط" القضاء.

وقد كشف هذا "الإعلان الدستوري" وخطوة إقالة النائب العام نوايا الكثير من الحركات والقوى السياسية والشخصيات، التي لَطالما نادت بتحقيق غايات وأهداف الثورة، فتحركت هذه القوى عَبرَ إعلام النظام السابق في تأجيج الشارع المصري، وأخذت تروِّج لفكرة أن هذا الإعلان الدستوري يُحوِّل محمد مرسي إلى رئيس فوق القانون، وذهب البعض إلى وصفه بـ "الديكتاتور" وغيره بالتسلُّط، وآخر بالحاكم الإلهي، وما سوى ذلك من العبارات التي لا تليق بحق المصريين الذين أعطَوا ثقتهم له، ولا بحق الثورة التي دفع محمد مرسي كُلفة ثباتها ونجاحها يوم كان بعض أولئك إما من رموز النظام البائد، وإما من المتجولين على متن الطائرات بين دول العالم.

لجوء الرئيس إلى هذا الإعلان الدستوري له أسباب عديدة، بعضها واضح ومعروف وبعضها الآخر الأيام كفيلة بكشفه وفضحه.

من الأسباب المعروفة أن النظام السابق -أو ما اصطلح في مصر على تسميته بالدولة العميقة- بات يأخذ من القضاء وسيلة لهدم منجزات ثورة 25 يناير، وقد عشنا تجربة الأشهر الماضية التي سبقت الانتخابات التشريعية، ثم الرئاسية، وما سبق هذه الانتخابات وما تلاها، وكيف أن القضاء المصري حلَّ مجلس الشعب المنتخب، وكيف أصدر قرارات تبرئة بحق الضباط الذين قتلوا المتظاهرين، وكيف...، وكيف...

ومن الأسباب غير المعروفة إلى الآن، أن هذه الدولة العميقة التي ما زالت تتحكم بالقضاء والإعلام والمال المنهوب من رصيد المصريين، كانت تخطط لحل مجلس الشورى أيضًا بزعم أن هناك مخالفات للقانون الانتخابي كما حلَّت مجلس الشعب، وكذلك كانت تخطط لحل اللجنة التأسيسية للدستور، وصولًا إلى التشكيك قضائيًّا بانتخاب محمد مرسي ومن ثم عزله، أو على أقل تقدير ثَنيه عن تحقيق أي نجاحات للشعب المصري، وبالتالي مفاقمة المشاكل التي تؤثر سلبًا عليه وعلى مصر. وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة بعد خطوة إقالة النائب العام المصري.

وقد يكون هذا التصرف مفهومًا من النظام البائد ودولته العميقة الفاسدة التي كانت متغلغلة في كل مفاصل الإدارة المصرية، وقد يكون مفهومًا أن تمارس هذه الدولة العميقة كل الكيد السياسي وأساليب الانحطاط حتى ولو كانت على حساب استقرار مصر والشعب المصري، فهذا هو دَيْدَنها منذ كانت في سُدَّة السلطة والمسئولية؛ حيث لم تعمل يومًا لمصلحة كل الشعب المصري، بل كانت تأخذ مصر أسيرة لمصالحها الخاصة، وتجميع وتكديس الثروات بأيدي قلة قليلة من أولئك "البلطجية".

أما أن يسير في ركاب هذه العملية بعضُ الأشخاص الذي انضَوَوْا تحت لواء الثورة، فهذا الأمر هو غير المفهوم وغير المقبول على الإطلاق.

أنا لا أفهم كيف تجيز شخصية ثورية كالأستاذ/ حمدين صباحي لنفسها اللقاء مع الدولة العميقة والعمل في أجندتها من أجل القضاء على ثورة 25 يناير. أنا أسأل صباحي: ما هو الموقف الذي كان سيتخذه لمواجهة هذه الدولة العميقة المتغولة لو كان هو الرئيس الفائز مكان محمد مرسي؟ كيف كان سيتعامل مع النائب العام المصري المسئول عن دماء المصريين؟ كيف كان سيتعامل مع القضاء الذي يُستخدم من أجل إجهاض أي محاولة لقيام مصر القوية، وبناء مؤسساتها الدستورية؟ كيف كان سيتصرف حِيالَ حل مجلس الشعب وتأسيسية الدستور، وربما تنحيته أيضًا؟ أنا أسأل صباحي: أين أنت من أهداف الثورة التي قلتَ إنك منها ولها؟ وهل هذه المواقف التي تتخذها اليوم تصب فعلًا في صالح القوى الشعبية التي منحتك ثقتها خلال الانتخابات الرئاسية؟ أنا لا أجد تفسيرًا لهذه المواقف سوى الانتهازية وردة الفعل على النجاحات التي حققها مرسي خلال فترة قصيرة من ولايته رغم كل العراقيل. ليس لهذه المواقف تفسير سوى تقديم المصالح الشخصية والأنانية الضيقة على حساب المصلحة الوطنية الحقيقية، ولو كان صباحي يؤمن فعلًا بتقديم مصلحة مصر والثورة لما لجأ إلى هذا الموقف الذي يريد منه إفشال تجربة محمد مرسي ولو على حساب مصر والمصريين؛ من أجل القول: إنها تجربة فاشلة غير آبِهٍ لما يمكن أن يصيب المصريين، وإلا فإننا رأينا كيف أن المرشح الرئاسي الآخر "أبو الفتوح" لم يتخذ هذا الموقف ولم يقف في وجه هذا الإعلان الجديد.

أما "الثورجي" الجديد القادم من النعم الأمريكية، والذي على ما يبدو أعجبته لفظة "الديكتاتورية" فراح يدندن بها مع كل تصريح ومقابلة، متهمًا الرئيس محمد مرسي بها، فيبدو أنه لم يعلم أن الرئيس حصل على زهاء أصوات ربع المصريين، ولم يعرف أن الرئيس لو كان "ديكتاتوريًّا" -كما يزعم ويدعي- لما استطاع التلفظ ببنت شفة في مصر، ولما استطاع أن يدوس بقدمه شارعًا من شوارعها، ونسي أنه في زمن "الديكتاتور" البائد كان يحلم بالقدوم إلى مصر، ولا يجرؤ على النظر إلى قصر العروبة أو الاتحادية، ولا يفكر مطلقًا في زيارة شرم الشيخ، وها هو اليوم يقول ما يريد بحق الرئيس وغيره، بل ويفرض شروطًا باسم المصريين مع أنه لم يجرؤ على الترشح لأنه يدرك أن أمره كان سينفضح بين المصريين، وبالتالي فإن ما يمارسه البرادعي هو "الديكتاتورية" بعينها بحق الرئيس وبحق الشعب المصري كله الذي لا يعرف عنه البرادعي إلا القليل. وعليه فإن هذا "الثورجي" القادم إلى مصر لاستغلال ثورة فقرائها وبسطائها وثوارها الحقيقيين، يريد أن يضرب ثورة هؤلاء لإنتاج منظومة جديدة تعيد نظام مبارك بشكل مختلف.

وأما المتباكي على الثورة والثوريين والذي أتى في لحظة تجلٍّ إلى ساحة الثوار من أجل سرقة إنجازاتهم فهو -شاء أم أبى- أحد رموز نظام الفساد وأحد أركان الدولة العميقة. عمرو موسى الذي يحاول أن يوهم الناس أنه من الثوار، هو أحد أبرز وجوه نظام حسني مبارك، وبالتالي مهمته اليوم هي إفشال الثورة والانقضاض عليها باسم الثوريين.

الإعلان الدستوري الجديد الذي وقعه الرئيس محمد مرسي كشف حقيقة نوايا كل العاملين في الحقل السياسي المصري، وأظهر هؤلاء على حقيقتهم، فهم ليسوا مع الثورة من أجل مصر، هم مع الثورة من أجل مصالحهم وأنانياتهم، وعندما تختلف هذه المصالح والأنانيات مع الثورة يعودون إلى مربعهم الذي يقبعون فيه خلف هذه الأنانيات حتى لو كان في ذلك خدمة للدولة العميقة والنظام البائد. وإذا كان الإعلان الدستوري الجديد أثار كل هذا الجدل في الشارع المصري، فإنه كشف تلك النوايا غير الصادقة فيما تقول وغير العفيفة فيما تعمل.


: الأوسمة



التالي
يوم العار
السابق
مفارقات بين تركيا أتاتورك وأردوغان

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع