البحث

التفاصيل

فقه الصيام الميسر.. فوائد من شرح بلوغ المرام 1

«المعنى اللُّغوي للصيام»:

الصوم والصيام مصدران مدارهما على الإمساك عن الشيء، سواء أكان ذلك إمساكًا عن الكلام، كما في قوله سبحانه: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا...). يعني: نذرت صمتًا عن الكلام، ولهذا قال:(فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم:26]. أو عن الطعام أو سواه.

ولا بأس أن نقتبس من هذا المعنى أن الصائمَ يجب عليه أن يصومَ عن الحرام كما صام جسده عن المباحات، فذلك أولى، أما أن يصومَ عن الحلال، ثم يُطلق لسانه وجوارحه في الحرام فذلك ينافي مقاصد عبادة الصَّوم!

كذلك من معاني الصوم: لزوم الإنسان حالًا واحدة لا يتغيَّر عنها، كما يقولُ النَّابغة:

خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غيرُ صائمةٍ     تحت العَجَاج وأخرى تَعْلُكُ اللُّجُما

قال غير واحد من أهل اللغة: إن قوله هنا: «خيلٌ صِيامٌ» أي: إنها ممسكة عن الأكل، وقيل: واقفة لا تتحرك، فهي ملازمة لحال واحدة.

إذًا فلفظ «الصيام» مداره على التوقُّف عن الشيء أو الامتناع عنه؛ ويُجمع «صائم» على: صُوَّام وصُوَّمٌ، وصُيَّامٌ، وصُيَّمٌ، وغيرها.

أيضًا مما يستتبع الحديث اللُّغوي: الإشارة إلى لفظ «رمضان» فهو شهر الصيام، وقد اتفق العلماء وأهل الحساب واللغة على أن شهر رمضان هو الشهر التاسع من العام الهجري.

وأما سبب تسميته بـ «رمضان»: فقد ذكره الزَّمَخْشري وغيره أن العرب لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق «رمضان» شدة الحر، فسُمِّي لأجل ذلك بـ «رمضان»؛ اشتقاقًا من الرَّمْضاء.

وقال آخرون: سُمِّي بذلك؛ لأنه يُرمِضُ الذنوبَ، أي: يُحرقها.

واستدلوا على ذلك بحديث مرفوع: «إنما سُمِّي رمضانُ برمضانَ؛ لأنه يُرمِضُ الذنوبَ». وهو حديث موضوع.

وهذا احتمال بعيد؛ لأن التسمية كانت قبل الإسلام، وقبل أن يُفرض الصيام في هذا الشهر الكريم.

وقيل: الأسماء لا تعلَّل، فكثير من أسماء الشهور يصعب تعليل التسمية بها. وهذا أجود ( لكن واقع التسميات لشعبان ورجب ومحرم وصفر وغيرها أنها لها دلالة ومناسبة ؟!  ).

ولـ «رمضان» أسماءُ عديدةٌ، وقد خلَّد الله اسمه في القرآن:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:185]، وذكره النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أحاديثَ عديدةٍ.

ومن أسماء «رمضان»: «شهرُ الصوم»؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلُ في شهر الصوم» وذلك لأن الله تعالى أوجب فيه الصوم.

ومن أسمائه: «الصَّوم»، كما قال بعض السلف: «أقمتُ بالبصرة صومين» يعني: رمضانين.

ويُسَمَّى: «شهر الصَّبر»، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد، وغيره أنه قال: «صومُ شهرِ الصَّبر، وثلاثةِ أيام من كُلِّ شهرٍ؛ صَوْمُ الدَّهْرِ»

والصوم مدرسة الصبر، كما في قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة:45]. قال كثير من المفسرين: إن المقصود بالصبر هنا: الصوم، فكأنه قال: استعينوا بالصوم والصلاة.

والأقرب أن «الصبر» هنا على إطلاقه يَعمُّ «الصوم» وغيره، ولكن كل عبادة تربِّي في المسلم معنىً خاصًّا؛ كالصلاة تُربِّي في الإنسان معنى العبودية لله والإخبات له، فكذلك الصوم يربِّيه على معنى الصبر، والزكاة تطهِّره من الشُّحِّ.

وهل يجوز إطلاق لفظ «رمضان» دون إضافة «شهر»؟

نص بعض الفقهاء على منع ذلك.

وقال آخرون: إذا وجدت قرينة تدل على المراد جاز، وإلا فلا يجوز.

وأكثر الفقهاء على جواز قول: «رمضان». دون إضافة كلمة «شهر» إليه.

أما لغة القرآن ففيها إطلاق: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:185]، ولكن جاء في السنة ما يدل على جواز ذكر «رمضان» دون إضافة «شهر»، منها: «مَن صامَ رمضانَ، ثم أتْبَعَهُ ستًّا من شوَّالٍ، كان كصيام الدَّهْرَ». و«مَن قامَ رمضانَ إيمَانًا واحتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبه».

وقد بوَّب البخاري في «صحيحه»: «باب: هل يقال: رمضانُ، أو: شهرُ رمضانَ؟ ومَن رأى كُلَّه واسعًا».

وكما يُقال: فقه البخاري في تراجمه. وقول البخاري: «ومَن رأى كله واسعًا» إشارة إلى أن الأمر فيه سَعة أن تقول: «رمضان» أو: «شهر رمضان».

أما الزعم بأن «رمضان» اسم من أسماء الله؛ احتجاجًا بحديث: «لا تقولوا: رمضانُ؛ فإن رَمَضَانَ اسم من أسماء الله». فلا يعوَّل عليه؛ لأن الحديث لا يصح؛ ففي إسناده: أبو معشر نَجِيح السِّندي، وهو ضعيف، والصواب وقفه.

فلا يصح أن يقال: «رمضان» من أسماء الله، وقد كتب الأئمة والعلماء في أسماء الله الحسنى، ولم يذكر غالبهم هذا.


: الأوسمة



التالي
رسالة إلى الفريق السيسي
السابق
لمصلحة من تشوه ثورة يناير؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع