البحث

التفاصيل

تحديد المعايير

أريد بتحديد المعايير: الموازين التي يحتكم إليها الفريقان، عند الخلاف، فإذا لم يكن هناك معيار يرضاه الطرفان، ظل الخلاف قائما، ولم يحسم، بل لم يقبل الحسم، لأن كل طرف يدعي أن معه الحق، الذي لا يشوبه الباطل والصواب الذي لا يتطرق إليه الخطأ.

وقد اتفق الناس في الماديات، على معايير يقيسون بها، ويرجعون إليها، مثل الدرهم، أو الرطل، أو الكيلوجرام، في الموزونات، ومثل القدم، أو الذراع، أو المتر، في الأطوال والمساحات.

وكذلك لابد من معيار يرجع إليه في المعنويات، يحسم الخلاف، ويرفع النزاع.

وقد زعم الناس في وقت من الأوقات، أن المنطق القياسي الصوري الأرسطي، يمكن أن يكون معيارا صادقا، وعرفوه بأنه آلة قانونية، تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.

ولكن المنطق يعتمد على القضايا المسلمة عند الخصم، وإن لم تكن حقا في ذاتها، ولهذا ظل الناس مختلفين أشد الاختلاف في عصر سيادة المنطق، ولم يغن عنهم منطقهم شيئا.

قد يقال: إن هناك معايير إنسانية عامة، يرجع إليها الناس في كل زمان ومكان، مثل: العقل، والعلم، والمصلحة.

ولكن مشكلة هذه المعايير، أن كل الناس يدعونها، وبينهم من التباين والتناقض ما بين الشرق والغرب، أو ما بين السماء والأرض.

فالليبرالي يزعم أن مذهبه يمثل قمة العقل والعلم، ويرعى مصالح الناس، والاشتراكي ينقض عليه دعواه، ويزعم أنه ـ وحده ـ ممثل العقل والعلم والمصلحة الحقيقية، وثالث لا يقر لهذا ولا لذاك.

وإذا نظرنا إلى مذاهب المفكرين والفلاسفة قديما وحديثا، نجد منهم من شرق، ومنهم من غرب، منهم المثبتون، ومنهم النافون، ومنهم الشاكون، الذين لا يثبتون ولا ينفون، منهم المؤهلون، ومنهم الملاحدة المنكرون، منهم المثاليون، ومنهم الماديون الواقعيون.

وكلهم يبني مذهبه وفلسفته على دعائم عقلية، لها وجاهتها عنده، وقد يجد من خصومه من يدحضها ويبطلها، كما يجد من أنصاره من يدافع عنها، ويرد على معارضيها.

ولهذا كانت هناك حاجة ماسة، إلى نور آخر، بجوار نور العقل، يسدده ويرشده، فيكون له نور على نور، وذلك النور هو الوحي الإلهي، كما بين ذلك الإمام محمد عبده في "رسالة التوحيد".

الوحي الذي لا يلغي دور العقل، ولكن يأخذ بيده في المتاهات، ويهديه في مفارق الطرق، ومواضع الالتباس التي يكثر فيها الخلط، أو يحكم فيها الظن، أو يغلب فيها الهوى والتخبط، بحكم الضعف البشري.

من هنا يجب أن يكون وحي الله ـ أي الإسلام ـ هو المرجع عند التنازع، كما بيناه من قبل.

ولكنا ـ مع هذا ـ نرحب بالاحتكام إلى العقل والعلم والمصلحة، حينما يكون العقل عقلا صرفا، لا يشوبه ظن ولا خرص، وينطلق من مقدمات يقينية، ليصل إلى نتائج يقينية.

وحينما يكون العلم علما محققا ثابتا، لا مجرد افتراضات أو نظريات تخمينية، يناقض بعضها بعضا، كما في كثير من حصاد "العلوم الإنسانية".

وحينما تكون المصلحة مصلحة حقيقية لا موهومة، مصلحة ترعى الجوانب الفردية والاجتماعية، المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية.

نحن المسلمين، لا نخشى من تحكيم العقل، ولا من تحكيم العلم، ولا من تحكيم المصلحة، فهي ـ دائما ـ في جانبنا، ونحن أسعد الناس بها.

أما العلمانية في أوطاننا، فهي ـ بأي معيار ـ مرفوضة، معيار الدين، ومعيار العقل، ومعيار العلم، ومعيار المصلحة، إنها ضد الدين، وضد الدستور، وضد حقوق الإنسان، وضد مصلحة الأمة، وأصالتها.

ولهذا نقول: إننا ـ مهما نختلف في تحديد المعايير، التي يجب الاحتكام إليها ـ يمكننا أن نتفق على مجموعة منها:

فلدينا: المعيار الرباني، وهو الوحي.

ولدينا: المعيار الإنساني، وهو العقل.

ولدينا: المعيار الاجتماعي، وهو المصلحة.

ولدينا: المعيار السياسي، وهو الدستور.

ولدينا: المعيار القومي، وهو الأصالة.

ولدينا: المعيار الدولي، وهو وثيقة حقوق الإنسان.

ولدينا: المعيار الديمقراطي، وهو احترام إرادة الأغلبية.

فماذا تقول هذه المعايير، إذا احتكمنا إليها في الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين؟


: الأوسمة



التالي
مصر والموجة الثانية من الثورة
السابق
هيكل.. موسم السقوط الكبير

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع