البحث

التفاصيل

سنة الله في التغيير في ضوء الثورة المصرية (رمضان خميس الغريب)

الرابط المختصر :

لله في التغيير سنة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل, شأن كل سنن الله (تعالى), وقد بانت تلك السنة في الواقع المصري بصورة  ظاهرة باهرة؛ فالجيل الصامت سنين عددا,والشباب الذي لم يكن يتوقع منه أن يقوم بأمر نفسه, فضلا عن قيادة غيره, بله أن يقدم على ثورة تزلزل أركان الباطل زلزلة, وتدك بنيانه دكا, تغير وبدا جيلا آخر, غير الجيل الذي تصوره الراقبون,  ووقف موقفا لم يكن يتوقعه الراصدون, وبين التغيير والثورة دلالة لغوية لا تخفى, سبق الحديث عن بعضها في مقام التقديم لمفهوم الثورة, ونتابع الحديث عن مادة التغيير ودلالتها, وسننية القرآن فيها في تلك الصفحات على النحو الآتي فأقول:


مفهوم التغيير:
تقول كتب اللغة: (تغير الشيء عن حاله: تحول, وغيَّره: حوله وبدله. كأنه جعله غير ما كان...والغير: اسم من التغيير, وغير عليه الأمر: حوله, وغُيَر الدهر: أحداثه المغيرة)( ).


و(التَّغْيِيرُ يقال على وجهين:
أحدهما: لتغيير صورة الشيء دون ذاته. يقال: غَيَّرْتُ داري: إذا بنيتها بناء غير الذي كان.
والثاني: لتبديله بغيره. نحو: غَيَّرْتُ غلامي ودابّتي: إذا أبدلتهما بغيرهما)( )


ورود مادة التغيير في القرآن الكريم
وقد وردت المادة في القرآن الكريم مرات كثيرة, منها: (فليغيِّرن, يغيروا, مغيِّرا, لا يغير, لم يتغير, غَيْر).


وقد ضبط تلك السنة القرآنية آيتان من القرآن الكريم, هما:
1- قوله (تعالى): (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)), الرعد:11.
2- وقوله (تعالى): (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)), الأنفال: 53, 54.
و(معنى هذه الآية إخبار من الله (سبحانه) أنه إذا أنعم على قوم نعمة فإنه بلطفه ورحمته لا يبدأ بتغييرها وتنكيدها حتى يجيء ذلك منهم, بأن يغيروا حالهم التي تراد أو تحسن منهم, فإذا فعلوا ذلك غير الله نعمته عندهم بنقمته منهم )( )


والمتابع لأقوال المفسرين ( ) في الآيتين الكريمتين يرى مدى تأثرهم بالتغيير بالسلب, على اختلاف مشاربهم ومدارسهم, وأزمانهم,واتجاهاتهم, فأكثر المفسرين –قدامى ومحدثين- يتناول التغيير الوارد في الآيتين بالتغيير السلبي الذي يقوم على التحول من الطاعة إلى المعصية, أو من حال الشكر إلى حال الكفر, ومن العافية والنعمة إلى البلاء والنقمة, ومن الأحوال الجميلة إلى الأحوال القبيحة, وقل من حملها على جانب الإيجاب, ومن هؤلاء القلائل: الإمام البيضاوي, والماوردي, وحقي, ومن ذلك قول الماوردي في النكت والعيون عن التغيير في الآيتين الكريمتين إنه: ( يحتمل خمسة أوجه:


أحدها : لم يك مغيراً نعمة أنعمها عليهم بالنصر لهم على أعدائهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من الثقة به والتوكل عليه.
والثاني : لم يك مغيراً نعمته عليهم في كف أعدائهم عنهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعته والكف عن معصيته .
والثالث : لم يك مغيراً نعمته عليهم في الغنى والسعة حتى يغيروا ما بأنفسهم . من تأدية حق الله تعالى منه .
والرابع : لم يك مغيراً نعمته في الثواب والجزاء حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان .
والخامس : لم يك مغيراً نعمته عليهم في الإرشاد حتى يغيروا ما بأنفسهم من الانقياد.)( )


 والقليل من هؤلاء المفسرين من لمس الجانب السنني في الآيات الكريمة, كقول بعضهم: إن هذا(إشارة إلى ما أنزله من عذاب على الأمم المكذبة الكافرة الظالمة، وإلى بيان سنته في عباده, وهي أنه (تعالى) لم يكن من شأنه أن يغير نعمة أنعمها على قوم كالأمن والرخاء، أو الطهر والصفاء حتى يغيروا هم ما بأنفسهم, بأن يكفروا ويكذبوا، ويظلموا أو يفسقوا ويفجروا، وعندئذ يغير تلك النعم بنقم فيحل محل الأمن والرخاء الخوف والغلاء, ومحل الطهر والصفاء الخبث والشر والفساد, هذا إن لم يأخذهم بالإبادة الشاملة والاستئصال التام)( )


وممن لمح الجانب السنني في الآيات وعبر عنه الإمام البيضاوي إذ يقول: (وليس السبب عدم تغيير الله ما أنعم عليهم (قريش) حتى يغيروا حالهم, بل ما هو المفهوم له وهو جري عادته على تغييره متى يغيروا حالهم)( )


والسعدي إذ يقول: (إن ذلك العقاب بسبب أن عادة الله في عباده عدم تغيير نعمه التي ينعم بها عليهم { حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } من الأحوال والأخلاق بكفران نعم الله وغمط إحسانه وإهمال أوامره ونواهيه)( )


والمقصود بالعادة هنا السنة والناموس المستمر.


وكقول ابن عجيبة: (من جريان حكمته (تعالى) في خلقه أنه لا يسلب النعم عنهم إلا بسوء أدبٍ منهم، كلٌّ على قدر مقامه، فالنعم الظاهرة يسلبها بترك الطاعة الظاهرة ، أو بالمخالفة الظاهرة، والنعم الباطنة يسلبها بترك المراقبة الباطنة أو المشاهدة الباطنة، فلكل مقام حقوق وآداب؛ فمن أَخَلَّ بحقوق مقام نقص له منه ، إلا أن يتوب . وقد يسيء الأدب فتؤخر العقوبة عنه، فيظن أنه لم يُسْلب. ولو لم يكن إلا ترك المزيد , وقد يبعد، وهو لا يشعر، ولو لم يكن إلا وتركه وما يريد. كما في الحِكَم: « إن الله لا يغير ما في القلوب من أنوار الشهود والعيان، حتى يغيروا ما بأنفسهم من حسن الأدب بسوء الأدب ».)( )


ويبين الألوسي (رحمه الله) ملامح السننية في تلك الآية بأن الجملة مسوقة للتعليل, وأن  السبب ليس منطوق الآية, بل مفهومها، وهو جرْىُ عادته (سبحانه) على التغيير حين غيروا حالهم, فالسبب ليس انتفاء التغيير بل التغيير، قيل: وإنما أوثر التعبير بذلك لأن الأصل عدم التغيير من الله (تعالى) لسبق إنعامه ورحمته, ولأن الأصل فيهم الفطرة وأما جعله عادة جارية فبيان لما استقر عليه الحال من ذلك لا أن كونه عادة له دخل في السببية )( )


وقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم وهي أنه (تعالى) لا يزيل نعمة أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طهارة وصفاء بسبب ارتكابهم للذنوب وغشيانهم للمعاصي نتيجة الإعراض عن كتاب الله وإهمال شرعه, وتعطيل حدوده والانغماس في الشهوات, والضرب في سبيل الضلالات)( )


 والتغيير يكون من بعض الأفراد كما يكون من الأمة والشعب بأسره, وسواء كان التغيير بالسلب أو بالإيجاب, (كما وقع يوم أحد بتغيير الرماة ما بأنفسهم فعمت البلية الجميع)( )


فالله (عز وجل) في هذه الآية الكريمة (يَدلُّنا أنه (سبحانه) لا يتدخَّل إلا إذا عَنَّت الأمور؛ وفسد كل المجتمع؛ واختفتْ النفس اللوَّامة من هذا المجتمع؛ واختفى مَنْ يَقْدِرون على الرَّدْع ـ ولو بالكلمة ـ من هذا المجتمع؛ هنا يتدخل الحق سبحانه.


وحين يُغيِّر الناس ما بأنفسهم، ويُصحِّحون إطلاق الإرادة على الجوارح؛ فتنصلح أعمالهم)( )


أما صاحب الظلال -رحمه الله-فيلمس مع الجانب السنني في الآيات الكريمة جانب حرية الإرادة للإنسان وقدرته على التغيير, وأن ما يحدث في الكون ليس قدريا فقط, بل جانب منه, وجانب آخر كبير ومؤثر متوقف على الإنسان, وإرادة الإنسان, وتغير الإنسان, فيبين أن في الآية الكريمة جوانب متعددة, بعضها يتعلق بعدالة الله وسنته في ذلك, وبعضها يتعلق بأثر الإنسان في التغيير, فيبين (أنه من جانب، يقرر عدل الله في معاملة العباد؛ فلا يسلبهم نعمة وهبهم إياها إلا بعد أن يغيروا نواياهم، ويبدلوا سلوكهم، ويقلبوا أوضاعهم، ويستحقوا أن يغير ما بهم مما أعطاهم إياه للابتلاء والاختبار من النعمة التي لم يقدروها ولم يشكروها. . ومن الجانب الآخر يكرم هذا المخلوق الإنساني أكبر تكريم، حين يجعل قدر الله به ينفذ ويجري عن طريق حركة هذا الإنسان وعمله؛ ويجعل التغيير القدري في حياة الناس مبنيا على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وعملهم، وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم . . ومن الجانب الثالث يلقي تبعة عظيمة - تقابل التكريم العظيم - على هذا الكائن. فهو يملك أن يستبقي نعمة الله عليه ويملك أن يزاد عليها، إذا هو عرف فشكر؛ كما يملك أن يزيل هذه النعمة عنه إذا هو أنكر وبطر، وانحرفت نواياه فانحرفت خطاه.


وهذه الحقيقة الكبيرة تمثل جانبا من جوانب « التصور الإسلامي لحقيقة الإنسان »؛ وعلاقة قدر الله به في هذا الوجود؛ وعلاقته هو بهذا الكون وما يجري فيه. . ومن هذا الجانب يتبين تقدير هذا الكائن في ميزان الله؛ وتكريمه بهذا التقدير؛ كما تتبين فاعلية الإنسان في مصير نفسه وفي مصير الأحداث من حوله ، ؛ فيبدوا عنصرا إيجابيا في صياغة هذا المصير - بإذن الله وقدره الذي يجري من خلال حركته وعمله ونيته وسلوكه - وتنتفي عنه تلك السلبية الذليلة التي تفرضها عليه المذاهب المادية ، التي تصوره عنصرا سلبيا إزاء الحتميات الجبارة .


حتمية الاقتصاد ، وحتمية التاريخ ، وحتمية التطور . . . إلى آخر الحتميات التي ليس للكائن الإنساني إزاءها حول ولا قوة، ولا يملك إلا الخضوع المطلق لما تفرضه عليه وهو ضائع خانع مذلول!


كذلك تصور هذه الحقيقة ذلك التلازم بين العمل والجزاء في حياة هذا الكائن ونشاطه؛ وتصور عدل الله المطلق ، في جعل هذا التلازم سنة من سننه يجري بها قدره ، ولا يظلم فيها عبد من عبيده)( )


ولكن هذا الاستقلال في الإرادة للإنسان, وتلك الحرية  والقدرة على التغيير ليست  هملا بل لابد لها من ضريبة,وضريبة مبهظة, مثقلة للكواهل, ( فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته ، أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر؛ وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم .


والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل, وهو يحمل كذلك إلى جانب التبعة دليل التكريم لهذا المخلوق الذي اقتضت مشيئة الله، أن يكون هو بعمله أداة التنفيذ لمشيئة الله فيه.)( ).   


والراصد للواقع المصري قبل الثورة وأثناءها وما بعدها إلى الآن يجد بوضوح مدى التغير الذي حدث في نفوس الناس, فالواقع المر الذي ألقى بكلكله على الناس  عقودا, يرزحون فيه تحت نير الظلم والاستبداد والاستعباد, والذي طبع كثيرا منهم إن لم يكن كلهم بطابع الاستخذاء, والتواري عن تيار الحياة الجارف, والرضا بالدون في المعيشة وقطع الأمل وفقدان الرجاء في التغيير لتوالي الظلم والقهر, حتى سمى المصريون الخبز (عيشا)؛ كأن الحياة كلها خلاصتها لقمة العيش, كل هذا انكسر في تلك الدورة الحضارية التي ما زالت موجاتها تتجدد ولا تتبد,وتزيد ولا تنحسر, وتقوى ولا تنكسر, وتتسع مساحتها مكانا, وزمانا, ونوعا, وتبع هذا التغيير في الأنفس تغير في السلوك منذ بداية الثورة وفي مراحلها,وما زال, ويمكن أن نلحظ مظاهر هذا التغير في الملامح الآتية:


1- الاصطفاف حول هدف واحد وهو إسقاط الظلم والاستبداد والاستعباد, والحرص على العدالة الاجتماعية, دون تفرقة بين إنسان وإنسان, وهذا ما بدا جليا في هتافات الناس جميعا منذ البداية: (عيش, حرية, كرامة إنسانية), (عيش, حرية, عدالة اجتماعية).


2- تطور هتاف الثائرين,من بداية الثورة وفي كل مرحلة من مراحلها, فبعد أن كان الهدف بعض المطالب التي يعاني الناس من فقدانها و تطور إلى المطالبة  بإسقاط النظام الغاشم الذي جثم على صدور الناس عقودا, ثم تطور إلى المناداة بترسيخ قيم الحرية والعدالة ورفض الاستبداد والاستعباد, وقيم الإنسانية بحق.


3- التفاف الناس جميعا دون تمييز في الدين أو الطبقة الاجتماعية, أو الوظيفة, أو التعليم, فكنت ترى المسلم والمسيحي, والعالم والأمي, والرجل والمرأة, والشاب والفتاة, والطالب الجامعي والعامل والفلَّاح, الجميع يحدوهم هدف واحد, ورغبة واحدة, دون أدنى تمييز.


4-  كسر حاجز الخوف,وتغيير ما في النفس من الحرص على الحياة, أي حياة, بل رأينا من يقف بصدر عار أمام الدبابات وطلقات الرصاص,يقول أحد شهود العيان في مذبحة الحرس الجمهوري: ( وهناك وجدت قوات الجيش وقد أغلقوا الطريق الرئيسي أمام النادي ووضعوا حواجز ووقفوا خلفها، فأوقفنا المسيرة على بعد 150 متر من حاجزهم ، وأقمنا حاجزاً من جهتنا، وكنت حريصاً على عدم الاصطدام بهم حفاظاً على هذا العدد الكبير، و لو حدث أي اشتباك لتحولت هذه المسيرة إلى مجزرة لا يعلم مداها إلا الله، فأوقفنا المسيرة خلف الحاجز، فأصبح بيننا وبينهم 150 متر تقريبا، وفجأة خرج مجموعة من الشباب قريباً من عشرة أفراد تتراوح أعمارهم من 15 إلى 19 عاماً تقريباً، فتجاوزوا الحاجز متجهين إلى حاجز الجيش، فصرخت فيهم إلى أين؟ توقفوا ممنوع الاقتراب منهم؟ توقفوا من فضلكم.. وكان ردهم على مفاجأة، حيث قال أحدهم: سامحني يا دكتور لن نقف ولن نطيع أمرك!!   فقلت لهم: ماذا تريدون؟ الذهاب إلى هناك معناه الاشتباك، وإذا حدث لا قدر الله ستكون مجزرة، وهذه الآلاف لن تقف صامتة، وحاولت منعهم بكل الطرق فلم أفلح، فساروا في اتجاه الجنود ومن معهم من الضباط وأنا معهم أحاول منع الكارثة بكل الوسائل،  والشباب يبتسمون ويقولون: آسفين يا دكتور لن نرجع، وقبل 50 متر من حاجز الجيش جاء النداء من مكبرات الصوت من أحد قادتهم يقول : من سيتقدم خطوة واحدة بعد هذه المسافة سأضرب في المليان ، فتوقفت أمام الشباب مشفقا عليهم خائفاً على من معنا من الآلاف المؤلفة، حذراً من مذبحة مؤكدة إن حدث أي اعتداء..ولكن كانت المفاجأة المذهلة، حيث رأيت الشباب في تصرف واحد وكأنهم تدربوا على فعله من قبل مرات عدة،  يفتحون أزرار قمصانهم، ويقومون بتعرية صدروهم، ويدخلون على الحاجز الذي نصبه الجيش في الشارع خارج المنشأة الخاصة بالحرس الجمهوري، وأنا أحاول المنع، وأشير للجيش بالتمهل وعدم الاعتداء، فصدور الشباب عارية، وحماستهم جارفة، وشجاعتهم نادرة، وسيف عزيمتهم لا ينال منه أحد، وكانت المفاجأة الثالثة أن الشباب وصلوا للحاجز الصغير ووقفوا وجهاً لوجه مع القوات التي نصبت أسلحتها في وجوههم)( ).


والواقع المشاهد لا يحتاج إلى كثرة استدلال؛ فالوقوع دليل الجواز كما يقول الأصوليون, فالعالم كله يشهد ويشاهد مدى كسر حاجز الخوف عند المصريين, فهؤلاء فتية في عمر الزهور, وأولاء فتيات دون السابعة عشر, هؤلاء يحكم عليهم بإحدى عشرة سنة, وأولاء يحكم عليهن بسبع عشرة سنة ,والكل عازم على المواصلة لدحر الاستبداد والاستعباد, وعودة الإنسان ذي الكرامة والحرية بعد أن ذاق الناس نسيمها واستنشقوا عبقها.


 وهذا التغيير لما في الأنفس سبب أصيل في تغيير ما في الواقع كما مضت بذلك سنة الله (تعالى) في التغيير. حيث استطاع أن يغير نظاما عتيدا جثم على صدورهم عقودا دون أن يلجئوا إلى العنف حتى سموها ثورة الشباب وثورة الغضب وثورة اللوتس والثورة البيضاء( )


5- ظهور المعدن المصري الأصيل الذي يتغلب على الشدائد ويتحدى العقبات ويتعدى الزمان والمكان, وكانت أحداث الثورة الجسام خير دليل على حيوية  ووطنية الشعب المصري, (ودوره) المتميز في صنع الحضارة الإنسانية, فعلى الرغم من حالة التردي والانهيار التي أشرفت عليها معظم مؤسسات البلد, فقد انتفض الشعب  بعد أن يأ س الكثيرون من انتفاضته, وبعد أن استكان الفاسدون إلى مراكزهم ومصالحهم( )


6- المشاركة في الحياة السياسية بصورة لا فتة للنظر, فقد كان قبل الثورة الحالة العامة  للمصريين هي العزوف عن الانخراط في الحياة السياسية,ومقاطعة الانتخابات بمختلف مستوياتها,وعلى النقيض كان الموقف بعد قيام الثورة, فقد شارك في الانتخابات بصورها عدد غير مسبوق فمثلا شارك في الاستفتاء الدستوري نسبة زادت على 41%  وكانت هذه أول مرة تشهد إقبالا منقطع النظير, وفي بعض الانتخابات كمجلس الشعب وصلت النسبة إلى 62% )( )


7- كما تغير شعور المصريين بصفة عامة, (فتغيرت مشاعر القهر والكبت التي كان يشعر بها أغلب المصريين قبل الثورة إلى الحرية والانطلاق والشعور بالإنجاز والتفاني  من أجل التغيير والإصلاح, وقد انعكس هذا التغيير ليصبح تغيرا في السلوك الأخلاقي والاجتماعي والنفسي,وأظهرت الثورة مدى شعور المصريين بالانتماء  والمواطنة)( )


لفت هذا التغير في سلوك المصريين أنظار العالم أجمع, وشعر الناس أن لديهم القدرة على تغيير حقيقي يهيئ لهم ولأولادهم من بعدهم مستقبلا أفضل وحياة أرغد وحرية أوسع.


فلما تغيروا غيروا, حتى وإن اعترض طريقهم عقبات كئاد, وأزمات شداد إلا أن الخير قادم, والأمة كالمطر لا يدرى أوله خيره أم آخره, وإن تجمع عليها الأعداء من كل ناحية, وتألب عليها الصهاينة والأمريكان ومن سار في الركاب وتبع الأذناب وعوى عواء الكلاب, فلكل نبا مستقر, وعند الصباح يحمد القوم السُّرى.


د رمضان خميس الغريب
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك في جامعة الأزهر
وجامعة حائل- المملكة العربية السعودية
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


: الأوسمة



التالي
مانديلا ضمير للإنسانية ورمز للنضال ضد الظلم
السابق
الإيمان يهون على الإنسان كل صعب في سبيل الحق

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع