البحث

التفاصيل

متى ينتحر الفريق السيسي

كتب هتلر إبان فترة سجنه في كتابه الشهير كفاحي أنه لا ينبغي لأحد أن يجازف بغزو روسيا ومهما بلغت قوته لأن مساحاتها الشاسعة تنهار فيها أية قوة مهما عظمت فيتلاشى كل أمل في إحراز نصر عليها ، ثم لم يلبث أن تمكن هتلر من السلطة ، وفي أشهر معدودة صارت أوروبا بكاملها تحت الحكم النازي ، فاستبد بهتلر جنون القوة وإذا به يضرب صفحا عن كل ما كتبه في كتابه ، ويقرر غزو روسيا واضعا الخطة الجبارة (البربروسا ) محددا للإنتهاء منها شهرين ، هذا القرار المخيف الذي نزل على رؤوس جنرالاته المحترفين نزول الصاعقة حتى قال رونشتيد أحد كبار جنرالاته لزملائه في ذهول : إن روسيا ليست محمية ضيقة يمكن تجريد حملة عسكرية لها في شهرين فلا العسكرية الألمانية ولا قدرة وإمكانات ألمانيا تقدر على ذلك ، إن هذا القرار له نتائجه المدمرة على ألمانيا وعلى هتلر شخصيا ، ولم تلبث الأحداث الرهيبة أن كشفت كل ما تنبأ به القادة العسكريون المخضرمون فانهارت جيوش ألمانيا وقصف مقر هتلر المحصن بأشد القنابل فتكا وتدميرا ، فقرر في تصميم عقاب نفسه بنفسه آخذا مسدسه ومطلقا الرصاص ليضع حدا لحياته ، ولتطوى واحدة من أشد أساطير غطرسة القوة غباء وعنادا .

 

 ولما كان الطغاة مكتوب عليهم ألا يتعلموا فقد أخذت الفريق السيسي نشوة القوة والسلطة التي فوجئ أنه يمتلكها حيث قفز فجأة من رتبة لواء إلى رتبة فريق أول ، ومن مسؤول في جهاز المخابرات إلى وزير دفاع دفعة واحدة ، فقرر الهجوم المسلح وبكل ما أوتي من قوة على التيار الإسلامي برمته وعلى الإخوان المسلمين خاصة خائضا أبشع المجازر التي لا نظير لها في تاريخ العسكرية المصرية المعاصرة ، وقاذفا بالجيش لحرب الشعب المصري بكامله بدعوى القضاء على التيار الإسلامي ، القرار الأهوج بنتائجه المدمرة على مصر وعلى السيسي شخصيا ، فالإسلاميون يا سيادة الفريق ليسوا فريسة سائغة يتم القضاء عليهم في تجريدة برابعة العدوية أو حصار لميادين القاهرة والمحافظات ، الإسلاميون هم الذين عجزت بريطانيا في جبروتها والملك فاروق وعجز عبد الناصر بكل مدرسة التعذيب المرعبة التي ابتدعها في سابقة لا نظير لها ، وعجز السادات وعجز مبارك عبر ثلاثين عاما من المحاكم والسجون ، وعجزت أمريكا بكل ترسانتها الحربية معززة بترسانة أوروبا بكاملها في حلف الناتو على هزيمتهم في أفغانستان وفي باكستان، وعجزت إسرائيل في موجات من القصف والترويع والحصار عن هزيمتهم في غزة ، حتى قال معلمك محمد حسنين هيكل إن أعجب ما في أمر الإخوان المسلمين أنهم كقطعة الفلين كلما ضغطت عليها إلى القاع في الماء ما أن تتركها حتى تطفو على السطح تارة أخرى ، فجئت أنت ودون مقدمات بقرارك الفاجع ظنا أنك سوف تغسل يديك من دمائهم وتنتهي منهم في ليال عددا كحفنة من الفئران الطريدة ، يا سيادة الجنرال إن الدب الروسي بكل أهواله لا شئ لو قارنته بالمفاوز المتوهجة للعملاق الإسلامي. إن منظر أنهار الدماء برابعة والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة وسلسلة المجازر تسري كالنار في عروق مئات الآلاف من الشباب المتحرق للثورة قاذفة بهم إلى حدود الجنون لنيل الشهادة ، وليلحقوا بإخوانهم الذين سبقوهم إلى الجنة يلقونه بصدورهم العارية واياديهم المرتفعة وهم من كل حدب ينسلون . إن جيل الأعمار الثمانين من فصيلة الببلاوي والبرادعي ورفعت السعيد وحسنين هيكل وعمرو موسى واضرابهم من مومياوات القرن الماضي ممن عفا عليهم الزمان ينتصبون الآن وجها لوجه مع جيل أعمار العشرين فما دونها والمتقاذف بكل عنفوانه إلى الشوارع معززا بأحدث تقنيات الفضاء وأحلام مستقبل تم القضاء عليه في وجودكم ، إنها المفارقة التاريخية المؤلمة التي يأكل فيها جيل عجائز النار القادم من الخمسينيات والاربعينيات من القرن الماضي مفترسا دون رحمة جيل عصافير الجنة من أبنائنا وزهور البساتين وعفاريت الألتراس وثائري طلبة الجامعات وشباب الفيسبوك والتويتر والثمرة المتوقدة لعصر الفضاءات المفتوحة وثورة المعارف وتقنية الكواكب والمجرات ، الكل لا يفكر إلا في الموت على طريقة أبشع من رابعة العدوية إن كنت تملك أبشع مما فعلت ، فلا يهابون الموت بل يتمنونه مواجهة دون الإنزلاق إلى ما تريده أنت من نفق العنف وحمل السلاح حافظين الوصايا العظام بلزوم السلمية والتشبث بها إلى آخر رمق مهما صببت عليهم من جام قتل الشوارع بالدم البارد ، إنها الوصايا من حكمائهم الذين ملأت بهم السجون الآن في خطيئة أخرى ثانية من الغباء والصلف الذي لم ينحدر إليه أي من الطواغيت قبلك ، إن دماء شهداء رابعة تصرخ بالليل والنهار وتصيح في كل زاوية مضيئة ومظلمة قاهرة لرهبة الموت ، طالبة بالثأر الذي لا يرحم ، دماء النساء والشيوخ والأطفال والساجدين والراكعين ، ثأر المصاحف المحترقة والجثث المحترقة والمساجد المحترقة والأخلاق المحترقة والقيم والمحترقة .

 

ياسيادة الجنرال : عليك الآن أن تبيد مئات الآلاف من الشباب المتحرقين للشهادة بعد أن غرتك الأبواق الإعلامية الكاذبة التي تسلطها فلا تكاد تخفي حقيقة أو تطفئ نورا ، يا سيادة الجنرال لقد شبت نيران قرارك وسيلفح شررها المؤسسة العتيدة التي تقف على قمتها ، فالجيش المصري الأبي لن يرضى بهذا الكم من الأوحال الأخلاقية والعسكرية التي مرغت أنفه فيها ، ولن يرضى أن يتحول إلى قاتل دائم لشعبه ، والشعب المصري المأخوذ هذا الحجم من المباغته لم يستفق كله بعد ، والغول الإقتصادي الذي سيأتي على الأخضر واليابس لم يكشر عن انيابه بعد ، والجوع والحرمان وانتفاضة ملايين الجياع لم تندفع إلى الشوارع بعد ، ولم تأتك قذائف طلبة الجامعات وقود كل ثورة ، إنهم كرات اللهب المتقاذفة كالبركان والخارجة إليك في حشود هادرة للمواصلة عبر طريق مضرج بالدماء من الأجساد الممزقة والجثث المتناثرة والتي تحرك الصخور في رابعة العدوية ، زهور الحاضر وسرج المستقبل ورد الحدائق وثمرة القلوب ، الشباب الخارج رغم القرارات القمعية من الضبطية القضائية في الجامعات لتوقف عجلة الزمان ، وتواجه السنة الربانية التي لا تميل فلن توقف الأرض عن دورانها ولن توقف الزمن عن مسيره ، وستحاصرك دعوات الصالحين وصرخات الغاضبين ودماء الشهداء والمظلومين واللعنة الحارقة الماحقة من رب العالمين ، أما التيار الإسلامي الذي جعلته غرضا لخيالك الجامح وطموحك النازق فلم يفق من الصدمة الهائلة التي نزلت به على رغم المقاومة الشرسة المستميتة التي يبديها وساعة الإفاقة ستفاجأ بعملاق هائل لا طاقة لك به ولن يفيد الندم حين ذاك ، ولن يمر إلا يسيرا حتى تجد نفسك حسيرا محصورا بين غضب الجنرالات وتشرذم النخبة الخائنة وتمرد الجياع وانهيار الإقتصاد وتوحد الإسلاميين وإفاقة الغافلين وثورة الشباب وخذلان من أغروك وأمدوك بالمال الحرام والعزلة القاتلة في العالم ونبذ الجميع لك .

 

أيها الجنرال عندما أدرك هتلر أنه أخطأ خطأ فادحا أنتحر بشرف منزلا حكم الإعدام بنفسه دافعا ثمن جريمته ، فهل يكون عندك الشرف لتنتحر وتطلق الرصاص على نفسك أم تنتظر حتى يفعله بك شعبنا النازف المعذب يوم القصاص بعدما حولت مصرنا الحبيبة من أنشودة للشعراء وترانيم المحبين وواحة حالمة للوحدة الوطنية والسلام إلى قفر موحش مخضب بالدماء يغص بالإنقسام والفرقة والعداء ، في جنون كالكابوس المرعب ينعق بالعواء والرغبة العارمة في سفك الدماء وشرب الدماء وصرخات التشفي والإنتقام بين الجسد الواحد والأواصر الحميمة لشعبنا المتحضر المسالم الوادع والذي كانت كل تجارته المحبة والسلام عبر تاريخه الحافل الطويل


يقول الله تعالى : ( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)


: الأوسمة



التالي
عن أسطورة الصراع بين القاهرة وواشنطن
السابق
الربيع العربي بدأ يزهر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع