البحث

التفاصيل

مفارقات بين أصحاب المواقف والمواقع

أصحاب المواقف هم أصحاب المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية، في سرهم وعلانيتهم، في أوطانهم وفي خارج بلادهم، فهم كالجبال ثلثها الأغنى والأقوى والأصلب في باطن الأرض وثلثها الباقي هو الذي يظهر للناس، شعارهم: "إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌكَبِيرٌ" (الملك:12)، و"اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" فتخالطهم في السراء والضراء، في العسر واليسر، في المنشط والمكره، في الفقر والغنى، في الصحة والمرض، في العزوبة والزواج، فتراهم مثل الذهب والألماس إن اشتعلت فيه النار - ابتلاء - زادته نقاء، وإن غمرته المياه - رخاء- ازداد لمعانا، أما أصحاب المواقع فهم كما قال الله تعالى: "وَإِذَالَقُوا الَّذِينَ آمَنُواقَالُواآمَنَّا وَإِذَاخَلَوْاإِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّامَعَكُمْ إِنَّمَانَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" (البقرة:14)، فهم كالتراب يذوب في أقل قطرات الماء عند الرخاء، ويتطاير مع أقل لفحات الهواء عند البلاء، فهم ينظرون إلى الموقع الذي هم فيه فيميلون إلى مبادئ الموقع نفسه، فإذا كان موقعهم بين المؤمنين فهم أئمة المتقين، وإن انتقلوا بين المفسدين فهم أكابر مجرميهم، مثل الطالب الذي يُظهر قمة الأدب في موقعه أمام أبيه وأمه في البيت، أو أساتذته في المدرسة، فإذا خلا إلى أصدقائه فلغته في الحديث واجتراؤه على المعاصي كأنه شيطان مارد، فإذا ما حدَّث أحدٌ أباه أو أمه أو أستاذته عن نقيصة من نقائصه سارعوا بالإنكار، ودافعوا بحدة عن ولدهم أو تلميذهم الذين لم يتربى يوما أن يكون صاحب موقف ومبدأ، وإنما أمروه ونهوه فامتثل موقعا لا موقفا، ومن أمثلة هذا الطالب الفاشل الكثير من الحكام والوزراء والأمراء والمدراء والمسؤولين، فإذا حدَّثتهم كأخي السِّرار أو في المجالس الخاصة تظهر لك فطرته ويبدو كأنه أنقى الناس، ولا يخالجك شك أنه صاحب مواقف أخلاقية ومبادئ إنسانية، لكن ما إن يجلس على كرسي السُلطة، فيجد ضغطا من القوى العالمية أو من الحاكم فوقه، أو من مديره، أو يشم رائحة المواقف العليا إلا ويهدر المواقف والمبادئ، ويتصرف كأنه ليس إنسانا، كأنه لا عقل له يحتكم إلى الدليل، ولا قلب عنده فيه رائحة الرحمة، ولا حياء لديه يمنعه من ارتكاب الموبقات والاجتراء على الحرمات والمحرمات والسفاسف والمكروهات.

أصحاب المواقف قوم نبلاء يسخِّرون مواقعهم لخدمة رسالتهم، ويضحون بمواقعهم ليحافظوا على مبادئهم وأخلاقهم، أما أصحاب المواقع فيبدِّلون مواقفهم وأخلاقهم لخدمة مواقعهم، ويسخِّرون مواقعهم لخدمة أنفسهم وأهوائهم وذويهم، وقد أراد المشركون أن يزحزحوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن  تبليغ رسالته وأداء أمانته، وبدأوا بالإغراء بأن يتوجوه ملكا مطاعا ويجمعوا له المال فيصير أغناهم، لكنه صلى الله عليه وسلم ضرب المثل الأعلى في الثبات على موقفه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أهلك دونه أو ينصره الله عز وجل" وبهذا لم يعد هناك عذر لكل من أهدر دينه وقيمه وأخلاقه ومبادئه تحت  فإذا سألته قال لك: "أنا عبد مأمور" فهو يهدر مواقفه وقيَمه لصالح كرسيه وموقعه، ويتحول بعد العبد المأمور مع من تحته إلى "وحش هصور" فهو عبد مع من فوقه، وسيد على من تحته.

 نصيحتي: عش يوما واحدا حرا أبيا كريما مهما كان موقعك، ولا تعش ألف عام رديئا دنيئا فلن ينفعك موقعك.

وسبحان من له الدوام..


: الأوسمة



التالي
تفجيرات لبنان: تداعيات للأزمة السورية أم بوادر حرب أمنية؟
السابق
جمال ماضي.. ورحلة عمر في خدمة الدعوة الإسلامية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع