البحث

التفاصيل

الإمام البنا في ذكراه..أوجه عبقريته وتفرّده

الرابط المختصر :

تأتي في هذه الأيام ذكرى استشهاد الإمام البنا رحمه الله ( 12فبراير 1949 ) ‘ الذي أبى إلا أن يكون مثالا لتلامذته وأتباعه في منهجه وحركته ‘ فقد ضحى الرجل بحياته من أجل ما يؤمن به ويدعو إليه ‘ ولم تكن عبارته التي نادى بها كثيرا في شعاره الذي طالما ردده ورددته الآلاف من ورائه ( والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ) ‘ لم تكن هذه العبارة مجرد شعار أو جملة تخرج من فيه إلى هواء مطلق وليس لها ما يسندها من واقع الرجل وقناعته ‘ بل كانت الكلمة كلمة صدق تمثلت فيه طوال حياته حتى أبى في النهاية إلا أن ينهي حياته بها وعليها ‘ ليحقق بذلك تلك المعادلة التي وضعها من بعده تلميذه العظيم سيد قطب الذي قال ( كلماتنا تبقى عرائس من شمع فإذا متنا من أجلها دبت فيها الحياة ) ‘ هكذا ماتا معا ،الأستاذ والتلميذ،من أجل كلماتهما ‘ وفي سبيلها. وعلى نهجها.

 

تأتي ذكرى مقتل الإمام لتحركنا ناحية تذكّر هذا الرجل وتذكّر تراثه وعمله من أجل هذا الدين وهذه الدعوة ‘ إن الإمام البنا لهو بحق في أنظارنا جميعا وفي أنظار جل العلماء والقادة الإسلاميين من بعده ( مجدد الإسلام في القرن الماضي ) ‘ وهذا ما رأيناه جميعا وما شهدنا به ‘ والله من وراء ذلك يعلم ما لا نعلم ويحكم بالحق والعدل ‘ لكننا بتمثل ما ورد عن النبي صلى الله عيه وسلم مما يؤكد على أن الناس هم شهداء الله في أرضه ‘ وأن من يثني عليه الناس بالخير فهو أقرب إليه ومن يثنون عليه بالشر فهو محسوب عليه ‘ فإننا نقول مطمئنين إلى شهادة قادتنا وعلمائنا (إن الإمام البنا هو مجدد الإسلام في زمانه ) بلا منازع .


ومن ينافس الإمام البنا رحمه في ذلك ! ‘ وهو الذي لا نبالغ إذا قلنا أنه قدأُلهم في كل ما فعله ‘ وفي ذلك ينطبق عليه ما وصفه به الأستاذ عمر التلمساني عندما أراد أن يكتب عنه ‘ فقد عنون كتابه بقوله ( الملهم الموهوب حسن البنا ) ‘ ولقد كان الإمام البنا رحمه الله إلى جانب كونه موهوبا منحه الله عبقرية وبصيرة ‘ ملهما مؤيدا من الله سبحانه وتعالى فيما ذهب إليه وعمل به ‘ وكيف لا يلهم الله عبدا قام يعيد دينه وشريعته إلى واقع الناس ‘وأوقف كل حياته وعمله ووقته من أجل ذلك ‘ وكيف لا يؤيده الله .


إن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجه الصحابي الكريم الذي أراد الشهادة ومنزلتها وقال له ( اصدق الله يصدقك ) ‘ وغدى هذا قانونا شرعيا من قوانين دين الله الثابتة في كل زمان ومكان ( من يصدق الله يصدقه الله ) ‘ وهذا هو الذي كان من الإمام البنا رحمه الله ‘ فقد صدق الله فصدقه الله .


وإننا عندما نقول أن الإمام البنا رحمه الله هو المجدد العبقري في زمانه بلا منازع ‘ فإنه من الواجب علينا أن نحدد بعضا من أوجه هذه العبقرية ‘ حتى لا يكون كلامنا كلاما إنشائيا وادعاءا كاذبا .


أولا : البناء والتنظيم:
فعلى القاعدة التي اتفقنا عليها ‘ وهي أن الإمام البنا كان من الملهمين المؤيدين من الله ‘ فإنه رحمه الله قد ألهم فكرة العمل الجماعي المنظم ‘ وكما قلنا سابقا ‘ فإن الإمام البنا رحمه الله هو من ابتدع هذا الأمر في واقع الإسلام والأمة الإسلامية ‘ وكل المحاولات التي سبقته بقيت محاولات مجتزئة ناقصة ‘ لم يكتب لها النجاح والتمام مثلما كتب لتجربة الإمام عليه رحمة الله .


وقد أدرك الإمام البنا رحمه الله مبكرا أن الإسلام لم يهزم ولم ينح عن دنيا الناس إلا بعمل جماعي منظم من أعدائه ‘ فيه توزيع للأدوار ومراعاة للمراحل ‘ وبالتالي فلن يعود الإسلام حاكما عزيزا مرة أخرى إلا بمثل ما هزم به .


ثانيا: عالمية دعوته وتنظيمه :
وقد أدرك الإمام البنا أيضا منذ الوهلة الأولى _ وألهم في ذلك أيضا _ أن البعد العالمي للإسلام بعد أصيل ثابت ‘ وبالتالي فإن هذا البعد لا بد أن يكون أساسيا في الدعوة إليه ‘ وكذلك في الجماعة والتنظيم الذي سيحمل عبأ هذه الدعوة ويتحرك بها ‘ ولذلك فقد حرص الإمام البنا منذ بداية دعوته على إنشاء فروع لجماعته في كل الربوع التي يستطيع إليها وصولا ‘ وقد وفّق في ذلك في أماكن ‘ وأكمل تلامذته وأتباعه إكمال هذا البعد من بعده ‘ حتى أتم الله على أيديهم الأمر وأصبحت دعوة الإمام البنا موجودة في كل ربوع البلاد العربية والإسلامية ‘ وفي كثير من البلاد الأخرى غيرها ‘ وبذلك غدت تلك الجماعة التي أنشأها الإمام جماعة عالمية تنتظم كل فروعها في كل أنحاء العالم في تنظيم واحد ينسق فيما بينه ويراعي كل الأبعاد ويستعد لذلك اليوم الموعود ‘ يوم تحقق الحلم بإقامة الدولة الإسلامية الموعودة .


ثالثا : انشغاله بتأليف الرجال عن تأليف الكتب:
فالإمام البنا رحمه الله لا نجد له منتجا فكريا إلا ما ندر ‘ وبالحصر تقريبا نجد له ( الرسائل ومذكرات الدعوة والداعية وبعض المقالات في مجلات الإخوان وبعض الرسائل إلى القادة والزعماء) ‘ هذا تقريبا هو كل ما خلفه الإمام البنا من منتجه الفكري والثقافي ‘ ويروى في ذلك أن أباه الأستاذ العالم عبد الرحمن الساعاتي قد طلب منه أن يهتم بتأليف الكتب والمؤلفات ‘ فقد كان الشيخ عبد الرحمن الساعاتي عالما مؤلفا ‘ أعاد ترتيب وشرح مسند الإمام أحمد وأسماه ( الفتح الرباني ) ‘ لكن الإمام البنا رحمه الله قال لوالده ( أنا يا أبي أؤلف رجالا ولا أؤلف كتبا ) ‘ هكذا رحمه الله وكأنه قد أدرك متطلبات لحظته وزمانه ‘ فقد عمل على تأليف الرجال حتى يكونوا بعد ذلك كتبا ومراجع تسير على قدمين وتنشر العلم والدين في ربوع الأرض كلها .


رابعا :كاريزمية الرجل وتأثيره :
فالإمام البنا رحمه الله قد أوتي كاريزما شخصية مذهلة ‘ قد أجمع كل من عايشه على أنها منحة مقصودة من الله له لإتمام رسالته ودعوته ‘ ولذلك فنحن لا نجانب الصواب إذا قلنا أنه على مر التاريخ الإسلامي من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم لا نرى هذا التأثير السحري من أستاذ في تلاميذه مثلما وجدنا في قصة الإمام البنا مع تلاميذه وأتباعه ‘ وإنه ليمت بصلة من بعيد إلى ذلك الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه ‘ وأنا هنا أقول ( بصلة من بعيد ) ‘ فالفارق كبير جدا بين الأستاذين وبين تلاميذيهما ‘ ودرجة تأثير كل منهما في أتباعه ‘ فالإمام البنا من تلاميذ تلاميذ .................. رسول الله صلى الله عليه وسلم ‘ والإمام البنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كرجل ملهم مجتهد إلى نبي يوحى إليه‘ وشتان .


خامسا : شمول فكرته ودعوته :
فقد دعى الإمام البنا من البداية إلى الإسلام الشامل الذي يحكم في كل صغيرة وكبيرة ‘ ويوجه كل حركة وسكنة ‘ وبرغم أنها دعوة سابقة عليه ‘ وبرغم أنها دعوة لم تغب عن الأمة يوما ما من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ‘ فقد كان لها دائما دعاتها ورجالها ‘ إلا أن صرخة الإمام البنا بهذه الشمولية في ذلك التوقيت كان لها أثر ودوي  لم يتوفر لغيرها من الدعوات الأخرى ‘ وهذه الصرخة والدعوة من الإمام البنا بشمولية المنهج الإسلامي هي التي تتردد إلى الآن في كل أرجاء أمتنا العربية والإسلامية ‘ وكل الأصوات غيرها إما أنه صدى لها أو ردة فعل عليها.


سادسا : الطرح السياسي لدعوته:
فكما قلنا في النقطة السابقة من أن الإمام البنا رحمه الله نادى بالإسلام الشامل لكل مناحي الحياة ‘ فقد كان من هذه المناحي ومن أهمها المنحى السياسي الذي كان ركيزة أساسية في دعوة الإمام البنا رحمه الله ‘ فشريعة الإسلام الحاكمة ووجوب تطبيقها على الحاكم والمحكومين كانت من أهم ما نادى به الإمام في عصره ‘ وبقيت حركته الأهم في هذا الشأن إلى يومنا هذا ‘وعودة الخلافة الإسلامية الحاكمة والمحكومة بمنهج الله كان هو منتهى الغايات الدنيوية عند الإمام البنا ‘ وهنا نسجل له ولدعوته أنه أحيا هذ التوجه وهذه الرسالة في نفوس الأمة كلها ‘ وأنه ودعوته قد جعلوه حديثا دائما على ألسنة الأمة بل ورغبة جامحة لأغلبية رجالها ونسائها .


هكذا كان الإمام البنا رحمه الله إماما مجددا عبقريا ملهما موهوبا قيضه الله .لدينه في فترة من أعصب فتراته على الإطلاق ليجدده ويعيد له بريقه ولآلائه


رحمه الله رحمة واسعة وتقبل منه شهادته وجعله في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء .


: الأوسمة



التالي
فضل العشر الأوائل من ذي الحجة
السابق
بشائر الفرج

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع