البحث

التفاصيل

معركة عض الأصابع

سُئل عنترة: ما سـر شجاعتك وأنك تهزم الرجال ؟


فقال: ضَع إصبعك في فمي، وخُذ إصبعي في فمك! وكلٌّ عضَّ إصبعَ صاحبه! فصاح الرجل من الألم ، فأخرج لهُ عنترةُ إصبعه، وقال: لو أنك صبرت لحظة لصـرخت أنا قبلك، وبهذا غلبت الأبطال!


هذه حكمة فارس العرب عنترة بن شداد إلى القابضين على الجمر، والثائرين ضد الظلم، والباحثين عن حقوقهم السليبة، وحريتهم المغتصبة.


 فأنتم في منتصف الطريق، قضيتكم عادلة، ومطالبكم مشروعة، وحقوقكم لا تُستجدى، لكنها تُنتزع، فطريقكم لا تعرف أنصاف الحلول، ولا تعترف باللون الرمادي، ولا يصلح معها التراجع، فنتائج الثورات التي لا تكتمل كارثية إلى أبعد الحدود.


 إنها معركة النفس الطويل .. معركة الجَلَد والصمود.. معركة الكفاح والنضال.. معركة الفداء والتضحية.


وهذه هي طبيعة المرحلة، وقودها الصبر والمصابرة، ومادتها الجهد والمجاهدة.


ومع آلام المخاض، وزفرات الصدور، مع كل قطرة تدم تنزف، وكل طلقة غدر تطلق، مع ظلمة السجن، وقهر القيد، ومرارة الظلم: يؤكد البيان الإلهي: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).


نعم إنهم يألمون.. تطاردهم الدماء التي سفكوها، فتقض مضاجعهم في نومهم ويقظتهم، تطاردهم وهم ينظروون وجوههم الكالحة في المرآة وأيديهم الملوثة!

 

تطاردهم.. وهم يغيرون مساكنهم وملابسهم، وأرقام هواتفهم، وأنواع سياراتهم، ويخفون طبيعة أعمالهم.. ، ويتنكر لهم أقرب الناس إليهم!


ومع هذا ليسوا سواء، فبين الفريقين بُعد المشرقين، هذا يحمل كفنه، ويقدم روحه، ويجود بحياته، ويبذل دمه، لا لشيء إلا أن تحيا أمته، وذاك يسخر إمكانات الدولة ومقدراتها وأسلحتها، ليقتل أمته، من أجل أن يحيا هو جاثما على صدرها!
 
قد تطول المعركة، أو يتأخر النصر، حتى تتمايز الصفوف، وتُخرج الحركة الإسلامية والوطنية خبثها.. فلا ينبغي أن نيأس، فهي لحظات كاشفة، وشدائد مُعرِّفة، وتحديد نتيجة المعركة، وتوقيتها بيد الله وحده، كما قال ابن عطاء السكندري:


(لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فهو ضَمِن لك الإجابة، فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد).


 إننا نشاهد الظهير الشعبي للانقلابيين يتآكل يوما بعد يوم، وعزائمهم تخور ساعة تلو الساعة، وفضائحهم ومخازيهم تملأ الأفق، وأتباعهم ينفضون من حولهم، ومن غرر بهم يستفيقون واحدا تلو الآخر، ولا يملك هؤلاء الظالمون إلا البطش والقمع وسيلة للدفاع عن رقابهم، التي هي أول مطالب الثورة عند اكتمالها، إنهم لا يملكون خطة للحاضر، وليس لديهم رؤية للمستقبل!


ونحن نرى النصر قادما بإذن الله يملأ الأفق، تعانقه حشود المنادين بالحرية، المتطلعين لها، الباذلين في سبيلها ، يحيطهم الإيمان بالله، ويقوي عزمهم عدالة قضيتهم.


ينبغي ألا ننسى أن شدة المعركة، وعنف المواجهة، وقوة الخصوم قد تصل إلى حد اليأس من النصر(حتى إذا استيأس الرسل) وهذه الحال العصيبة هي التي دفعت المؤمنين والرسول معهم من قبل إلى أن يجأروا: (متى نصر الله) فأجابهم سبحانه في الماضي ويجيبنا في الحاضر: (ألا إن نصر الله قريب).


لن نستسلم لمن أراد أن يضفي شرعية على إمامة المتغلب، وكأنها قدرنا، نحن المسلمين، دون سوانا؟!


هل قدر الله للعالمين أن يحيوا أحرارا، يولون من أرادوا، ويعزلون من شاءوا، أما المسلمون فليس لهم إلا ذو الشوكة، واقفا في حلوقهم!


لذا فنحن مستمرون في معركة عض الأصابع، حتى يفتح الله بيننا وبينهم بالحق، وهو الفتاح العليم.


إنها مصر .. وأبناؤها .. وهذا قدرهم .. لا يهربون منها، ولا تتنصل منهم!


وهذه مرحلة قُدِّر لهذا الجيل أن يحياها، ومعركة كُتب عليه أن يخوضها، وجهد وجب عليه أن يبذله، ولا اختيار!


مشيناها خُطًا كتبت علينا       ومن كتبت عليه خُطًا مشاها


: الأوسمة



التالي
العقلانية الإسلامية المؤمنة
السابق
حتى لا ننسى حكايتنا مع الأنظمة العسكرية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع