كثيرا ما ترددت جملة (هو طيب ولكنه ضعيف ) وصفا للرئيس الدكتور محمد مرسى وهو يؤدى رسالته رئيسا للدولة .
وقد نتفق أونختلف فى تقييمنا لأدائه الرئاسى بالضعف أو القوة ، وقد يفتقر هذا التقييم إلى المعلومة الصادقة والحقيقة الكاملة لدى البعض ، وقد ينقصه الإنصاف والموضوعية عند البعض الآخر .
والحقيقة فى حياتنا المعاصرة عزيزة ، وغالبا ما يثار حولها الغبار فى الإعلام ، ويعتم عليها بالشائعات حتى لا يهتدى الناس إليها ولا يكتشفوا كنهها ، فيجتهد الناس فى التحليل والتكهن ويتلمسون الطريق للوصول إلى معرفتها وفهمها فيصيب البعض ويخطئ الآخر . وتمضى بنا الأيام وتتعاقب الأحداث لنكتشف أن الزمن كان عاملا مهما لكشف الحقيقة ومعرفة معادن الرجال وتقييمهم .
ولكى يكون التقييم - بالضعف أو القوة - صحيحا فلنتساءل ما هو مفهوم القوة ؟ ومن هو القوى ؟
هل القوى هو الذى يجعجع ويرفع صوته ويخطب خطبا رنانة ويصرح تصريحات عنترية ، لا تعكس حجمه ولا واقعه ؟ أم هو الذى لا يحكمه دين ولا خلق ولا ضمير فيقتل ويدمر ويكذب ويظلم ويفسد ، فيظن الناس أن هذه علامات القوة ، ويصفق البعض لمن يفعل ذلك مرددا : تسلم الأيادى .
أم هو الذى يأخذ الناس بالشبهة، ويلفق الاتهامات للبرءاء،ويكمم الأفواه ، ويقيد الحريات ، ويفسد على من يطاوعونه ويؤيدونه دنياهم ودينهم وآخرتهم ؟ أم هو الذى يجيد الغدر والخيانة ، ويحسن المكر والخداع ؟
أم هو الذى يصنع له الإعلام وحملة المباخر وماسحو الجوخ هالة من اللاشىء ، وأسطورة من العدم ، وصنما من العجوة ؟
أم هو الذى يستتر وراء بروباجاندا مكذوبة تختلقها له أجهزته الخاصة فتزيف الحقائق وتزور الوقائع ، وتصوره على أنه الإله الذى يعبد من دون الله فى وقاحة تفصح عن وجهها القبيح بلا خجل، وتذهب بعيدا لتقول له : ما شئت لا ما شاءت الأقدار .. فاحكم فأنت الواحد القهار .
أم هو الذى يستر ضعفه ويتظاهر بالقوة من وراء حصن أو دبابة أو من فوق طائرة ؟.
إن القوة هى القدرة على مغالبة الصعاب فى صمت ، و تحمل معاناة الأمانة فى رجولة ومسئولية .
القوة هى الاعتراف بالخطأ إذا وقع والعمل على تصحيحه بعد الوقوع .
القوة هى القدرة على فهم الواقع وحجم التحديات والمخاطر والتعامل معها بحكمة وحذر .
القوة هى عدم الرضوخ لإملاءات الغرب والشرق والانحياز لإرادة الشعب واستقلال القرار وتحقيق السيادة مهما كان الثمن .
القوة هى الثبات على المبدأ وتقديم النفس رخيصة فى سبيل إرساء القيم والمثل .
القوة هى رفض إعطاء الدنية من النفس ، ومجالدة الأقوياء فى إباء ، ورحمة الضعفاء فى تواضع .
وقد اجتمعت القوة بكل معانيها السابقة فى الرئيس الدكتور محمد مرسى الذى وسمه البعض يوما ما بالرئيس الضعيف ثم اعتذر عن ذلك حين وقف على الحقيقة .
وإن رجلا يُهدد ويُختطف ويُنفى فى مكان غير معلوم وتقطع صلته بالعالم الخارجى ، ويعزل عن الواقع بعيدا عن الأهل والأنصار والمؤيدين ، ويمكث طيلة أربعة أشهر يُساوم ويُرغب ويُرهب لكى يقول كلمة اعتراف بالانقلاب أو التنحى أو تفويض سلطاته ، فيأبى أن يذل أو يهون ، إن رجلا بهذا الوصف لهو عنترة هذا الزمان.
إن رجلا يجابه قوى الاستكبار العالمى وأذنابه بمكرهم وحيلهم ودهائهم فى شموخ وعزة وصمود ويقابلهم بكلمة : لا .. لا لن نعطى الدنية من أنفسنا ولا من أوطاننا .. وينازلهم وحيدا أعزل إلا من الإيمان بخالقه ، مستصحبا نية الشهادة فى سبيل الله لهو أقوى من هذه القوى مجتمعة ..
إن رجلا يمضى إلى الله متمثلا قول سلفه من العلماء والقادة الربانييين : ماذا يصنع أعدائى بى ؟ إن سجنونى فسجنى خلوة ، وإن قتلونى فقتلى شهادة ، إن رجلا كهذا لقوى .
إن رجلا يقف أمام أعضاء هيئة محكمة تحاكمه ليقول لهم : أنا الرئيس الشرعى وأنتم وما تفعلونه باطل ، غير هياب ولا متردد لهو قوى وليس بضعيف .
لقد كان عثمان بن عفان أقوى من قاتليه حين أرادوا منه أن ينخلع عن الإمارة والرئاسة أو يقتلوه ،وهو يقول لهم : لا أنزع قميصا قمصنى الله إياه . وكان سعيد بن جبير أقوى من الحجاج وهو يهدده لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى! ، فقال سعيد: لو أعلم أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً . وكان سيد قطب أقوى من هيئة المحكمة التى حكمت عليه بالإعدام فقال حين سمع حكم الإعدام : الحمد لله ، لقد عملتُ خمسة عشر عاماً لنيل الشهادة . وعندما طُلب منه الاعتذار مقابل إطلاق سراحه ، قال :لن أعتذر عن العمل مع الله.
لقد مضى القاتل والمقتول، والظالم والمظلوم ، وعند الله تجتمع الخصوم ،
أما والله إن الظلم شؤم وما زال المسئ هو الظلوم
إلى ديّان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " سورة ق الآية 37.