البحث

التفاصيل

حماس شمولية المقاومة على مدى الأمة ومحاورها

رأفت مرة / المسؤول الإعلامي لحركة حماس في لبنان

 


يوم الإثنين، 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، نشرت جريدة الأخبار مقالاً لإبراهيم الأمين بعنوان: "حماس ومحور المقاومة.. رحلة العودة للابن الضال"، حمل الكثير من المغالطات، الممزوجة بتشويه متعمّد، نابع من نهج استخدمته "الأخبار" منذ فترة طويلة، قاعدته التحريض على حماس مختلطاً بكمّ من الأكاذيب، بهدف الانتقام من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والرد عليها وعلى موقفها المعروف من الأزمة السورية، وهذا ليس بعيداً من نهج التزلف والاسترزاق المتّبع في هذه الحالة وحالات متشابهة.

من يقرأ المقال، يكاد يعتقد أنه يقرأ مطالعات فلسفية لأبي العلاء المعري، أو مراجعات نفسية لسيغمون فرويد، أو أن كاتب المقال "مرجع" في الفكر والدين والسياسة، أو خبير في قراءة المتغيرات الاستراتيجية والتحولات التاريخية.

لكن العارف ببواطن الأمور، والمطلّ على الشأن السياسي في المنطقة، يدرك أن بعض الكتابات تكون أقرب إلى أعمال السحر والشعوذة، منها إلى المقالات الرصينة المستندة إلى حقائق، أو محاولة لتحقيق أمنيات، تكون نتاج مشكلة اجتماعية أو أزمات نفسية أو اضطرابات سياسية، وقع بها البعض، وأراد أن يجسّد أحلامه على شكل كلمات هي إلى الخيال أقرب.

يقول إبراهيم الأمين في "مقدمته" الفلسفية إن "حركة حماس تقترب من لحظة المواجهة.. هذه المرة المساءلة داخلها وبين قواعدها". ودون أن يقول لنا من بدأ هذه المساءلة ومتى بدأت ومن يسأل من داخل حركة حماس، وعلى أي مستوى قيادي أو تنظيمي تتم، يتبرع إبراهيم الأمين فيقول إن ذلك "له أوجه عدة، من العقائدي والفقهي والديني إلى السياسي والتكتيكي إلى التنظيمي والإطار القيادي"، أي أن حماس تجري مراجعة لكل ذلك.

نحن لا نحتاج أن نسأل إبراهيم الأمين عن صحة ما قاله، ولا نحتاج أيضاً أن نثبت عدم صحته، لكن يكفي أن نستخرج "الدليل" من قلب "الخرافة".

فهل حماس تجري مراجعة دينية فقهية عقائدية، أي هل هناك خلل في "دين" حماس، أو "أزمة" عقائدية، أو إشكالية فقهية. ونسأل إذا كانت حماس تجري كل هذه المراجعات، فما هو مبرر وجودها إذاً.

ثم أليس الأفضل والأسهل أن ننشئ تنظيماً جديداً، عوض إجراء مراجعة شمولية لمثل هذه القضايا؟
 
إبراهيم الأمين لا يتردد في الوقوع في التناقض وتعكير مزاج القارئ وإهانة عقله، حين يتبرع هو أيضاً بالإجابة، ويقول: " قد لا تكون هناك حاجة لانتظار نتائج سريعة جداً، باعتبار أن التحول الواقعي سينعكس الآن"، أي أن حماس تجري داخلها كل هذه المراجعات، لكن النتائج سريعة جداً، وكأن حماس تجري مراجعات عقائية وسياسية وتنظيمية على "الميكروويف"!

نبقى مع الفقرة "الكارثية" الأولى في "مقدمة" ابن الأمين، إذ يقول إن حماس تجري كل هذه المراجعات ليعترف بأن حماس "هي الحركة الأكثر تأثيراً في تاريخ المقاومة الفلسطينية المعاصرة"، فإذا كانت حماس هي الأكثر تأثيراً – وهي الجملة الصحيحة الوحيدة في مقدمته – فما حاجتها لكل هذه المراجعات، وكيف تكون "الأكثر تأثيراً" وفيها كل هذه الأزمات السياسية والتنظيمية والفكرية التي تحتاج لمراجعة!
 
أعترف بأني لا أريد أن أرد على كل ما كتبه إبراهيم الأمين، لكني سأرد فقط على مجموعة من الجمل والعبارات أو "توجهات" استنبطها الكاتب أو "استنبطت" له، وهو الأرجح، من خلال "استشعاراته" المتعددة.

يستطرد الكاتب في تفسير موقفه فيقول: "ثمة تغييرات كبيرة حصلت على الصعيد التنظيمي وعلى صعيد آلية اتخاذ القرار في الهيئات القيادية المركزية، ونقاش واضح حول مكان وجود رئيس الحركة والقيادات البارزة".

وهنا نسأل الأمين: ما هي التغييرات الكبيرة التي حصلت على الصعيد التنظيمي، وهل هناك قيادي عُزل أو عوقب أو نُحّي أو استقال، هل هناك مؤسسات جمّدت أو أغلقت أو استحدثت؟!

ثم نسأل الأمين عن التغير الذي طرأ على "آلية اتخاذ القرار" داخل الحركة، هل تبدلت الآلية، ومن بدلها، ومتى تبدلت، والآلية عند حماس هي مجلس الشورى والمكتب السياسي والدوائر المساعدة، فأين حصل التغيير؟!
 
أما عن إقامة رئيس المكتب السياسي للحركة الأخ المجاهد خالد مشعل، فإنه مقيم اليوم في دولة قطر، بإرادته، وبقرار قيادة الحركة، وهو مرحَّب به في قطر التي رحّبت واستضافت سابقاً محور الممانعة الذي كانت تربطه علاقات عميقة بالدوحة ربما لم تصل لها بعد علاقات حماس بها.. هذا تذكير لمن يتناسى.

أما ما يحكى عن نقاش داخل جسم الحركة عن مقر وإقامة الأخ خالد مشعل، فهي نفس قصة جحا الذي أطلق كذبة ثم صدقها.

لكن ما يسرنا في حركة حماس أن نؤكده، هو أن إقامتنا في أي مكان، وتموضعنا في أي عاصمة ليس على حساب خطنا ونهجنا المقاوم، وثباتنا في مشروعنا من أجل تحرير فلسطين، وأن هذه الإقامة أينما كانت لا تعني الانضمام لمحور ولا التنكر لمحور فقرارنا نابع من نهجنا، وحماس لا تقبل الوصاية والتبعية، ونحن لسنا ورقة بيد أحد.

يقول الكاتب "لكن أهم ما يدور في أروقة حماس هو: كيف تعود حركة مقاومة وفقط مقاومة".

مرة جديدة تختلط الأوهام بالأمنيات، وتصبح محاولة الكاتب تقديم معلومة للقارئ مجرد تهيؤات متأثرة بكبت نفسي نابعة من غضب ناتج عن موقف سياسي لا أكثر.

فالكاتب يريد أن يقنع الآخرين أن حماس تخلت عن المقاومة وها هي تعود الآن. تماماً كمحاولة إقناع القارئ أن القمر تخلى عن نوره، والشمس تخلت عن وهجها، والزهرة تخلت عن عطرها.

حماس والمقاومة، وحدة حال، حماس هي المقاومة والمقاومة هي حماس، كالروح والجسد، كالفجر والندى، كالسيف والحدة، كالشمس والحرية.

حماس مفجرة الانتفاضة، مطلقة حرب الطعن والسكاكين، مفتتحة عهد الرصاص، فاتحة عهد الاستشهاديين، حماس العبوات والمدافع والصواريخ.

هل يغيب العقل، هل تعمى الأبصار عن رؤية الشمس، هل تحل الأساطير والأكاذيب فتغذّي النزعات والأمراض المستبطنة.

حماس هي التي قصفت تل الربيع (تل أبيب) ومدينة القدس المحتلة، وحماس هي من خاض آخر حربين عربيتين مع الاحتلال الإسرائيلي في آخر خمس سنوات، الفرقان 2008-2009 وحجارة السجيل 2012.

وحماس صاحبة صفقة وفاء الأحرار أكبر صفقة  لتبادل الأسرى في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني

وحماس هي مبدعة حروب الأنفاق، وحماس هي مفجرة الباصات، وحماس هي من كال اللكمات لمشروع التسوية، وهي من حاصر اتفاق أوسلو وأرهقه، وهي من نظف قطاعاً من تشكيلات الاحتلال، وحماس هي بنت فلسطين، سليلة الشعب المجاهد، حامية القدس، رافعة لواء التحرير، درع الأمة، قلب فلسطين في العرب، وقلب العرب في فلسطين.

حماس تخوض المعركة مع الاحتلال باسم الأمة، وليس باسمها، حماس هي الأصيل والوكيل، هي نبض الأمة من المحيط للخليج، هي صوت المجاهدين في القاهرة ودمشق وبغداد وعمان والخرطوم والرباط وجاكرتا.

حماس في حالة حرب دائمة مع الاحتلال.

إذا لم تفهمها أنت يا إبراهيم، فيكفي أن الاحتلال يفهمها.

حماس هي التي توقع المحلل السياسي في القناة العبرية الثانية روني دانيال في 4/11/2013، أن يجد الصهاينة عناصرها في قلب "إسرائيل" خلال الفترة المقبلة في حال توقف الجيش الإسرائيلي عن مكافحة الأنفاق على حدود قطاع غزة على حد زعمه.

حماس هي التي تقدم الكيان الصهيوني بشكوى رسمية للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ضدها، بتهمة "الإرهاب" كما قالت صحيفة  "هآرتس" في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2013.

حماس هي التي في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، شدد المحلل الصهيوني للشؤون العربية "إيهود يعاري" على ضرورة "تركيعها" بمساعدة وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي.

يعاري دعا الكيان الصهيوني إلى استغلال الظرف التاريخي الذي لن يتكرر لـ "تركيع" حركة حماس بالتعاون مع مصر والسلطة الفلسطينية.

فأي محور مقاومة _ يا ابراهيم _ هو الذي خرجت منه حركة حماس، وهي المقاومة وهي المحور، وأي محور مقاومة بدون حماس، أي طعم وأي لون وأي شكل هو له.

حماس هي المقاومة أكان هناك محور أم لم يكن.

حماس في خطوط المواجهة الأمامية، المشتعلة دائماً، الملتهبة دوماً، في فلسطين، بينما الجبهات الأخرى هادئة، مستقرة، تحوم في أرجائها السنونو، وتنعم في هدأتها أعشاش البلابل.
 
يقول الكاتب – هكذا بالحرف - "وفي سوريا رغبة في انتظار رسائل جدية وعملانية من جانب الحركة".

بعيداً من نقاش المسألة السورية، نسأل الكاتب، هل أحد في سوريا أباح لك بسرّه، هل أحد في القيادة السورية أبلغك بانتظاره "رسالة" ما من حركة حماس، هل قال لك السوريون ذلك؟!

ثم يكاد إبراهيم الأمين يعلن نفسه مرشداً سياسياً لحركة حماس حين يقول "حماس تعتبر بصراحة أن السعودية تمثّل اليوم راس حربة المشروع المناهض لها"، فهذه قراءة خاطئة لموقف حماس، واستنتاج لم يُبن على معطيات، وتهجّم على دولة عربية إسلامية كبيرة ليس من أخلاقيات حماس التهجّم عليها، مع حرص الحركة الشديد على بناء أفضل العلاقات مع جميع الدول العربية والإسلامية المؤثرة والفاعلة في المنطقة، مثل مصر والسعودية وإيران وتركيا.

بعد هذا إليك الحقائق العشر:
أولاً: إن حماس هي قلب المقاومة وعقلها وجسدها، وهما –حماس والمقاومة- ثنائي لا ينفصلان. وخيارها المقاوم هو نهج واضح واستراتيجية ثابتة، لا تتبدل ولا تتغير بمرور الزمان وتبدّل الواقع السياسي أو الجغرافي.

ثانياً: إن التحالفات التي تنسجها حماس هي تحالفات حول فلسطين والقدس والمقاومة، وتحرير كل فلسطين وعودة اللاجئين، ورفض المفاوضات مع الاحتلال، وإسقاط مشاريع التسوية والتصدي للمخططات الإسرائيلية في المنطقة. وكل تحالفات حماس ومحاورها كانت على هذه القاعدة، وليست على قضايا محلية، أو مسائل داخلية أو أبعاد فئوية.

ثالثاً: إن حماس لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، ولا شأن لها بالجوانب السياسية المحلية، وهي ضدّ سياسة محور مقابل محور، وليست مع أي طرف ضدّ طرف آخر.

رابعاً: حماس ضدّ استخدام العنف داخل المجتمعات ومع الإصلاح الداخلي، وتؤيد مطالب الشعوب بعيداً من العنف والصراع.

وحماس ضدّ التدخّل الخارجي في شؤون أي دولة عربية وضدّ الاعتداءات الخارجية على أي دولة عربية، وهي مع الحوار والإصلاح، وتدفع دائماً باتجاه إنضاج حلول محليّة، بعيداً من البرامج الخارجية.

خامساً: حماس لم تتخذ مواقف عدائية ضدّ إيران أو سوريا أو حزب الله، ولم تمارس بالقول أو الفعل عملاً سلبياً ضدّهم، كما لم تتخذ سابقاً أي موقف عدائي ضد أي دولة عربية مهما كان موقفها من فلسطين والمقاومة.

سادساً: حماس غير نادمة على موقف اتخذته، وهي انطلقت في كل مواقفها من وحي عقيدتها ونهجها ورؤيتها، وهي ليست في وارد الاعتذار خاصة في مسائل لم تخطئ بها.

سابعاً: إن حركة حماس اليوم، أكثر من أي وقت مضى، موحّدة، بنهجها وقيادتها ومؤسساتها ومواقعها، وإن قيادتها السياسية والعسكرية والتنظيمية في تكامل وتطابق في الرؤى والأهداف، كما في الاستراتيجيات والتكتيكات. وإن من يراهن على انشقاق هنا أو إشكال هناك فهذا شأنه.

ثامناً: حماس قوة سياسية وعسكرية وشعبية لها وزنها ورؤيتها، فاعلة، حاضرة، مؤثرة، وهي قيمة لأي مجتمع، وذات وزن في أي محور، وهي تدرك خصائصها الإسلامية الفلسطينية المقاومة، التي تمنحها قدرة وتأثيراً في أي محور تكون فيه.

ووزنها في أي "محور" لا يقل عن وزن الآخرين، وهي تربحهم ما أرادوا ربحها، وخسارتهم بدونها أهم من ربحها لهم. والآخرون تضرّروا من تراجع العلاقة مع حماس.

وأحسب أن سعيهم لترميم علاقتهم مع حماس لتقليل خسائرهم أضعاف سعي حماس.

تاسعاً: المتغيرات السياسية والاجتماعية التي مرّت وتمرّ بها المنطقة، كانت صعبة على جميع القوى والأنظمة والشعوب، وجميع من في المنطقة تضّرر ومرّ بأزمات بغض النظر عن مستوى ذلك. لكن يكفي حماس فخراً أنها لم تنحرف عن ساحتها وظلّت بوصلتها متجهة نحو فلسطين.

إن حركة حماس ترى نفسها معنية بكل التحولات في المنطقة، وهي قادرة على بناء التحالفات، وصياغة العلاقات، وهي مدركة لدورها في ذلك.

عاشراً: تدرك حماس أن فلسطين وشعبها وقضيتها هم المتضرّر الأكبر من الصراعات المحلية والانقسامات الداخلية والفتن المذهبية، والخلافات الطائفية، والتدخلات الخارجية، ومن ضرب الحركات الإسلامية في المنطقة، ومن محاولات تثبيت هياكل سياسية تعطي للإسرائيلي قوة إضافية، وتمنحه فرصة لتمرير مشاريع ضدّ القضية الفلسطينية.

من هنا، فإن حماس هي الأقدر على تظهير المصالح العليا، ومخاطبة الرؤوس الباردة، انطلاقاً من رؤية شمولية للموقف، بعيداً من حفلات الزجل اللبناني، ومن قصار النظر الذين همّهم تسجيل مكاسب رخيصة.

والمجد لفلسطين وللمقاومة ولكل شهداء فلسطين والأمة.


: الأوسمة



التالي
كيف نكون أحرارا؟
السابق
من وحي كتابات الأستاذ محمد قطب : أسباب فشل الاحتلال العسكري في كسر الثورة !

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع