البحث

التفاصيل

العلم ليس بديلا عن الدين

الرابط المختصر :

العلم ليس بديلا عن الدين والإيمان بحال. فإن مجال العلم غير مجال الدين. وأريد بـ "العلم" هنا العلم بمفهومه الغربي المحدود، لا بمفهومه الإسلامي الشامل ـ الذي يشمل العلم بالظواهر الجزئية للكون، والعلم بحقائق الوجود الكبرى ـ أي ما يشمل علم الدنيا، وعلم الدين. فليس هو علم المادة وخواصها فحسب، بل العلم المتعلق بالكون والحياة والإنسان، وخالقها سبحانه.

العلم بالمفهوم الغربي لا يصلح بديلا عن الدين، لأن مهمة هذا العلم أن ييسر للإنسان أسباب الحياة، لا أن يفسر له ألغازها. العلم يعين الإنسان على حل مشكلة العيش، ولكنه لا يعينه على حل مشكلة الوجود وقضاياه الكبرى.

ولهذا نرى أعظم البلاد في عصرنا تقدما في العلم، وأخذا بأسبابه، يشكو أهلها من الفراغ الروحي، والقلق النفسي، والاضطراب الفكري، والشعور الدائم بالتفاهة والاكتئاب والضياع. ونرى شبابها ينقلبون بين شتى البدع الفكرية والسلوكية، ثائرين على آلية الحياة، ومادية الحضارة، وإن لم يهتدوا إلى المنهج السليم، والصراط المستقيم.

وهذا هو سر العوج والشذوذ والانحرافات، التي لمسها العالم كله في سلوك أولئك الشباب الحائرين، الذين يسمونهم "الخنافس" أو "الهيبيين" وأشباههم ممن ضاق ذرعهم بتفاهة العيش، وتمردوا على حضارة الغرب وإن نشأوا بين أحضانها.

إن العلم الحديث محدود الوسع، محدود القدرة، محدود المجال.

في وسع العلم أن يمنح الإنسان الوسائل والآلات، ولكن ليس في وسعه ولا من اختصاصه أن يمنحه الأهداف والغايات، وما أتعس الإنسان إذا تكدست لديه الوسائل دون أن يعرف لنفسه هدفا ولا لحياته قيمة، إلا أهداف السباع في العدوان، أو أهداف البهائم في الأكل والسفاد. أما هدف رفيع يليق بمواهب الإنسان، وخصائص الإنسان، وكرامة الإنسان، فلا.

إن الدين وحده هو الذي يمنح الإنسان أهدافا عليا للحياة وغايات كبرى للوجود، ويجعل له فيه مهمة ورسالة، ولحياته قيمة واعتبارا، كما يمنحه القيم الخلقية والمثل العليا التي تحبسه عن الشر، وتحفزه على الخير، لغير منفعة مادية عاجلة.

لقد قوى العلم الجانب المادي في الإنسان إلى أبعد حد، ولكنه أضعف الجانب الروحي فيه إلى أدنى مستوى.

فقد أعطى العلم الإنسان جناحي طائر فحلق في الفضاء، وأعطاه خياشيم حوت فغاص في أعماق الماء، ولكنه لم يعطه قلب إنسان!

وحين يعيش الإنسان في الحياة بغير "قلب الإنسان" تستحيل أدوات العلم في يديه إلى مخالب وأنياب تقتل وترهب، وإلى معاول وألغام تنسف وتدمر.

تستحيل أدوات العلم إلى أسلحة ذرية، وقنابل نابالم، وغازات سامة، وأسلحة كيماوية، وجرثومية تنشر الموت والخراب عند استعمالها، وتشيع الذعر والخوف قبل استعمالها.

أجل قد استطاع العلم أن يضع قدم الإنسان على سطح القمر، ولكنه لم يملك أن يضع يده على سر وجوده وغاية حياته!

- عن كتاب "مدخل لمعرفة الإسلام"، للشيخ يوسف القرضاوي.


: الأوسمة



التالي
يوسف القرضاوي
السابق
مفارقات بين السياسة و الخساسة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع