البحث

التفاصيل

شرف الخصومة

الرابط المختصر :

اختلاف الرؤى شيء فطري، وتحول هذا الاختلاف إلى خصومة أمر وارد ، وقد حدث بعض هذا مع أكابر الصحابة، حين اختلفت اجتهاداتهم في بعض المسائل، ولكن الخطورة أن ينحو البعض بهذه الخصومة نحو اللدد، أوأن يَفْجُر في خصومته.


والعاقل من لا  يحيا في كهف شططه، أسير غضبه، أو حبيس خصومته، والقوي من لا يجعل  هذه الخصومة توصد عليه أبواب فكره، وتكدر عليه صفاء رشده، وتحجب عنه آفاق عقله. وفي الحديث: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".


والشريف من يتعامل مع خصمه  بروح المنصف، فلا  يسعى لتصيد أخطاءه، أو البحث عن زلاته، أو نشر مثالبه، أو تضخيم هفواته، أو تشويه صورته. ولايهيل التراب على مناقبه، ويتناسى محاسنه، ويعرض عن فضائله، ويغض الطرف عن إنجازاته!


وقد ظهر شرف الخصومة عند أمير الشعراء شوقي، وهو يرثي شاعر النيل حافظ إبراهيم- الذي كان ينازعه صدارة البيان في زمنه، على ما كان بينهما – بقصيدة غراء، يقول في مطلعها:


قَد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائى ** يا مُنصِفَ المَوتى مِنَ الأَحياءِ
يا حافِظَ الفُصحى وَحارِسَ مَجدِها ** وَإِمامَ مَن نَجَلَت مِنَ البُلَغاء


ولم يخطئ الأستاذَ خالدَ محمد خالد نبلُ الفارس، عندما طلبت منه الدولة أن يكتب في ذم الإخوان، زمن محنتهم, فما كان من الخصم الشريف إلا أن قال بكل حزم :لقد ناقشتُ الإخوان، ونقَدتُ فكرهم وسلوكهم يوم كان بعض قادة الثورة من مجاذيبهم ..!! ويوم كانوا من القوة بمكان.. أما اليوم وهم فى المعتقلات والسجون تحت وطأة التعذيب، فقد أوصانا سيدنا الرسول ألا نجهز على جريح.


وأعجبتني مروءة الشاعر عبد الرحمن يوسف – وقد عُرف بانتقاداته للإخوان المسلمين- حين قال: لا أستطيع أن استدعي انتقاداتي للإخوان الآن، وأن أقول ما كنت أقوله حين كانوا في سدة الحكم، إنهم الآن معلقون كما الذبيحة المسلوخة في قبو السلخانة، فلينتقدهم من يريد، أما أنا فمروءتي تمنعني من المشاركة في سلخ هذه الذبيحة.


وأمام  أولئك الأفذاذ الذين جعلوا من خصوماتهم واحات فكرية، تُستلهم فيها العبر، وتلك النماذج  المتحضرة، التي لم تتمكن الخصومة من قلوبهم، ولم توغل في أعماقهم، نرى نماذج أخرى شائهة، ضاقت آفاقهم فلم تتسع إلا لآرائهم، وكلَّت عقولهم فلم تقوَ على إدراك آثار أفعالهم، وحنقت نفوسهم فلم ترضَ إلا تصدر المشهد، ولو على رفات إخوانهم!


 لا أتحدث عن إعلامي مأجور، أو قاض موتور، أو  لص مذعور، أو فاسد مخمور، وإنما أتحدث عن شركاء الأمس، ورفاق الدرب، من أبناء الحركة الإسلامية ولحمتها، الذين نظَّروا لها، وحملوا لبناتها، وشاركوا في بنائها، فما إن دب الخلاف مع إخوانهم، وظهرت بوادر الخصومة بينهم ، حتى انقلبوا على أعقابهم!


 فمنهم من قال عن غرمائه الجدد: إنهم جماعة إرهابية، تحالفت مع تنظيم القاعدة !


ومنهم من وصمهم بأنهم جماعة صهيونية ماسونية، تتعامل مع المخابرات العالمية، لإسقاط الدولة المصرية!


ومنهم من رأى قائد الانقلاب الذي نكل بهم وقتل الآلاف، قام بواجبه الأخلاقي، وأن مواجهة الإرهاب اليوم خير من مواجهته غدا!!


وقد كان هؤلاء جزءًا من هذه الجماعة، أو متحالفين معها!


وهذا ما يذكر بقول الشاعر:


وإخوان حسبتهم دروعا ‍* * فكانوها ولكن للأعادي 
وخلتهم سهاما صائبات ‍* * فكانوها ولكن في فؤادي


فحري بمن يحمل راية الإسلام أن يستمسك بعروة الإنصاف، وأن يتجرد من دواعي الهوى، وبواعث الحقد، وأن يزن الأمور بميزان الشرع، فلا  يندفع في تضخيم اليسير.. يجتهد أن يمنع صغيرة، فلا يصل إلى ذلك إلا عبر قافلة من الكبائر!


ندرك قيمة فقه الخصومة وأدب الاختلاف، وندرك كيف تقود المطامع الشخصية إلى الانهيار الأخلاقي!


وندرك أيضا لماذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من أبرز صفات المنافقين: "وإذا خاصم فجر".


: الأوسمة



التالي
أجراس الحقيقه
السابق
قلق على مستقبل النشاط الدعوي بمصر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع