البحث

التفاصيل

أطباء مصر يقودون أكبر مواجهة "غير سياسية" ضدّ سلطة العسكر منذ 2013

قلقٌ لدى النظام من تصاعد وتيرة التظاهرات.. ومشاركة الألتراس والأطباء تعني أن النظام أمامه عامٌ صعب للغاية


على غير موعد، وبغير خطة مسبقة، أصبح أطباء مصر أبرز من يقود مواجهة مع سلطات العسكر منذ عام 2013 لأسباب غير سياسية، ونجحوا في تنظيم أكبر حشدٍ يخرق قانون التظاهر الذي يضع قيوداً قاسية على أداء المعارضين.

قبل عامين فحسب لم يكن الحال كذلك، فقد خرج ذات الأطباء على احتكار النقابة من قبل جماعة الإخوان المسلمين لسنوات، ولم يبد كثير منهم غير الحفاوة بالرئيس القادم من الجيش من عينة الفيديو الشهير "بحبه قوي".. فكيف تحولت المشاعر مجدداً خلال تلك المدة القصيرة؟!


يوم غاضب


فلنرصد أولاً ما جرى اليوم قبل أن نسأل لماذا وإلى أين؟

اليوم الجمعة 12 فبراير/ شباط 2016 شهد تجمع أكثر من 10 آلاف طبيب أمام مقر نقابة الأطباء بشارع القصر العيني قاطعين الطريق القريب من مؤسسات الدولة العليا كالبرلمان ووزارة الداخلية.

هدف التجمع كان مواجهة انتهاكات الشرطة المصرية بحق الأطباء وذلك إثر اعتداء مجموعة من أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية (شرق القاهرة).

وكان طبيبان في مستشفى المطرية التعليمي، قد اتهما 9 أمناء شرطة بقسم المطرية بالاعتداء عليهما في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، فيما قررت النيابة الإفراج عن الأمناء التسعة بعد 24 ساعة من استدعائهم لـ"استكمال التحقيقات الجنائية، وهو ما أثار غضب الأطباء.

وتطالب النقابة بإحالة أمناء الشرطة إلى محاكمة جنائية بشكل عاجل، إضافة إلى وضع آلية لمنع تكرار ظاهرة الاعتداء على الأطباء، كما طالبت الجمعية العمومية بالإطاحة بوزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين بسبب تصريحه بأن عدداً كبيراً من الأطباء لا يصلحون لمزاولة الطب، كما قررت النقابة إحالة وزير الصحة، للتحقيق معه في لجنة آداب المهنة داخل نقابة الأطباء تمهيداً لسحب لقب طبيب منه.

كما دعا الأطباء وزير العدل المستشار أحمد الزند إلى تحويل أمناء الشرطة المتهمين في واقعة الاعتداء على أطباء مستشفى المطرية للمحاكمة.

وطالبوا مجلس النواب بتعديل قانون العقوبات لتغليظ عقوبة الاعتداء على الأطباء خلال ممارستهم لأعمالهم من جنحة إلى جناية.

و شدّدوا على ضرورة إلغاء هيئة التدريب الإلزامي التي قرّر وزير الصحة إنشاءها واعتبرها الأطباء إهانة لهم.

وهدّد الأطباء بالتصعيد في حال عدم الاستجابة لتلك المطالب خلال أسبوعين من بينها الامتناع عن تقديم أي خدمة بأجر للمواطن في المستشفيات الحكومية وتحويل الخدمة الطبية بالكامل للمجّان، والإضراب الجزئي عن العمل.

وإثر ذلك أصدر رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل بياناً صحفياً غامضاً دعا فيه لمعاقبة المخالفين في واقعة الاعتداء على الأطباء، وقال "من المهم استكمال التحقيقات القضائية الجارية، في واقعة الاعتداء على الأطباء ومعاقبة المخالفين والمدانين فيها" في إشارة إلى اعتداء عناصر أمن، على طبيبين، الشهر الماضي.

وأضاف "إن الحكومة، حريصة على الحفاظ على كرامة المواطن، ومنع أي اعتداء عليه"،


أكبر حشد منذ 3 يوليو


وكما قلنا، فالمشهد أمام مقرّ نقابة الأطباء اليوم بدا غريباً على الساحة المصرية التي لم تشهد تظاهرات "غير مسيسة" بهذا الحجم منذ نهاية عام 2013 عندما صدر قانون التظاهر، وتمّ الزج بعشرات النشطاء في السجن عندما تظاهروا احتجاجاً على ذلك القانون.

نفس ذلك القانون، إضافة إلى تهمة الإرهاب، كان وراء الزج بأكثر من 40 ألفاً من معارضي السلطة من أنصار الرئيس محمد مرسي إلى السجون.


كيف تصاعد المشهد؟


ولكن الأطباء والإخوان لم يعودوا شيئاً واحداً، وهذا مبعث القلق في مظاهراتهم، ففي ديسمبر 2013 وبعد أشهر قليلة من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي -العضو في جماعة الإخوان المسلمين- أطاح الأطباء بسيطرة الإخوان على النقابة التي امتدت 3 عقود، وانتخبوا مجلساً ليس على خصومة مع النظام الجديد.

وبعيداً عن الدلالة السياسية للإطاحة بمجلس نقابة الأطباء القريب من الإخوان، عبر أطباء عديدون عن تأييدهم لإطاحة الجيش بحكم الإخوان المسلمين، بعض الفيديوهات التي انتشرت بشكلٍ هائل في ذلك الوقت للتعبير عن حبٍّ يصل درجة التقديس للجنرال عبد الفتاح السيسي كان أبطالها أطباء، أحد تلك الفيديوهات الشهيرة كان لطبيبة تتحدث عنه بعبارة "بحبه قوي قوي قوي" حتى صارت مثلاً.

المدهش أن ذات الطبيبة، التي "تحبه قوي قوي قوي" اضطرت بعد أشهر قليلة للخروج في مظاهرة محدودة ضد سياسة التفرقة التي تمارس ضد الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية ولا يحصلون إلا على 1/7 من راتب أقرانهم في مستشفيات الجيش، وقالت في الفيديو أنها لا تريد أن تتحدث أكثر حتى لا تشمت الإخوان، مؤكدة أن حال الطبيب لم يتحسن في عهد السيسي.

في فبراير/ شباط 2014 اضطرت الأمين العام الجديد لنقابة الأطباء الدكتورة منى مينا إلى التقدم باستقالتها من منصبها النقابي احتجاجاً على عدم استجابة وزارة الصحة لمطالب الأطباء في رواتب عادلة، وظروف عمل محترمة.

ومع تصاعد وتيرة اعتقال العديد من الأطباء بدعوى الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين بدأت العلاقة المتوترة بين النقابة والسلطة تتزايد.

ففي فبراير / شباط 2014 قررت الجمعية العمومية تشكيل لجنة لمتابعة أوضاع الأطباء "المعتقلين منذ انقلاب 3 يوليو" وطالبت السلطات بإطلاق سراحهم فوراً.

وخلال الجمعية أعلن الدكتور خيري عبد الدايم نقيب الأطباء "إن النقابة لن تنسى الأطباء المعتقلين والمصابين في الأحداث الأخيرة وأسرهم ولن تدّخر جهداً في المطالبة بالإفراج عنهم.


تصاعد الغضب


المشهد الغاضب لأطباء مصر اليوم والذي أطلقوا عليه "يوم الكرامة" احتجاجاً على اعتداء مجموعة من أمناء الشرطة على طبيبين، لم يكن الحالة الأولى، فقد تكررت وقائع الاعتداء على الأطباء من قبل رجال الشرطة أو المواطنين بسبب غياب التأمين الكافي للمؤسسات الصحية.

المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رصد -بالتزامن مع اجتماع الجمعية العمومية اليوم- 14 واقعـة اعتداء على مزودي خدمات صحية عـام 2014، وزادت إلى 39 واقعـة عام 2015 وتنوعت أشكال الاعتداء من السب والضرب إلى التهديد بالقتل والسجن وإشهار الأسلحة في وجوههم.


هل ينضم آخرون؟


إذا كانت أسباب الانفجار موجودة فإن الأمر قد لا يحتاج أكثر من شرارة ليحدث، وربما يكون هذا تحديداً ما يزعج السلطات المصرية فيما يتصاعد الكبت.. ومشهد تجمع الأطباء اليوم وجد تأييداً واسعاً من معظم الجهات في مصر، ولا سيما من قبل النقابات والمنظمات الحقوقية والسياسيين ممن لا يتضامنون بالضرورة مع معارضي السيسي، فقد أعربت 13 منظمة حقوقية عن تضامنها الكامل مع الأطباء، قبيل اجتماع جمعيتها مثمنة مساعيها لحماية كرامة الأطباء وضمان سلامتهم الشخصية وحمايتهم.

وأعربت نقابات الصحفيين والمهندسين والمعلمين والنقل العام والنقل البري عن تضامنها.

وأصبح وسم "#ادعم_نقابة_الأطباء" الأكثر تداولاً اليوم على "تويتر" ليس في مصر وحدها بل عالمياً، وتفاعل معه عددٌ كبير من السياسيين المصريين رغم اختلافاتهم.

د. سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة اعتبر في تغريدة أن معركة نقابة الأطباء لا تخص الأطباء وحدهم بل معركة وطن يحاول انتزاع حريته.

الباحث السياسي علاء بيومي رأى في عودة المظاهرات شعوراً شعبياً بفشل النظام وفشل معارضيه على السواء وشعوراً من الناس أن الثورة سرقت ولكنها لم تمت.

وقال أيضاً عبر فيسبوك "مظاهرات الألتراس ثم حشود الأطباء أضف إليهم الحالة الاقتصادية المقلقة للغاية تعني أن النظام أمامه عامٌ صعب للغاية، وممكن وتيرة المظاهرات تتسارع بشرط أن تفسح لها القوى السياسية المجال، هي مجرّد عودة بمظاهر جزئية، لا يجب التسرع بتسييسها أو اعتقاد أنها ثورة".

هاف بوست عربي


: الأوسمة



التالي
الصلح خير
السابق
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع