البحث

التفاصيل

من لعبة 30/6 لصدمة العزوف عن انتخابات الرئاسة.. الإعلام المنافق ذو الوجهين )

الرابط المختصر :

بعد التهويل من التأييد الذي يحوزه عبد الفتاح السيسي شعبياً، ومن الحشد والخروج الجماهيري المنتظر لانتخابه بأغلبية كاسحة، وبعد تآمر إعلامي لمدة ما يقرب من عام لاختلاق صورة ذهنية عن السيسي لدى المواطن المصري، وبعد معركة اجتمعت فيها منذ الانقلاب الأكاذيب والافتراءات والصوت العالي والبذاءة المغموسة في الكراهية، وهي معركة لاختطاف ذهن المصريين..

 بعد كل هذه السيناريوهات في مخطط واحد اعتقد أصحابه أن الانتصار الساحق سيكون من نصيبه، جاءت الصدمة.

رغم التعبئة، ثم الاستجداء، ثم التهديد، مصريون يرفضون التفويض للمرة الثالثة..

إنها انتفاضة من أجل الإنسانية ضد شرعية الرئيس قائد الانقلاب.. إنها انتفاضة فكرية مصرية ضد مفهوم التدين السيساوي وضد الدم الذي لطخ صور الدعاية السيسية، وضد فزاعة الإرهاب الوهمية، وضد الدفع بالمصريين للكراهية والاقتتال الأهلي.. إنها انتفاضة فطرية بحثًا من جديد عن روح ثورة 25 يناير..

ومن هول تجليات هذه الصدمة، لم يتمكن الإعلام من الاستمرار في كذبه ليخفيها، ففي نهاية اليوم الأول من الانتخابات لم يتمكن الإعلاميون الانقلابيون من إخفاء خيبة الأمل أو الاعتراف بالفشل.. وتم ذلك بطريقة هيستيرية مرتبكة غير منظمة، تعكس الخوف من الحساب أكثر مما تعكس التحليل العقلاني للأسباب.. ولا تدل هذه الهيستريا عن عدم مهنية أو تسييس أو غير ذلك.. بقدر ما تدل على أنه كان هناك مخطط دءوب منظم ذو منهاجية محددة، اعتقد أصحابه أنه سيقود إلى ما قاد إليه مخطط عامٍ بأكمله لإفشال د.مرسي؛ أي اعتقدوا أنه سيقود إلى 30 يونيو أخرى، لتعطي هذه المرة الشرعية التي يلهث وراءها قائد الانقلاب العسكري، ليضحك على العالم من جديد بأن ما حدث كان ثورة وليس انقلابًا، وأنه لم يقفز على السلطة، ولكنه استجاب لرغبة الشعب في الترشح كما استجاب لندائه في 3 يوليو.

إن اللوثة التي أصابت مواقف الإعلاميين تجاه الناخبين (الاستجداء، الإهانة، التوبيخ، التسفيه، قله الأدب..)، مصحوبة بلوثة أخرى أصابت الحكومة والسلطة (إعطاء إجازة اليوم الثاني من الانتخابات، مد الانتخابات ليوم ثالث، الإعلان عن تحصيل الغرامات من المقاطعين، الإعلان عن تذاكر مجانية للمغتربين للإدلاء بأصواتهم في لجانهم..)، لا تدل هذه اللوثات المتزامنة والمتخبطة، إلا على شيء واحد، هو أن اللعبة فشلت هذه المرة، وأن السحر انقلب على الساحر، وأن فطرة الشعب المصري قد كشفت الأقنعة عن حقيقة هذه المهزلة الانتخابية الباطلة ابتداء وانتهاء.. وإن الانكشاف سيكون أكبر أمام أنظار العالم الذي يراقب المشهد.

إلا أنه سرعان ما قفزت فرق الإنقاذ من النخب الانقلابية العتيدة، المعروفة بتخريجاتها الفكرية والقانونية والسياسية، تقدمها حين الطلب، ولِم لا؟ أليست تقود معاركها في القاعات المكيفة وفي الفضائيات ولا تجد في "الشعب" إلا أداة يتم استدعاؤها حين الضرورة، وبأكثر من شكل وطريقة؟

وفي اليوم الثاني، تجلى وجه قبيح من أوجه التحالف الانقلابي بين الأذرع الإعلامية المحترفة وبين النخب الانقلابية، من الخبراء الأمنيين، وقدامى الناصرية، ومدعي الليبرالية، بل ومن فلول النظام السابق؛ حيث تصدوا جميعًا للتهدئة وسرعان ما تبخرت لحظة الصدق، وسرعان ما عادت ريمة لعادتها القديمة؛ ألا وهي قلب الحقائق وتأويل الأحداث وتلفيق التبريرات "العقلانية والموضوعية"!! بغية استعادة التوازن الذي اختل من هول الصدمة، وبدلاً من أن يعتبروا ويتوقفوا لالتقاط الأنفس وإعادة الحسابات، اندفعوا من جديد "لاستكمال الجميل" لدى السيسي، وتفادي الحساب منه.

وتعددت التبريرات والتخريجات التي تفتق ذهن النخب الانقلابية عنها، وعلى نحو يسعى لدحض دوافع الفطرة المصرية السليمة لعدم المشاركة ومقاطعة هذه الانتخابات.. وقدم العون لهذه النخبة كل من الظهير الديني والظهير الفني للانقلاب، ومن هذه التبريرات ما يلي:

1-     سوء الإدارة لحكومتي الببلاوي ومحلب، والأثر السلبي لظهور رموز نظام مبارك في حملة السيسي وتأييده، ومخاوف المواطنين من إرهاب الإخوان، والدور الهش والضعيف على الأرض للأحزاب السياسية المؤيدة للسيسي، أم أن السيسي بلا ظهير سياسي حزبي، والهجوم على حملة السيسي لعدم قيامها بدورها على أكمل وجه.

2-     التنظيم الجيد للعملية الانتخابية على نحو منع تكدس الناخبين أمام اللجان، والتأكد من نجاح السيسي لم يدفع مؤيديه للنزول؛ ومن ثم فهو عزوف غير مقصود، ولا يعني مقاطعة، ولكن هو بسبب موجة الحر، وصيام يوم 27 رجب، وعدم وجود إجازة، وموسم حصاد القمح.

3-     ثورة التوقعات من الناخبين كانت كبيرة، وأعداد الناخبين المشاركين ليست قليلة، وهي ترقى إلى المعايير الدولية في الانتخابات، كيف؟ هل أعلنت أعداد المشاركين؟

4-      هناك أداء وطني إنساني راقٍ؛ حيث اصطحبت النساء أطفالهن إلى اللجان، (لاحظ أن عددًا من الأطفال يرتدون البزات العسكرية للجيش والشرطة).

5-     انتخابات نزيهة لم تعرف التجاوزات والانتهاكات، لم تعرف الزيت والسكر أو ما يشبههما، ومن ثم فإن الأصوات – وإن كانت أقل من المتوقع – فهي أصوات وطنية "حلال" لم تشُبها تزييف أو رشوة أو تعبئة!! أما العزوف وضعف الإقبال فليس بسبب دعوة المقاطعة التي وجهها التحالف الوطني والإخوان؛ ولذا اقترن هذا التبرير بتعبئة محورها من جديد فزاعة الإخوان، (تذكروا الغبن والإرهاب طوال عام، تذكروا الكنائس المحروقة، الإخوان يحولون دون الناخبين والخروج للتصويت).

6-     تمثيلية الجدل حول مد أجل الانتخابات يومًا ثالثًا كشفت كثيرًا من الأمور: اليوم الثالث أمر طبيعي يتم اللجوء إليه عند الضرورة، ورغم وجاهة اعتراض البعض عليه، (دليل على ارتباك وتخبط وتعرض اللجنة العليا لضغوط سياسية..)، إلا أنه طمأنة للناس بعدم التزوير.

بعبارة أخرى، فإن هذا الوجه الآخر للعملة الذي ظهر في نهاية اليوم الثاني، لا يعني إلا أن الإعلام والنخب الانقلابية مستمرة في دورها الانقلابي، مهما كانت الصفعات والانكشافات، وحتى ولو كان الثمن التضحية بالمضمون الديمقراطي للعملية الانتخابية، التي انكشف لهم زيفها، رغم استمرار ادعاءاتهم حولها، ومن ثم سيظل الإعلام – وفي إطار أكثر تقييدًا لحريات الرأي – ذراعًا لنظام السيسي ضعيف الشرعية، فلن يكون أمامه إلا القبضة الأمنية من جديد، وإلا الاستمرار في التلاعب بالمصريين المخطوفين ذهنيًا، ولكن إلى متى؟!

وفي المقابل، ازداد وضوح الأصوات المعارضة للمهزلة الانتخابية واتساع نطاقها، ولكنها لم تظهر بالطبع على الفضائيات الإعلامية، ولكن ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، ووصل الأمر إلى درجة أن المرشح "الكومبارس" لم يعد بمقدوره الاستمرار في هذه التمثيلية، بعد أن حاول طوال عدة أشهر أن يختلق الدوافع والمبررات لضرورة المشاركة فيها دعمًا لعملية التحول الديمقراطي.. أكان يحتاج للانتظار حتى مدّ اليوم الثالث ليعترف بما يشوب العملية من انتهاكات؟ وهل الانتهاكات التي قصدها والتي أفرغت – وفق قوله – العملية من مضمونها الديمقراطي لم تكن حاضرة من قبل أي قبل أن يتوجه الناخبون إلى الصناديق؟ ألم يسبق لكم القول في وجه د.محمد مرسي، ومنذ البداية، إن الديمقراطية ليست "صندوق انتخابات وعملية تصويت فقط"؟ ففيمَ انتظاركم إذن حتى الآن؟

والأمر يمتد أيضًا من صباحي إلى غيره من مقاطعي الانتخابات الآن أو من مؤيديه الذين سبقوا وأيدوا 30/6 ولم يعتبروا 3/7 انقلابًا: لماذا قبلوا الانتخابات الرئاسية أولاً، ثم قاطعوا؟ ثم هاجموا ما يحدث؟

وللحديث بقية عن "المعارضة المدجنة لرئاسة السيسي"، وعن "خريطة القوى السياسية بعد الانتخابات"، وعن "مصير الانتخابات البرلمانية"، وعن "مصير مقاومة الانقلاب"، وجميعها أمور تستدعي من قريب ومن بعيد سيناريو آخر عن حقيقة موقف الأذرع الانقلابية من العزوف الانتخابي: هل هذا المسلك الإعلامي ذو الوجهين خطة مقصودة أم جرى شرحه أعلاه؟ وهو سيناريو سيتم استدعاء بقيته في الأحاديث التالية


: الأوسمة



التالي
الحرية ..المشترك الإنسانى الأكبر
السابق
الإسراء والمعراج ... بين الألمِ والأَمَل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع