البحث

التفاصيل

تميز وعطاء في مكتبة القرضاوي

الرابط المختصر :

من حق أبناء الأمة أن يتعرفوا على عَلَم من أعلام هذا العصر، بل من أعلام الأمة، وأن يرصدوا جوانب إبداعاته وتميزه، وموارد إسهاماته وعطائه ويتتبعوا سجله الحافل من الإنجاز وتاريخه الوافر من العطاء.


يحق لأبناء الأمة أن يتعرفوا على الإمام القرضاوي.. لا من أقوال المادحين أو القادحين، ولا من تحليلات المحبين أو المبغضين، وإنما مما خط بنان الرجل، وكتبت يداه، وحوت مصنفاته، ونطقت برامجه.


لم يتميز الشخ بالحفظ وإن كان حافظا! ولم يتميز بفن واحد وإن كان له قصب السبق في العديد منها، ولكنه كان رجل الفنون وموسوعة العلوم أينما بحثت عنه وجدته، وفي أي علم طلبته أغاثك.


هذا هو القرضاوي.. فقيه أصولي، محدث مفسر، متكلم صوفي، نحوي لغوي، خطيب واعظ، عالم بمستجدات عصره، يدرك التيارات المختلفة وما تموج به، ويوجه بوصلة العمل الإسلامي نحو آفاق البناء، جامعًا بين الأصالة والمعاصرة، مرشدًا الصحوة الإسلامية من آفات تحاول إجهاضها بالجهل حينا، والتعمد أحيانا.


لا يخشى في الله لومة لائم، يقول الحق عندما يجبن الأفذاذ، ويرتفع به صوته عندما يتخافت الشجعان، يلهب حماسة المسلمين وأعواد المنبر تهتز من تحته، ويحافظ على دعوته أن تتسرب إليها آفات التشدد أو الانحراف برأيٍ دخيلٍ أو فكرة شاذة.


يعف لسانه عن تناول خصمه -وإن كثروا- ويقابل الإساءة بالصفح، والسب الصريح بالتغافل، ويقول بلساني الحال والمقال: لو تفرغت للرد على كل من أساء إليَّ فلن أقرأ سطرًا، أو أكتب كلمة.
ويصدق فيه قول المتنبي:


فإن تفق الأنام وأنت منهم*فإن المسك بعض دم الغزال


وخلاصة قولي في الشيخ: إن الله تعالى اصطفاه لأمر قدره رفع به شأنه، وقدمه على أقرانه، وربما على من هو أعلم منه؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ليقوم بواجب العصر الذي ناء به كواهل غيره.


عندما أتوقف أمام شخصية الشيخ يوسف القرضاوي وهو بشر: يصيب ويخطئ، يوفق ويزل، يدرك ويغفل، إلا أنه قد اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره في هذا الزمان، لا أدعي فيه عصمة وإن قل زللـه، ولا يحتاج لإطراء مثلي وإن لم أوفه حقه، وأنا أكثر الدعاء له، أن يلهمه الرشد والسداد، وأن يجري الله الحق على لسانه وقلمه.. آمين.


عندما تتتبع من كتبوا عنه يستوقفك قول أستاذه الشيخ الغزالي رحمه الله وهو يتحدث عنه قائلا: لقد سبق سبقا بعيدا!


وثناء شيخه مصطفى الزرقا -رحمه الله- حين قال عنه: حجة العصر، وهو من نعم الله على المسلمين.


وتتناثر أقوال المغترفين من منهجه، فتجد عبارات مثل: مجدد العصر.. رجل المرحلة.. حامل لواء التيسير.. فقيه المقاصد.. العلامة المجدد.. فقيه الوسطية.. شاهد القرن.. المصلح المجاهد.. الأديب الشاعر.. الفقيه الداعية البصير بالواقع المعيش. وهنا ألتقط الخيط لأتحدث عن القرضاوي وفقه الواقع.


رأيت لفضيلة الشيخ القرضاوي -حفظه الله- اهتماماً بالغاً بالواقع المعاش الذي يحياه المسلمون صباح ومساء، فهو في كتاباته وأقواله يتعامل مع مشكلات المسلمين فيفهمها في ضوء إنسانيتهم، وفي ضوء حاجاتهم، وفي ضوء قدراتهم، لا يجنح إلى التشديد والمشقة، ولا ينافس في الإيغال والتعنت، وعندما ينطلق من هذا الجانب يبصر من الجانب الآخر تيسير الإسلام وسماحته وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها.


وفضيلة الشيخ كما يجيد فهم الواقع، فهو يبحث للمسلمين عن الطرق المثلى للتعامل مع هذا الواقع كالطبيب الذي يجتهد في معرفة الداء، ثم إذا أدركه وعلم أسبابه أسرع الخطى باحثاً عن الدواء الأنجح والعلاج الأنجع.


كثير من علماء العصر قُصارى جهده أن يحيط بواقع المستجدات النازلة، وأن يدرك الحكم الشرعي فيما شابهها من مسائل فقهية، والكثير هو من يقدر أن يوجه سهام التحريم، أو الرفض والاعتراض على ذلك الواقع، ولكن القليل منهم من يبحث عن طريقة تعايش المسلم مع هذا الواقع. وعن المخرج الشرعي من ذلك المأزق، وهنا يظهر نجم القرضاوي. فالشيخ يرصد المستجدات بدقة، ويدرك النوازع الإنسانية، وتعقد أنماط الحياة الحديثة، ورقة الدين عند كثير من المسلمين.


لذلك تبدأ هذه السلسلة (لقاء في مكتبة القرضاوي) للحديث عن كتبه ومؤلفاته التي قاربت المائتين؛ لتتعرف الأجيال المتعاقبة: ماذا قدم الإمام لدينه ووطنه وأمته.


: الأوسمة



التالي
صفقة إيران الأميركية.. البنود السرية
السابق
من الزواج المثالي إلى الزواج المثلي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع