البحث

التفاصيل

كيف تحدث دماراً أكبر بكلفة أقل في سورية؟ تدهور الأوضاع الإنسانية بريف حلب الشمالي

 يصرخ عدد من المواطنين رعباً، يكاد القلب أن يتوقف حين مشاهدة الفيديو الذي يوثق لحظة سقوط ستة براميل متفجرة على حي سكني في حلب. البرميل القاتل، هو مصدر فخر للنظام السوري، والسبب كلفته الزهيدة، فما هي الخسائر التي يخلفها؟

في ظل نضوب موارد النظام السوري وانهيار أسعار النفط الذي أرهق الاقتصاد الروسي، اكتسب البحث في كيفية "ترشيد المواد" التي تستخدم في قصف السوريين وقتلهم وتشريدهم وتدمير مدنهم واقتصادهم أهمية متزايدة. وتبدو جهود النظامين الروسي والسوري واعدة في هذا المجال، إذ ابتكر الطرفان أسلحة محدودة التكلفة وتمتلك فعالية شديدة بحيث تسببت بقتل مئات الآلاف وبتدمير الاقتصاد السوري وإعادة مؤشر التنمية البشرية في سورية إلى ما كان عليه قبل نحو أربعين عاماً.


بتكلفة متدنية جداً، نجح النظام السوري بابتكار سلاح فتاك وذائع الصيت: "البرميل المتفجر". ولا يخفي أحد المحللين المؤيدين لنظام الأسد سعادته وتقديره لحقيقة أن برميلاً متفجراً يتراوح سعره بين 100-150 دولاراً فقط، يمكن أن يحدث دماراً يعادل ما يحدثه "الصاروخ المجنح الذي يكلف 500 ألف دولار". ثم يتابع المحلل لينخرط أكثر في لعبة الأرقام فيحاول حساب "عدد البراميل التي يمكن إنتاجها بتكلفة صاروخ واحد".

المجزرة المتنقلة
تعتبر البراميل المتفجرة مجزرة عشوائية لا ترتبط بأهداف عسكرية محددة بتاتاً، وإنما تستهدف القتل لكل من يصادف أن يتواجد في مكان إسقاط البرميل. وبدأ النظام السوري باستخدام البراميل، يوم الإثنين 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، ضد أهالي مدينة "سلقين" في محافظة إدلب شمالي سورية، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان. ويشير المصدر ذاته، إلى أن الطيران المروحي الحكومي قام بإلقاء ما لا يقل عن 17318 برميلاً متفجراً خلال 2015. وقد أدى القصف إلى مقتل 2032 شخصاً، بينهم 499 طفلاً و338 سيدة.

ويقول الناشط السوري معلا حمادة لـ "العربي الجديد" إن "عدد البراميل التي يلقيها النظام السوري على مختلف البلدات السورية يومياً يتجاوز 200 برميل". وبحسبة بسيطة نجد أن تكلفتها تقدر بنحو 20 ألف دولار فقط. و"يعادل ذلك تكلفة قنبلة واحدة غير موجهة يمكن أن يحصل عليها النظام السوري من حلفائه وبشكل خاص روسيا" كما يشير الخبير بالشؤون العسكرية سنان نعمة لـ "العربي الجديد". كما يحاول النظام السوري التقنين في الرواتب التي يدفعها للمقاتلين إذ "يدفع لمقاتليه بالعملة المحلية ويتراوح الراتب بين 25 ألف ليرة و40 ألف أي أقل من مائة دولار" يقول معلا.


وليس النظام السوري وحده من يحاول "الاقتصاد" في تكلفة قتل السوريين، ولكن روسيا، أيضاً، تفعل ذلك على نحو متزايد. وتشير الحصيلة المرتفعة جداً للقتلى المدنيين في سورية إلى أن روسيا "تعتمد بصورة أساسية على صواريخ غير موجهة تلقيها على الأحياء السكنية في مناطق المعارضة" بحسب معلا حمادة.


ويفسر الخبير بالشؤون العسكرية، سنان نعمة، ذلك بأن "الاعتماد على صواريخ وقنابل ذكية مكلف للغاية بالنسبة لروسيا في ظل الكثافة النيرانية التي تبتغيها وتراجع أداء اقتصادها مع انهيار أسعار النفط، لذلك تعتمد على القنابل غير موجهة التي تقدر تكلفة القنبلة الواحدة منها بين 15 ألف دولار و20 ألف دولار". ويضيف: "القنابل الروسية غير الموجهة تكلف فقط 10 في المائة من تكلفة الصاروخ الموجه الذي عادة ما تستخدمه الولايات المتحدة في هجماتها ضد داعش، رغم أن السلاحين يمتلكان قوة تدميرية متقاربة مع اختلاف في الدقة".

الدمار ينتقل إلى الأجيال المقبلة
وبحسب مجموعة IHS، تقدر تكلفة الحرب الروسية في سورية بنحو 5 ملايين إلى 7.5 ملايين دولار يومياً، أي بين 1.8 مليار دولار و2.7 مليار دولار سنوياً. لكن، وبحسب تقديرات الاقتصادي الروسي، أندريه ايلاريونوف، لصحيفة غربية فإن حرب بوتين في سورية تكلف نحو 100 مليار دولار سنوياً. فيما تشير التقديرات إلى أن إنفاق إيران في سورية يتراوح بين 6 مليارات إلى 10 مليارات دولار على الأسلحة فقط، أي أن ذلك لا يشمل دعم النظام على المستوى الاقتصادي ودعم العملة السورية.

وتبدو المأساة مضاعفة إذا أخذنا بالاعتبار أن تلك الأسلحة تكلف خزينة الدولة أموالاً باهظة من جهة، وتقوم بدمار هائل يزيد من الخسائر ويضع أعباء مالية ضخمة جداً على الجيل المقبل من جهة أخرى.
وبحسب تقديرات وزارة الاقتصاد السورية التابعة للنظام فإن تكلفة الدمار، مع مطلع العام الحالي، تقدر بنحو 250 مليار دولار ويشمل ذلك كل القطاعات الاقتصادية. يقول الباحث الاقتصادي، عادل الفاضل، لـ "العربي الجديد" إن تكلفة استخدام تلك الأسلحة "المرعبة" تتعدى الخسائر المباشرة الناتجة عن الدمار الكبير، ذلك أنها "تسببت بقتل مئات الآلاف وبإصابة أكثر من 1.5 مليون سوري، ما يضعف، على نحو خطير، نسبة المشاركة في قوة العمل حالياً ومستقبلاً". ويضيف: "كما أدى تدمير القطاعات الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات البطالة على المستوى الوطني لتتجاوز 60 في المائة، أما في صفوف الشباب فالبطالة تتجاوز 80 في المائة وهذه كارثة إضافية لها تداعيات طويلة الأمد".


ويؤكد ذلك تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إذ يشير إلى أن مؤشر التنمية البشرية في سورية انحدر إلى المرتبة التي كان عليها قبل 38 عاماً، ما يعني أن العمر المتوقع لكل سوري، مستوى التعليم وانتشار الأمية، مستوى المعيشة، فرص الحصول على عمل، كل تلك المؤشرات تراجعت إلى ما كانت عليه في العام 1977.


ويشير مركز التنمية الدولية في جامعة هارفرد إلى أن الحروب الأهلية التي تنخرط فيها الحكومات تخفض الناتج المحلي الإجمالي وسطياً بنحو 1.5 في المائة سنوياً. لكن حرب النظام السوري تجاوزت كل التوقعات إذ أدت إلى انحدار الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 وحده بمعدل تجاوز 20 في المائة.


البراميل المتفجرة المرعبة كانت السبب الرئيسي في حدوث نزوح جماعي للسكان في المناطق التي تتعرض للقصف. وبحسب تقرير للمركز السوري لبحوث السياسات فقد اضطر أكثر من نصف السكان (%52.4) إلى مغادرة أماكن سكنهم المعتاد طلباً للأمان وظروف معيشة أفضل، وهو ما جعل اللاجئين من سورية يشكلون "أكبر مجموعة لاجئة في العالم". ويقدر المركز أنه مع مطلع 2015 يكون أكثر من 6 في المائة من مجموع السكان المقيمين في سورية قد تعرضوا للقتل أو الإصابة أو التشوه. وبذلك يكون العمر المتوقع عند الولادة قد تراجع من نحو 76 سنة في 2010 إلى 55.7 في 2014. -

تدهور الأوضاع الإنسانية بريف حلب الشمالي

تدهور الأوضاع الإنسانية بريف حلب الشمالي

تدهورت الأوضاع الإنسانية بشكل متسارع في مختلف المناطق السورية، منذ بدء الطيران الروسي عملياته في الأجواء السورية، أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي، حيث نفذت آلاف الطلعات الجوية، التي استهدفت التجمعات السكنية والمراكز الحيوية، ومنها ريف حلب الشمالي، ما تسبب في تهجير أكثر من 70 ألف مدني من منازلهم هرباً من القصف، في ظل أوضاع إنسانية سيئة.

وقال الناشط الإعلامي بهاء الحلبي، في ريف حلب الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الغارات الجوية الروسية على مدار الساعة خلال الفترة الماضية، التي تستهدف المناطق السكنية والمراكز الحيوية كالمشافي الميدانية والنقاط الطبية، تسبب بأزمة إنسانية، مع نزوح 70 ألف مدني معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، من معظم الجزء المحاصر من الريف الحلبي الشمالي والذي يضم أكبر البلدات والمدن، ومن أهم المناطق التي شهدت نزوحا هي، حريتان ورتيان حردتين وتل جبين وتل رفعت ومسقان ودير جمال وكفر حمرة عندان وإعزاز ومارع".

ولفت إلى أن "النازحين يعانون من ظروف إنسانية صعبة جداً، في ظل تواجدهم في العراء، رغم الوضع الجوي السيئ ودرجات الحرارة المنخفضة، إضافة إلى نقص شديد في المواد الغذائية والطبية، بالوقت الذي أغلقت فيه تركيا حدودها بوجه النازحين، في حين عجزت المؤسسات الإنسانية أمام الأعداد الكبيرة عن تلبية الحاجات الإنسانية لهم".

وأضاف أن "الفصائل المسلحة المتواجدة في المنطقة المحاصرة اتفقوا مع القوات الكردية المسيطرة على عفرين، على السماح للنازحين بالعبور من مناطقهم إلى الجزء الآخر من الريف الشمالي المتصل مع مدينة حلب وريفها الغربي، ما سيزيد من سوء الأوضاع الإنسانية في هذه المناطق".

من جانبه، قال الصحافي، مصطفى محمد، من حلب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك هجوماً عنيفاً على ريف حلب الشمالي من قبل النظام والمليشيات الموالية له والروس، وذلك لاعتقاد الأخيرة أن فصل حلب عن تركيا هو تطور قد ينهي الثورة من جذورها".


العربي الجديد


: الأوسمة



التالي
سيف الإسلام حسن البنا
السابق
أهل السنة في الشام والعراق.. رعايا لا مواطنون!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع