الحلقة الأولى
المواطنة والوطن في اللغة:
المواطنة من: واطنه على الأمر مواطنة ، وواطن
القوم: عاش معهم في وطن واحد.
وفعل واطن بمعنى شارك في المكان مولداً وإقامة؛
لأن الفعل على وزن «فاعل» [1].
وفي «المعجم الوسيط»: الوطن: مكان إقامة الإنسان ومقرُّه ، وُلد به أو لم يولد .
وتمتد جذور الوطن والمواطنة إلى آدم وزوجه عندما
كانا يسكنان الجنة ، ويأكلان منها رغداً حيث شاءا ، وكانت كل حاجتهما مكفيَّة ، كما
قال الله تعالى لآدم في الجنة: ِ {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى
*وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى *} [طه: 118 ـ 119] .
فلما أهبط الله ادم وزوجه من الجنة ، بقيا هما وذريتهما بما قُدر لهم من الخلافة في
الأرض ، وعمارتها ، وعبادة الله فيها: كانت الأرض مهيأة لتكون كلها وطناً ومستقراً
لادم وذرّيته من بعده ؛ ولهذا قال الله تعالى في القران مخاطباً ادم وزوجه وإبليس معهما:
َ {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ
إِلَى حِينٍ *} [الأعراف: 24] .
وهكذا كانت الأرض كلها في أول الأمر وطناً لادم
وأولاده ، لا تزاحم ، ولا تنافس ، ولا اختصاص بمكان دون مكان.
فلما كثرت ذرية آدم وانتشرت ، بدأ الناس يتجمَّعون
في أماكن بحكم الطبيعة الاجتماعية للبشر ، حتى قال الأقدمون: الإنسان مدني بطبعه ،
وكان الناس يتجمعون في بلدان أو قرى ، ويتخذ كل منهم لنفسه ولأهله وولده بيتاً يأوي
إليه ، يكنّه من القرِّ والحرِّ ، ويستره من أعين الناس ، ويمارس فيه خصوصيته ، ومن
مجموع هذه البيوت تكون القرية التي يترابط أهلها فيما بينهم بروابط شتى: كالنسب ، والمصاهرة
، والجوار ، والصداقة ، والزمالة في العمل ، والاشتراك في تأمين حاجات القرية والدفاع
عنها ، ومن هذه القرية ، أو البلدة ، أو المدينة: بدأت قضية «الوطن» ، فحين تعدَّدت
البلدان والقرى ، واضطر الإنسان لسبب أو لاخر إلى أن يهاجر من بلده ؛ لم ينس الموضع
الأول الذي عاش فيه ، وكوَّن به علاقات حميمية من أهل ، وأصهار ، وأقارب ، وأصدقاء
، وأحبَّة ، وأمسى مرتبطاً عاطفياً بذلك المكان وأهله ، كما عبر عن ذلك أبو تمام بقوله:
نقلْ فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحبُّ إلا للحبيب الأولِ
كم منزلٍ في الأرض يسكنه الفتى وحنينُه أبداً لأول منزلِ
وكان
الوطن أول الأمر يتعلق بتلك القرية أو المدينة ، ثم تطورت حياة البشر وعلاقاتهم فتكوَّنت
أوطان أكبر من ذلك ، تشمل إقليماً كبيراً ، ثم عدَّة أقاليم تنتظم تحت سلطان واحد يجمعها:
دينيّ ، أو اجتماعي ، أو سياسي[(3)].
وخلاصة القول في المعنى العام للوطن قديما:
فإننا نرى فكرة «الوطن والوطنية» تقوم على حاجة
الإنسان إلى المكان ، وارتباطه به ، وهذا أمر طبيعي ، فكلُّ كائن حيّ محتاج إلى مكان
أو مأوى يلوذ به ، فالوحوش لها حجورها ، والطير لها أعشاشها.
وقد نرى الطيور والأسماك ونحوها تسير المسافات
الشاسعة ، وقد تخترق البحار والمحيطات ، ثم تعود إلى أماكنها الأولى ، أي: إلى أوطانها
، لا تضلُّ طريقها إليها ، بحاسة الهداية العامة التي منحها الله لكل مخلوقاته[(4)]:
َ {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى *} [طه: 50]
.
فالمواطنة كلمة لها أصل عربي مرتبط بموطن الإنسان
، ومستقره ، وانتمائه الجغرافي ، لكنها في نفسها كتركيب ، ومصطلح تم استحداثها تعبيراً
عن الوضعية السياسية والمدنية والحقوقية للفرد في الدولة ، وبذلك تكون «المواطنة هي:
رابطة التزامية تقوم في زمان ومكان واحد» [(5)].
_______________________________
ـ[1] معجم
الأغلاط اللغوية المعاصرة ، محمد العدناني ص (725) ، شذا العرف في فن الصرف ، محمد
الحملاوي ص (42).
ـ[2] لسان
العرب ، محمد بن منظور (15/338).
ـ[3] الوطن
والمواطنة ، د. يوسف القرضاوي ص (13) إلى (15).
ـ[4] المصدر
السابق ص (15).
ـ[5] المواطنة
في الإسلام ، علي عبده أبو حميدي ص (12).