البحث

التفاصيل

السوريون يحيون ذكرى مجزرة حماة 1982

أحيا الثوار في سوريا يوم الخميس 2/2/2012م ذكرى مجزرة حماة التي نفذها النظام السوري في 2 فبراير عام 1982 في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، والتي راح ضحيتها أكثر من 40 ألف قتيل من أهل السنة في تلك المدينة التي كانت معقلا لحركة الإخوان المسلمين.

 ودعت المعارضة السورية المجالس الثورية والتنسيقيات في سوريا والصفحات الإعلامية الثورية للمحافظات، للمشاركة الفعالة تضامنا مع ضحايا المجزرة، وما تعرضت له مدينة حماة من إجرام لمرتين؛ الأولى خلال المجزرة والثانية من خلال التعتيم عليها لمدة ثلاثين عاما.

 ويترافق إحياء الذكرى في الداخل السوري، مع تحرك في عدة دول عربية وأجنبية يتولاه المغتربون السوريون، ويبدأ بإعداد ملف قضائي لمحاكمة مجرمي المجزرة أمام محكمة الجنايات الدولية وانتزاع اعتراف دولي بها.

 وأطلقت المعارضة على برنامج نشاطاتها لليوم الخميس اسم مجزرة حماة ومحاكمة مجرميها, أما تحرك الغد فعنوانه جمعة عذراً حماة.. سامحينا.

 ويشارك في الفعاليات كل من المجلس الوطني السوري الذي يضم أطياف المعارضة في الخارج ولجان التنسيق المحلية التي تمثل المعارضة في الداخل، وكذلك الهيئة العامة للثورة السورية، إلى جانب عدة جهات أخرى مؤيدة للثورة.

 ومجزرة حماة هي أعنف حملة عسكرية موسعة شنها النظام السوري في عهد والد الرئيس الحالي بشار الأسد، وبقيادة قائد جيوشه الجنرال رفعت الأسد، عم بشار. وبدأت المجزرة في 2 فبراير عام 1982 م واستمرت 27 يوماً، دك خلالها الجيش السوري أحياء المدينة بالطائرات والمدفعية الحربية وحاصرها، ثم اجتاحها برا.

 ونفذت وحدات الجيش المكونة أساسا من العلويين -وهي الطائفة التي تنتمي إليها عائلة الأسد- أبشع أنواع التنكيل بحق أهل السنة من قتل عشوائي واغتصاب واعتقال وتعذيب. ولم ينج من المجزرة سوى أنفار استطاعوا الهروب من المدينة لكن الخوف من الملاحقة الأمنية منعهم من الحديث إلى الإعلام باستثناء تسريبات.

 واستند النظام في تلك المجزرة على اتهامات ساقها ضد جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت حماة بمثابة معقلا لهم، بتسليح عدد من كوادرها وتنفيذ اغتيالات وأعمال عنف في سوريا من بينها قتل مجموعة من طلاب مدرسة المدفعية في يونيو 1979 م في مدينة حلب شمال سوريا. لكن الجماعة نفت تلك التهم وتبرأت من أحداث مدرسة المدفعية.

 وشن نظام حافظ الأسد حملة على الجماعة شملت حظرا لها، كما أصدر القانون 49 عام 1980م الذي يعاقب بالإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.

 وسقط في مجزرة حماة نحو 40 ألف قتيل, لكن التقديرات اختلفت بين عدة مصادر, فقد قالت التقارير الدبلوماسية الأجنبية حينها إن عدد القتلى بلغ ألفا فقط، أما اللجنة السورية لحقوق الإنسان فقد قدرت الرقم بما بين30 و 40 ألفا، غالبيتهم العظمى من المدنيين، وقضى معظمهم رمياً بالرصاص بشكل جماعي، ثم دفن الضحايا في مقابر جماعية. وقالت إن أحياء بكاملها هدمت على رؤوس أصحابها كما هدم 88 مسجداً وثلاث كنائس، فيما هاجر عشرات الآلاف من سكّان المدينة هرباً من القتل والذّبح والتنكيل.

 أما الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك الذي كان في حماة بعد المجزرة بفترة قصيرة فقد قال إن عدد الضحايا 10 ألاف تقريباً، وقالت جريدة الإندبندنت إن العدد يصل إلى 20 ألفاً, أما توماس فريدمان الصحفي الأمريكي الشهير فقد قال إن رفعت الأسد قام بالتباهي بأنه قتل 38 ألفاً في حماة.

 وهناك كذلك 15 ألف مفقود في تلك المجزرة لم يتم العثور على أثارهم منذ ذلك الحين، ولا يُعرف أهم أحياء في السجون العسكرية أم أموات.

 واضطر نحو 100 ألف نسمة إلى الهجرة عن المدينة بعد أن تم تدمير ثلث أحيائها تدميراً كاملاً. تعرضت عدة أحياء وخاصة قلب المدينة الأثري إلى تدمير واسع، حيث وصف شهود عيان آنذاك الحملة بأنها استهدفت القضاء على الطابع الإسلامي التراثي للمدينة.

 وليست هذه هي المجزرة الوحيدة التي نفذها حافظ الأسد بحق الشعب السوري، لكنها الأسوأ على الإطلاق. ونكل حافظ بمعارضيه في مجازر أخرى عرفت بمجزرة سجن تدمر، ومجزرة سجن صيدنايا، ومجزرة القامشلي، ومجزرة حلب.

الصحفي والكاتب السوري المقيم في عمان، محمد الفاروق إمام، يقول: لقد حفرت صور المذبحة ومشاهدها جرحا عميقا في وجدان وعقول السوريين، بينما ما يزال يعاني أهالي حماة من آثارها لغاية الآن مع عشرات آلاف المفقودين الذي لا يعلم مصيرهم إذا كانوا أحياء في السجون والمعتقلات أم أموات دفنوا في مقابر جماعية مجهولة.

لكن امام لا يرى أن المذبحة أتت بنتيجة كما كان يرغب مرتكبوها، فحماة تفجرت من جديد، ولم تستكن ولم ترض أن تكون درسا ينساه التاريخ، فقد انتفضت بأبنائها الشباب، لكن هذه المرة برفقة سلاح مهم وهو الاعلام وكاميرا الجوال، وهو الذي لم يكن متاحا إبان المجزرة الأولى.

وتابع : إنها كارثة إنسانية، تبعث على الألم، لكنها باعثة على إرادة التغيير أيضا، فالمأساة خلقت شعورا بأن لا سبيل للتعايش مع هذا النظام، وأن الاصلاح المزعوم لن يؤتي ثماره دون تغيير جذري يقتلع ثقافة الظلم والاستبداد ويحاسب كل من تلطخت يداه في قتل المواطنين، على حد تعبير امام.

ويلفت الكاتب الصحفي إلا أن الالام والمآسي لها مخرجين، الاول اليأس والقنوط، والثاني الغضب الذي يدفع إلى الاصرار على عدم تكرار سيناريو المذبحة، وهو الامر الذي زود الروح الثورية بمزيد من الاصرار للتخلص من الظلم والاضطهاد.

وبين أنه رغم أن كثير من الناس ظنوا أن حماة وسوريا بأسرها ماتت وانتهت مع المجرزة، لكن اتضح ان العكس هو الصحيح، وأن الذاكرة الشعبية عن المذبحة تبقى شاهدا صارخا يعبر عن مطلق  الرغبة في تغيير الأوضاع، وأن يقرر الشعب مصيره ويأخذ ناصية حريته التي صودرت منه على مر عشرات السنين.

وبدأت الاحتجاجات في سوريا في 18 مارس 2011 حين نزل محتجون استلهموا انتفاضات في دول عربية أخرى إلى شوارع مدينة درعا الجنوبية، ورد الأسد في البداية بوعود إصلاح غير واضحة ، لكن مع تواصل المظاهرات استخدم الجيش في قمع الاحتجاجات، وشهدت مدن حماة ودرعا وتلكلخ وبانياس وبلدة الرستن حملات عسكرية مكثفة، راح ضحيتها مجددا أكثر من خمسة آلاف سوريا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

الناشط في الثورة السورية والذي قضى 23 من حياته في سجون دمشق على إثر أحداث حماة  قبل أن يلجأ الى الأردن أبو أحمد، يشير إلى مثل شعبي دارج "الأسى لا ينتسى"، ويقول إن "الابناء ورثوا الما لا يقل مرارة عن ألم آبائهم الذي عاشوا في خضم المجزرة.

 لكن هل يكون ذلك دافعا لثورة ثأر هدفها فقط الانتقام ممن ارتكبوا المذبحة، أم لثورة تغيير تسعى لبناء بلد تسوده العدالة والحرية واحترام الناس.

يجيب أبو أحمد خلال حديثه لـ"إسلام أون لاين"، إن "أغلب المنخرطين حاليا في الثورة وخصوصا الشباب لم يشهدوا مذابح النظام وخصوصا حماة، ودافعهم بشكل أساسي بناء دولة قوية توفر الحياة كريمة لمواطنيها في نظام يسوده العدل، وجزء ممن شهدوا المجزرة يودون أن يثأروا لإخوانهم الذي قتلوا وشردوا لكن ذلك لا يعني أن هذا هو هدفهم الوحيد، فالُرغبة اساسها إحقاق الحق وليس التعدي والظلم.

ولا يتردد أبو أحمد في القول أن على الثوار أن يسألوا أنفسهم، لماذا تأخر النصر؟ ولماذا تأخرت الثورة؟ ويجدون في إجابة تلك الاسئلة بحثا لازما عن أسباب الضعف والاستكانة والتفكك، لا يجب الهروب منها خصوصا وأن الثورة تريد تغيير المفاهيم وبناء كيان سياسي واجتماعي جديدين.

حكايات المجزرة الدموية في حماة لا تنتهي، فكل ضاحية وكل شخص في تلك المدينة المكلومة يحمل قصصا لا تنتهي من العذاب والمعاناة، إلا أن واحدة من تلك القصص لخصت انتهاك حرمة الكرامة التي دفعت الكثير من السوريين لتقديم أرواحهم في سبيل  الحرية.

يقاوم محمود الحموي دموعه عندما يستذكر جده الذي مات ولم يرى أبنائه بعد خروجهم من حماة، الجد الحزين فقد واحد من أبنائه في المجزرة، وتشردت بقية عائلته في أنحاء شتى من المعمورة، وقبل وفاته كانت أمنيته الوحيدة أن يرى أبنائه مجتمعين أمامه تحت سقف واحد ولكن تلك الامنية لم تتحقق.

ويقول الحموي أن جده طالما تألم من جراء المهانة التي لم تقدر كبر سنه ومصابه في أولاده، فالمخابرات السورية لم تكف عن طلبه مرار وتكرارا للسؤال عن أبنائه، ورغم اخباره لهم في كل مرة انه لا يعرف اماكنهم وانه بوده ان يعرف لكي يستطيع رؤية ابنائه قبل موته، لكن ذلك لم يقنع ضباط الامن الذين كانوا يكيلون له الشتائم والإهانات.


: الأوسمة



التالي
مباحثات دولية بشأن مغادرة الأسد إلى المنفى
السابق
مرشد الإخوان يدعو لحوار وطني عاجل ويؤكد: مجزرة بورسعيد لن تمر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع