البحث

التفاصيل

بيان للشيخ القرضاوي حول الانتخابات الرئاسية بمصر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه، وبعد:

ففي هذه اللحظة التاريخية الفارقة في حياة بلدنا الحبيبة مصر، وهي تودع حقبة غير محببة من تاريخها، امتلأت بالفساد بكل أنواعه، وحرمت من حقها في اختيار من ترغب فيه، على أسس اختيار صحيح، بكامل إرادتها، وهي تستقبل تاريخا جديدا ـ كذلك ـ بعد الثورة المباركة، وتكتب السطر الثاني في حريتها؛ بانتخاب أول رئيس منتخب انتخابا حقيقيا في حياتها المعاصرة.

أجد لزاما علي في هذه اللحظة - التي ننتظر أن تدفع مصر والعالم العربي إلى الأمام - أن أتوجه إلى أبناء وطني الشرفاء بهذه الرسائل:

أما رسالتي للمرشحين:

فعليهم أن يلتزموا باحترام المبادئ، والقيم، والأخلاق، والقانون، قبل العملية الانتخابية، وأثناءها، وبعدها، وأن يوصوا أتباعهم بذلك، وأن يحرصوا على حماية العملية الانتخابية من عبث العابثين، وأن يحرصوا على رعاية مقدرات الوطن، والملكيات العامة والخاصة. وعدم بث روح الفرقة، والعصبية بين أبناء وطننا، فنود أن تكون المنافسة شريفة، تليق بوطننا وشعبنا، الذي يراقب العالم سلوكه في هذا اليوم، كما راقبه من قبل في ثورته المعلمة، والتي أثنى الجميع على حسن خلق كل من كان في الميدان.

وبعد أن عرض المرشحون أنفسهم على الشعب، واجتهدوا في وضع برامجهم للنهوض بمصر، وقدم كل منهم أوراق اعتماده للشعب، وارتضوا حكمه، أيا كان اختيار الشعب الحر الكريم، عليهم أن يسلموا لاختيار الشعب المصري الواعي، وعليهم جميعا أن يعاونوا من اختاره الشعب في انتخابات يجب أن يحرص الجميع على حريتها، ونزاهتها، وعدالتها، وشفافيتها.

وعليهم كذلك أن يستمروا في خدمتهم لوطنهم مصر، كل بما يستطيع، ولو بذل كل واحد منهم في خدمة البلد مثل ما بذل من جهد في الحملة الانتخابية فقد ربح، وإن لم يفز بمنصب الرئاسة، وخدمة الوطن ليست مقصورة على هذا المنصب، وإن كان بالطبع أكثر نفعا، وأبعد تأثيرا، وسوف تبين الأيام صدق كل من عرض نفسه، إن كان صادقا في خدمة الوطن، فلن يفرق معه أن يخدمها رئيسا أو مرؤوسا، فالمنصب محدود، ولكن الوطن لا حدود له.

ورسالتي للناخبين:

أن يحرصوا على المشاركة في العملية الانتخابية بكثافة وإيجابية، كما شاركوا في انتخاب مجلس الشعب أو أشد، فالعالم العربي والإسلامي يعوّل على تقدم مصر قاطرة البلاد العربية والإسلامية، بل العالم أجمع ينتظر ليرى ما يفعل المصريون، والكل يراهن على وعي الشعب المصري، وحرصه على بلده.

كما أن عليهم أن يحسنوا اختيار مرشحههم للرئاسة، قائمين بالقسط، شاهدين بالحق،منكرين لشهادة الزور، بعيدا عن تأثير المال، وحملات الدعاية المغرضة، ومن يعملون لمصالح أخرى غير مصلحة الوطن، أو يريدون إعادة إنتاج الماضي البغيض، وفساده الذي أخر البلاد، وأذل العباد.

ورسالتي للقضاة:

يا قضاة مصر وفخرها، وحصن النزاهة المنيع فيها: إن الشعب المصري يعول عليكم، وأنتم ـ إن شاء الله ـ على قدر المسؤولية، وقد وضع ثقته فيكم من قديم، ولا يزال يعول على ثقته ـ بعد الله ـ فيكم، ويعتبر وجودكم صمام الأمان لنزاهة الانتخابات، وننتظر أن يرى الشعب هذا بعينه، ويلمسه واقعا مشهودا. وأي جهد تبذلونه أيها القضاة في هذا السبيل، مأجور عند الله، مشكور عند الناس، مذخور لكم في صحائف التاريخ.

ورسالتي لرجال الأمن:

أن يوفروا الأمن للناخبين، وأن يؤمّنوا العملية الانتخابية بجميع أركانها، وأن تجري الانتخابات في جوء من الهدوء والطمأنينة، وألا يسمحوا للبلطجية، ولا لأذناب العهد البائد، أن يفسدوا على المصريين عرسهم الديمقراطي، وأنتم قادرون على ذلك بإذن الله، كما فعلتم في الانتخابات النيابية، فإذا صحت النوايا، وقوي العزم، كان توفيق الله حليفنا جميعا.

وأخيرا: فبعد ظهور نتيجة الانتخابات، التي يجب على الجميع أن يتعاون على حيادها ونزاهتها وعدالتها، وقد تعاون الجميع على الخروج بها على أفضل ما يكون، من مرشحين، وناخبين، وقضاة، ورجال أمن، يجب أن يسلم الجميع بنتيجة هذه الانتخابات، من وفقه الله في الانتخابات، ومن لم يوفق، فمصر وطن الجميع، ومصر في حاجة إلى جهود الجميع، والمسألة لا خسارة فيها ولا فوز، فيكفي أن تفوز مصر بحريتها، ورئيسها المنتخب، وميدان العمل واسع يستوعب كل الجهود، فلن يستطيع فصيل ولا تيار سياسي مهما بلغت قوته، وحسن تنظيمه وتخطيطه، على القيام بعبء النهوض بالوطن وحده، والمسؤولية ليست فردية في النهوض بالوطن، بل هي مسؤولية جماعية، سيسألنا عنها الله عز وجل، وسوف يحاسبنا عليها التاريخ والناس.

وعلى الجميع أن يبين بالحال لا بالمقال، أن هدفه من الترشح، والمشاركة في العملية السياسية: المصلحة الوطنية، لا المجد الشخصي، بأن يتعاون مع الفائز، وينصح له، ويقدم له التهنئة والدعم، ويبذل له المشورة، ويعاونه في حل مشاكل البلد، وما أكثرها.

نسأل الله أن يحفظ مصرنا، بلد الحضارة، ومحضن العروبة، وموئل الإسلام، وأن يجعلها آمنة مطمئنة، سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين، وأن يقدر لها الخير، وأن يكتب لها رئيسا تتحقق على يده العزة، والرفعة، والأمن، والكرامة، والرخاء والعافية، اللهم آمين.

 

يوسف القرضاوي

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


: الأوسمة



التالي
العودة: ربع أطفال الخليج يتعرضون للتحرش
السابق
محمد عمارة: المسلمون يحكمون روسيا الاتحادية عام 2050

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع