البحث

التفاصيل

أوغلو يدعو إلى حلف نصرة المظلوم ويحذر من التقسيم العرقي والطائفي

أحمد منصور
شهد الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته حينما كان عمره 20 سنة حلفا في دار عبدالله بن جدعان التيمي القرشي يسمى «حلف الفضول» شهدته قبائل قريش هاشم وزهرة وتيم بن مرة تعاهدوا فيه على أن يكونوا يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه.

وقد قال الرسول صلى عليه وسلم عن هذا الحلف بعد بعثته «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبدالله بن جدعان ما أحب إلي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت».

مـأساة البشرية اليوم وربما على مدار تاريخها في الظلم، وانحياز الظالمين إلى بعضهم البعض، وضعف المظلومين وعدم وجود من ينصرهم، ويتجلى هذا الأمر بشكل واضح في عالم اليوم، فقد غابت القيم الإنسانية عن عالم اليوم، لأن الذي يمسك بزمامه الماديون عديمو الإنسانية الذين يسعدون بممارسة الظلم، لذلك فإذا نظرنا حولنا نجد أن مآسي العالم كله متمثلة في طرف قوي ظالم وطرف ضعيف مظلوم، تذكرت حلف الفضول وهذه المعاني خلال حواري الأخير مع رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، مهندس السياسة الخارجية التركية، صاحب القيم والمبادئ في عالم يخلو منها لاسيما في عالم السياسة القائم على الخداع والأكاذيب، وقد قدم رئيس الوزراء التركي من خلال الحوار دروسا قيمة في علم السياسة والأخلاق والقيم في عالم غابت عن الساسة فيه تلك القيم، فحينما سألته عن أثر هجرة ما يقرب من مليوني سوري على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تركيا أجاب قائلا:

«لنعترف أولا أنه لو انتقل مليونا إنسان من منطقة إلى منطقة داخل تركيا فإنهم سيتسببون في مشاكل وهم في نفس البلد، ولكن إذا كانت قلوبكم واسعة وتعتبرون هؤلاء الناس إخوة لكم، فلن تعتبرون ذلك عبئا، نعم نحن نواجه مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة بسبب تواجد اللاجئين السوريين، لكن حكومتنا لم تنظر أبدا إلى إخواننا السوريين على أنهم عبء علينا، اعتبرناهم أمانة لدينا من عند الله، تعاملنا معهم كالأنصار، فهم المهاجرون ونحن الأنصار، وفي الحقيقة نفقاتنا على اللاجئين السوريين فاقت 4.5 مليار دولار، تقاسمنا خبزنا وطعامنا معهم، نحن لسنا أغنياء بالنفط وليس لدينا موارد طبيعية غنية، نحاول مساعدة إخواننا السوريين بالضرائب التي نحصل عليها من الشعب، ومع ذلك لم نر أحدا من الشعب لغاية الآن يقول لنا أنتم مخطئون، ظهر البعض وانتقدنا، ووقعت مشاكل اجتماعية كبيرة، فعدد اللاجئين السوريين في مدينة كيليس حاليا يفوق عدد سكان المدينة، وفي غازي عنتاب وصل عددهم إلى نصف سكان المدينة، والنسيج الاجتماعي هناك يتأثر بذلك بالطبع، عدد الطلاب السوريين الدارسين في مدارس مخيمات اللاجئين فقط وصل إلى سبعين ألفا، وعدد الطلاب خارج المخيمات 450 ألفا، والجميع يدرس.. لم نترك أحدا دون دراسة في المخيمات، لأننا لا نريد أن يضيع جيل من السوريين إذا طال أمد الأزمة، قمنا بتعيين معلمين سوريين من المخيمات ودفعنا لهم مرتبات، وهم يقومون بتدريس أبنائهم بتمويل منا، ولكي لا تتأثر كرامة اللاجئين السوريين في المخيمات أوقفنا توزيع الطعام في المخيمات، ونقوم بإعطائهم صكوكا شهرية.
 

أوغلو يقدم درساً في الإنسانية!  
 
  يكمل رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إجابته عن نصرة المظلومين السوريين فيقدم للعالم درسا في الإنسانية والسياسة وأصول الحكم قائلا: «هؤلاء لجؤوا الينا، ونحن نحاول مساعدة إخواننا بالقدر الذي نستطيعه، وللعلم فقد دخل تركيا 178 ألف شخص من عين العرب- كوباني وحدها خلال ثلاثة ايام، وخلال أسبوع استقبلنا 200 ألف شخص.

بعضهم أقام عند أقاربه والبعض دخل المخيمات التي أقمناها، ونحن بدورنا قمنا بدفع مساعدات للذين أقاموا مع أقاربهم، إن هذه المساعدات لا تقتصر على المسلمين أو طائفة معينة، فقد استقبلنا أيضا 36 الف يزيدي من العراق ونهتم بهؤلاء أيضا، وأكمل داوود أوغلو قائلا: «وللأسف حساسيات المجتمع الدولي تكون في مواقع معينة وتجاه شرائح معينة فقط، أما بالنسبة لنا فلا يهم أن يكون يزيديا أو مسيحيا او شيعيا أو سنيا..لا فرق ابدا لأنه إنسان، نحن نعتبر كل من يأتي إلى بابنا هو ضيف الرحمن حسب تقاليدنا، وفي بيتنا الذي يقع في قرية نائية على قمة جبال طوروس، حيث ولدت أنا، كانت هناك غرفة كبيرة مفتوحة الباب دائما، يأوي إليها كل من يزور المنطقة أو يحتاج لشيء، وهي غرفة وقفية منذ ثلاثة أو أربعة قرون، ونحن نقدم فيها الطعام وكل ما يحتاجه المسافر حتى نفقات الطريق إلى المكان الذي يقصده، وكانت لدينا وثيقة موروثة من جدنا يكتب فيها أن «أي رجل من عائلة داوود أوغلو لا يقدم العون للناس فهو منبوذ»، والآن أصبحت رئيس وزراء تركيا وأصبحت مسؤولية البيت التركي لدي، فكيف أغلق بابي في وجه الضيف القادم لنا؟ كيف أدير ظهري لمن اتانا مستغيثا من كرب ألمّ به وأبقى جالسا مستريحا؟ كيف اسأل القادم إن كان عربيا أو تركيا أو كرديا؟ سنستقبل الناس مهما كانوا.. وحتى لو تجاوزت النفقات 4.5 مليار دولار، وسنقدم كل ما بوسعنا، لكن على كل العالم أن يرى ذلك، وعندما جاء المندوب السامي لمفوضية اللاجئين الدولية الى المخيمات لدينا قال انها رائعة».

وحينما سألته عن قرار قبول الطلبة السوريين للدراسة في الجامعات التركية دون امتحانات قبول رغم الشروط الصعبة التي توضع للطلبة الأتراك قال داوود أوغلو «هذا صحيح، دخول الجامعات في تركيا صعب جدا، ولكن عندما يتقدم السوريون يدخلون جامعاتنا، نخضع الاتراك لامتحان جامعات ولا ينطبق هذا على السوريين الذين يدخلون دون امتحان، واليوم وخلال لقائي مع رجال أعمال أتراك، أبلغتهم نيتنا منح إذن العمل للسوريين بشكل مؤقت لكي يتمكنوا من كسب رزقهم بالحلال، وتكون حياتهم أكثر تنظيما، وإن شاء الله عندما يعم السلام في سوريا يعودون لديارهم، ونأمل أن يدعوا لتركيا آنذاك، رجال الأعمال سألوني لماذا نسمح للسوريين بالعمل ونسبة البطالة في تركيا 9-10 في المائة، قلت لهم: نحن نؤمن بأن اليد التي تمتد لمساعدة المظلوم يبارك فيها الله تعالى، ونؤمن أن هناك حصة للمظلومين في مخصصات تنمية تركيا الاقتصادية، نحن ننحدر من ثقافة لا تنظر إلى كل شيء نظرة مادية، إن شاء الله تحل البركة على ميزانيتنا التي نجمعها بالضرائب بفضل ما نقدمه من مساعدات، ونعتقد أنه إذا حرمنا المظلومين من ميزانيتنا فإن الله سيمنع عنا البركة والخير في هذه الميزانية، ولذلك عندما جاء المهاجرون الى المدينة واستقبلهم الأنصار، لم تنقص أموال الأنصار، وبعد ذلك ظهر الكثير من الأغنياء في الأنصار، المهم هنا هو فتح الباب أمام المهاجرين».
 

 أوغلو يحذر من التقسيم العرقي والطائفي 

في ذكرى مرور ما يقرب من مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو التي أبرمت في العام 1916 بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم إرث الدولة العثمانية في المنطقة والذي نتج عنه تقسيم الدول العربية ودول المنطقة بالشكل الذي هي عليه الآن، حذر رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو بشدة من المخطط الذي تروج له وتسعى لتنفيذه بعض القوى الغربية من إعادة تقسيم المنطقة من جديد.

وقال أوغلو في الحوار المطول الذي أجريته معه في برنامجي «بلا حدود» في الأسبوع الماضي والذي أعتبره وثيقة في السياسة والفلسفة ونظام الحكم والأخلاق والإنسانية «في الحقيقة ان هناك خاصية في الشرق الأوسط قادمة من الثقافات العريقة فيه، وهي أنه لا توجد أي مدينة أو حي أو مكان يعتمد على عرق واحد، في كل مدينة لدينا.. سواء كانت اسطنبول أو بغداد أو القاهرة أو دمشق أو كانت القدس، كل هذه المدن هي خليط من الأعراق.. ولا تقتصر على عرقية واحدة، وهذا الأمر موجود في هذا القرن أو القرن الماضي أو الألفية الماضية، والقومية في الغرب ومساعي إقامة الدولة القومية فيها، أدت إلى تقسيم مدننا وبلادنا وجعل المناطق إما خاصة بالأتراك أو العرب أو الأكراد أو الإيرانيين، وفي الحقيقة أنه تمت تفرقة الثقافات المترابطة.. عن بعضها، مثلا جعلوا بعض المدن سنية وأخرى شيعية، وبعضها عربية، وبعضها تركية.. وبذلك تمت تفرقة الأقوام والشعوب التي عاشت مع بعضها طوال العصور، نحن نطمح لإعادة تشكيل وحماية منطقة الشرق الأوسط وفق تراثنا وحضاراتنا، وهذا هو مصدر ثرائنا، والغرب يفتقر إلى مثل هذه التقاليد المدنية العريقة، أما لدينا فكان هذا سائدا دائما، انظروا الى القاهرة..اليوم أنا أؤلف كتابا يتعلق بالقاهرة، وأنا كنت على وشك الانتهاء من كتابة الجزء الخاص بالقاهرة، والقاهرة تعود إلى عهد الفراعنة.. هنا أوقفته وقلت له «وهل تجد الوقت للتأليف والكتابة وعليك هذه المسؤوليات أجاب داوود أوغلو« نعم أنا أقوم بالكتابة خلال السفر وفي الطائرات، أؤلف كتابا حول المدن والحضارات أتناول فيه مدنا وحضارات كثيرة في العالم، وتناولت فيه أجزاء عن القاهرة واسطنبول والقدس، مثلا في القاهرة كيف تبرزون عرقاً معيناً أثر فيها، كم عرق أثر في القاهرة؟

عندما ذهبت الى القاهرة لأول مرة عندما كنت وزيرا، كتبت مقالا للأهرام، تحدثت فيه عن القاهرة في عام 1517، وفي برنامج تليفزيوني سألني مقدم مثقف.. كيف تجرؤ على تناول القاهرة في عام 1517 وهو العام الذي احتلت فيه القاهرة؟ فقلت إذا كان هذا التاريخ يرمز إلى الاحتلال بالنسبة لكم، فإنه يعني عدم بقاء أي سهم في القاهرة، فأنا عاشق للقاهرة وأحبها كثيرا، وقبل العثمانيين كان هناك المماليك، ولم يكونوا من القاهرة أو مصريين، وكان هناك الأيوبيون قبلهم وهم ليسوا مصريين ايضا، كان فيها الأكراد والأتراك والشركس، وكان قبلهم الفاطميون وأبناء طولون وهم أيضا ليسوا مصريين، والعباسيون كانوا قبلهم غير مصريين، والبيزنطيون كانوا في القاهرة وروما أيضا وهم ليسوا مصريين. وهذا يسري ايضا على بغداد واسطنبول ودمشق، إن تاريخنا متعدد الثقافات، وتاريخ التسامح..علينا أن نعيد إنشاء هذا التاريخ مجددا، وإذا وصفتم المدن بالمذهبية كأن تقول هذه مدينة سنية أو شيعية وتقول الموصل سنية والبصرة شيعية، عندها تسيئون لروح المدينة» هنا أخبرته بأن هذا أصبح واقعا فأجاب قائلا: «نعم وللأسف، وعلينا ان نعترض على ذلك جميعا، لا يجوز حصر أي مدينة في عرق واحد، لو تركنا الأمور لمسارها التاريخي يكون أفضل». نكمل غداً.
 

أوغلو يدعو لإعادة تشكيل المنطقة
يكمل وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو حديثه حول مخاوفه من التقسيم العرقي والطائفي للمنطقة وضرورة أن تعود المنطقة بكل مدنها ودولها إلى أصول حضارتها وتعايشها الحضاري والتاريخي فيقول «انظروا مثلا إلى اسطنبول كانت تستقبل مليون سائح عربي عام 2002..

اما الآن فيزورها اربعة ملايين ونصف سائح عربي...» هنا أوقفت داوود أوغلو وقلت له: ماذا تقول أربعة ملايين ونصف المليون عربي يزورون اسطنبول؟ فإذا به يؤكد معلومته ويقول «لقد أصبحت اسطنبول مدينة العرب كما أصبحت القاهرة مدينة الأتراك، ليتفضلوا وليأتِ كل العرب الى جميع مدننا، نحن نعتبر اسطنبول مدينتنا جميعا، مثلما دمشق والقدس والقاهرة وبغداد هي مدننا جميعا، انظروا إن أكبر سوق مغلق في اسطنبول يسمى سوق مصر، وأكبر شارع في القسم الآسيوي من اسطنبول يسمى شارع بغداد، والبعض يعتقد أنه يوصل لبغداد، واسم احد أكبر القصور في اسطنبول قصر الخديوي، وهو رمز لخديوي مصر، هذا هو تاريخنا» ثم تحدث أوغلو عن قصر النظر لبعض الحكام وعدم حرصهم على هذا التاريخ والتماسك فقال «نحن بحاجة الى قادة لديهم منظور استراتيجي، تعالوا لنعيد تشكيل هذه المنطقة من جديد، ولكن دون أن نؤيد اي قائد لأنه من مذهب معين، ولا نتسامح مع الذي يقتل شعبه لأنه من عرق معين، ولا نتخلى عن المظلوم لأنه ليس من نفس عرقنا، ولا نحرم المظلومين من المساعدة والعون لأنهم ليسوا من نفس مذهبنا، لنعيد اظهار مبادئنا القيمة مجددا، ومثلما ان تاريخنا حافل بالأشياء الجميلة، لننشئ مستقبلنا نحن وبالشكل الذي نريده، ولا ندع الآخرين ينشئون مستقبلنا، وحتى لو تخاصمنا واختلفنا ففي المحصلة يجب أن نكون جنبا الى جنب».

سألته بعد ذلك عن الخرائط التي نشرتها كل من صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ومجلة التايم عن تقسيم دول الخليج والعراق وسوريا وهل هذا يمكن أن يكون مقدمة لتقسيم واقعي للمنطقة فقال: «من السهل الجلوس ورسم مثل هذه الخرائط في نيويورك، لكن هذه الخرائط تسبب آلاما كبيرة لشعوب المنطقة التي تدفع ثمنا باهظا بسبب مثل هذه الخرائط، برأيي ان منطقتنا قسمت كثيرا قبل مائة عام، وقسمت بحدود غير طبيعية ابدا، وتم فصل أقرب الأقارب والعائلات عن بعضها، مثلما عند الحدود التركية حاليا حيث تم فصل ابناء العمومة عن بعضهم، ومثل ذلك عند الحدود السورية العراقية أو الحدود الأخرى، واذا وقع تقسيم جديد بعد هذا الانقسام، وتم تقسيم سوريا الى جزءين أو ثلاثة، فان العائلات ستتجزأ في هذه التقسيمات، وستتجزأ المناطق في العراق ايضا وفي اماكن اخرى، ولذلك فنحن نعارض بشكل قاطع اي تغيير على خريطة المنطقة، لكن يمكن تغيير المنطقة بطريقة واحدة وهي مثلما حصل في الاتحاد الأوروبي، اي يعيش كل انسان في بلده ويعرف حدود بلاده، ونحن نطور العلاقات ونحول المنطقة الى بنية تكاملية، اي يسافر الناس دون جواز السفر مثل أوروبا، علينا ان نرفض قطعيا اي خريطة تقسيم للمنطقة تقسم العائلات والبلدان وتؤدي الى آلام ومشاكل لأهل المنطقة، هذا فخ قد يؤدي الى أن يعيش سكان المنطقة آلاما أشد من الآلام التي عاشوها حتى الآن، وعليه فإن اية خرائط ترسم في نيويورك او أي مكان آخر، لن تكون محددة لقدرنا ومستقبلنا، ومصير المنطقة يجب ان يكون بيد شعوب المنطقة فقط».


: الأوسمة



التالي
الغنوشي: النهضة لن تسمح بعودة الزعيم الأوحد
السابق
حوار د. سلمان العودة مع أعضاء موقع أربيا

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع