البحث

التفاصيل

أسئلة وأجوبة عن الحج للعلّامة القرضاوي

الرابط المختصر :

الحج بنية الراحة النفسية

لا مانع أن يذهب المسلم - أو المسلمة - إلى الحج أو العمرة، طلبا لسكينة النفس، وطمأنينة القلب، وخصوصا إذا أصابته في حياته متاعب والآم ضاق بها صدره، وناء بها ظهره، ولكن مع نية الامتثال لله سبحانه وتعالى...

س: هل يمكن للمسلم أن يطلب الحج بغرض الراحة النفسية، إذا كانت هناك ضغوط نفسية ومعاناة معينة (فيما إذا كان قد أدى الفريضة)؟

ج: لا مانع أن يذهب المسلم - أو المسلمة - إلى الحج أو العمرة، طلبا لسكينة النفس، وطمأنينة القلب، وخصوصا إذا أصابته في حياته متاعب والآم ضاق بها صدره، وناء بها ظهره، ولكن مع نية الامتثال لله سبحانه وتعالى، فالمفروض أن الحج هجرة في سبيل الله تعالى، والإنسان يستجيب لأمر الله تعالى، ونداء إبراهيم "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم" فيجعل هذه ضمن المنافع، فالمنافع ليست مقصورة على المنافع المادية أو التجارية، بل هذه تعتبر من المنافع النفسية، انشراح الصدر وطمأنينة القلب عندما يرى الإنسان البيت الحرام، عندما يرى المسلمين من كل أنحاء العالم، عندما يرى هذا الموسم العظيم، لكن على الإنسان أن يجعل غايته إرضاء الله سبحانه وتعالى، ثم هذه المكاسب تأتي تبعا، مثل الذي يريد أن يتاجر في الحج، فلا مانع أن يقصد الراحة النفسية والمتعة الروحية، وليس هذا ممنوعا، لكن هذا يكون مع قضية الامتثال لله سبحانه وتعالى، وابتغاء مرضاته، حتى يتحقق التعبد لله جل جلاله. أي أن الامتثال والتعبد غاية للحج، والسكينة والراحة النفسية ثمرة له. وبالله التوفيق.

هل يجوز الاستدانة للحج؟

له أن يفعل ذلك، ولكن لم يكلفه الله ذلك، الله لم يكلف الإنسان الاستدانة للحج، لأن الدين هم بالليل ومذلة بالنهار، والنبي صلى الله عليه وسلم علم بعض أصحابه أن يستعيذ بالله من غلبة الدين وقهر الرجال...

س: فضيلة الدكتور ما دمت قد تحدثت عن النفقة، هناك بعض الحجيج ربما لا يملكون نفقة الحج الآن، ولكنهم يعملون ولديهم موارد معينة، فهل يمكن أن يستدين نفقة الحج على أن يسددها بعد ذلك؟

ج: له أن يفعل ذلك، ولكن لم يكلفه الله ذلك، الله لم يكلف الإنسان الاستدانة للحج، لأن الدين هم بالليل ومذلة بالنهار، والنبي صلى الله عليه وسلم علم بعض أصحابه أن يستعيذ بالله من غلبة الدين وقهر الرجال، وكان يستعيذ بالله من المأثم والغرم (المغرم الاستدانة)، قالوا: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! قال: " إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف " (حديث البخاري)، من أجل هذا لا يندب للمسلم أن يدخل نفسه ويسجنها في الدين، لكن لو فعل ذلك لأن أمامه فرصة قد لا تتاح له ثانية وهناك ظروف أمامه وهو مطمئن إلى من عنده موارد ستجعله قادرا على الوفاء بدينه لم يكن عليه حرج، وإن لم يكن واثقا فلا.

موانع قانونية قبل الأربعين

هذا يعتبر عذرا مانعا لمن يريد أن يحج، لأنه أمر لا يملك تغييره: ولعل هذا تغير بعد زوال الحكم الشيوعي عن رومانيا...

س: نحن شباب من رومانيا نتوق شوقا للذهاب إلى الحج، لكن في بلادنا لا يسمحون لنا بأن نذهب إلا بعد أن يتجاوز عمر الشخص 40 سنة فما فوق، فماذا نعمل؟

ج: هذا يعتبر عذرا مانعا لمن يريد أن يحج، لأنه أمر لا يملك تغييره: ولعل هذا تغير بعد زوال الحكم الشيوعي عن رومانيا، ولقد بينا أنه لا يجب الحج على الشخص إلا إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع، فهذا مانع، مثل بعض البلاد التي لا يجوز له أن يخرج إلى الحج إلا بالقرعة، ولم تأت القرعة في صفه، فإن استطاع أن يتغلب على هذا المانع بوسيلة أو بأخرى فليحاول، وإذا لم يتمكن فهو مكره على هذا ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

كيف تكون نية الحاج عن الغير؟

تكفي النية الأولى عندما يُحرم يقول: لبيك اللهم عن فلان، وتكون كل أعمال الحج بعد ذلك لهذا الشخص، ليس من الضروري أن يستحضر النية في كل عمل...


 

س: ما هي نية الحج عن الغير وهل يستحضر النية في كل مكان، أو في كل عمل من أعمال الحج، يعني مثلا عند الإحرام يقول لبيك اللهم عن فلان أو فلانه، وعند الطواف يستحضر النية أم تكفي النية عند الإحرام؟

ج: تكفي النية الأولى عندما يُحرم يقول: لبيك اللهم عن فلان، وتكون كل أعمال الحج بعد ذلك لهذا الشخص، ليس من الضروري أن يستحضر النية في كل عمل، النية مطلوبة في الصلاة ساعة قول: الله أكبر وليس من الضروري أن يستحضرها في كل أجزاء الصلاة وكذلك نية الحج عند الإحرام.

لكن قد يسأل بعض الناس إذا حج الواحد عن الغير هل له ثواب؟ طبعا هو ليس له ثواب بالنسبة للحج، فالحج لفلان، لكن الإنسان أثناء الحج يعمل أعمالا أخرى غير أعمال الحج، فهو يصلي في الحرم فهذه الصلاة له وليست لمن يحج عنه، يقرأ القرآن في الحرم، يطوف طواف التطوع مثلا، وليس طواف الإفاضة أو الأشياء الأخرى المطلوبة في الحج، فهذا له، يدعو الله يذكر الله سبحانه و تعالى، كل هذه الأشياء للإنسان لنفسه، لكن أعمال الحج هي لمن يحج عنه.

أجر الحاج على نفقة غيره

لهذا الحاج ثواب الحج إن شاء الله، ولكن ليس مثل الشخص الذي حج من ماله، الذي حج من ماله ثوابه أكثر، لأنه أدى عبادة الحج بوجهيها البدني والمالي...

س: نسأل عن بعض الناس الصالحين في هذا البلد والذي يقومون بتحجيج بعض العباد على نفقتهم تكرما منهم وتفضلا على الذين لا يستطيعون القيام بفريضة الحج، فما هو نصيب الحاج نفسه من هذه الحجة والتي تمت على نفقة غيره؟

ج: لهذا الحاج ثواب الحج إن شاء الله، ولكن ليس مثل الشخص الذي حج من ماله، الذي حج من ماله ثوابه أكثر، لأنه أدى عبادة الحج بوجهيها البدني والمالي، بخلاف من حج من مال الغير، فقد أدى عبادة الحج بوجهها لبدني فقط، فثوابه مشترك بينه وبين الأخ الذي حج على نفقته، فهذا الأخير مأجور عند الله عز وجل، وحجه صحيح وحجه مقبول.

وأوصي من أدى الفريضة ألا يزاحم من لم يؤدوها، ويذهب المتطوع على نفقة هؤلاء، فيأخذ مكان آخر هو أحق بالحج منه. بل يجب عليه أن يدع مكانه لمن لم يؤد الفرض، فإذا عدم هذا، فلا حرج عليه أن يذهب للحج على نفقتهم، ما لم يشترطوا أن يكون الشخص لم يحج قبل ذلك. والله أعلم.

النيابة في الحج

الأصل في العبادة وبخاصة العبادات البدنية أن يؤديها الإنسان نفسه، ولكن الله تعالى بفضله ورحمته، شرع في فريضة الحج خاصة: أن ينوب المسلم عن أبيه أو أمه...

س: والدي ووالدتي قد فارقا الحياة، ولم يؤديا فريضة الحج، فهل يجوز أن أنيب عنهما أحدا في تأدية هذه الفريضة، أم لا يجوز؟

ج: الأصل في العبادة وبخاصة العبادات البدنية أن يؤديها الإنسان نفسه لقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم: ولكن الله تعالى بفضله ورحمته، شرع في فريضة الحج خاصة: أن ينوب المسلم عن أبيه أو أمه، استثناء من هذا الأصل الثابت، فإذا لم يؤدها (أي عبادة الحج) بنفسه أمكن أن يؤديها أولاده من بعده، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "إن أولادكم من كسبكم" ولد الإنسان جزء منه، وهو جزء من عمله، يعتبر امتداد له بعد وفاته، كما جاء في الحديث الصحيح: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو لد صالح يدعو له".

فالولد الصالح هو امتداد لحياة أبيه وامتداد لوجوده، ومن هنا يجوز للأولاد أن يؤدوا الحج عن آبائهم وأمهاتهم، فإذا لم يؤدوا ذلك لعذر، أمكنهم أن يوكلوا من يؤدي عنهم، وقد سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم أن أباها أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستقل على الراحلة ومات، أفتحج عنه؟ قال: "نعم، حجي عنه".

وامرأة أخرى - كما ورد في حديث ابن عباس - سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أتحج عن أمها وقد نذرت أن تحج لله وماتت؟ فقال: " حجي عنها، أرأيت لو كان عليها دين، أكنت قاضيه؟" قالت: نعم، قال: "فاقضوا فالله أحق بالوفاء". وفي رواية: "فدين الله أحق أن يقضى".

فكما أن للولد أن يقضى دين أبيه في الشؤون المالية، كذلك في هذه الشؤون الروحية، وشؤون العبادة، فتستطيع البنت ويستطيع الابن أن يحج عن أبيه، وهذا هو الأولى والأوثق، برأ به ووفاء له، أو على الأقل يوكل من يحج عنه، كما يرى بعض الفقهاء على أن يحج عنه من بلده، من البلد الذي كان عليه أن يحج منه، إذا كان من قطر مثلا فإذا وكل أحدا فليحج من قطر لا من سواها، وإذا كان من الشام يحج من الشام، وهكذا.. إلا إذا عجزت مالية المتوفى - إذا كان سيحج من ماله - فمن حيث أمكن تحقيق هذا..

فإذا كان الولد هو الذي سيوكل من يحج من ماله الخاص، فعلى حسب ما يمكن من ماله.

ومن حج عن الغير، فيشترط أن يكون قد حج عن نفسه أولا، وإن كنت أرجح أن يكون الذي يحج عنه إما ولده أو قريب له، كما دلت على ذلك الأحاديث النبوية.

الحج عن الأقارب

نوي الحج لأقرباء لي توفوا ولم يؤدوا فريضة الحج، فهل هناك مشكلة بالنسبة لتكرار سفري للحج؟

السؤال: قرأت فتواكم بالنسبة لمن يحج أكثر من مرة تطوعا، وأنا حججت مرتين، لكني أنوي الحج لأقرباء لي توفوا ولم يؤدوا فريضة الحج، فهل هناك مشكلة بالنسبة لتكرار سفري للحج؟

الإجابة: هذا لا يدخل في حج التطوع الذي تحدثنا عنه في فتوانا السابقة، لأنه إذا كان يريد أن يحج نيابة عمن لم يحج، خصوصا من كان له حق عليه مثل أبيه أو أمه أو أخيه أو أخته أو بعض الأقرباء، هؤلاء لهم حق إليه، فإذا حج ليسقط عنهم الفريضة وإثم تأخير الحج، فهذا لا يدخل في حج التطوع المذكور من قبل.

الجمع بين الحج وأعمال الدنيا

هذا سؤال يسأله الكثيرون من مقاولي الحج ومن يعمل معهم لخدمة الحجيج بأجر، كالسائقين وأمثالهم. ومثلهم الأطباء والممرضون الذي يذهبون في البعثة الطبية لخدمة الحجاج، من الدول المختلفة...

لكل مجتهد نصيب وإنما لكل امرئ ما نوى 

س: هل يجوز الجمع بين الحج والأعمال الدنيوية كبيع الأشياء للحجاج أو صنع الأشياء لهم أو خدمتهم بأجر ونحو ذلك؟

ج: هذا سؤال يسأله الكثيرون من مقاولي الحج ومن يعمل معهم لخدمة الحجيج بأجر، كالسائقين وأمثالهم.

ومثلهم الأطباء والممرضون الذي يذهبون في البعثة الطبية لخدمة الحجاج، من الدول المختلفة.. وكذلك يسأله أهل مكة الذي يبيعون الأشياء للحجاج، كالطعام والفاكهة، وغيرها، والذين يصنعون لهم الخبز، ويوفرون لهم الماء، ونحو ذلك.

وهؤلاء جميعا وأشباههم يؤدون شعيرة الحج مع أعمالهم هذه التي يتقاضون عليها أجرا، أو يكسبون من ورائها ربحا، فهل حجهم هذا يعتبر شرعا، وهل هم مثابون ومأجورون عليه؟

ومما لا شك فيه أن حج هؤلاء معتبر شرعا، ما دام مستوفيا لأركانه وشروطه، وهم مأجورين عليه على قدر نيتهم وإخلاصهم، وحسن تعاملهم مع الحجيج، ورفقهم بهم، وتفانيهم في خدمتهم، ولكل مجتهد نصيب، وإنما لكل امرئ ما نوى، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.

على أن أجر الواحد من هؤلاء، لا يكون كأجر من كان متجردا للحج وحده دون مزاحم إلا من كان له فضل خاص، فهو يثاب عليه.

الحج السريع

الحج الكامل يحتاج من الإنسان إلى أربعة أيام أو خمسة، من يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة، يذهب ويبيت في منى ويصلى الصلوات الخمس فيها ويذهب في اليوم التاسع إلى عرفات، ويقف هذا الموقف العظيم...

س: بعض الحملات تطرح ما يسمى بالحج السريع، والذي يكاد يكون في آخر الأيام، فقط الوقوف بعرفة ثم المبيت بمزدلفة والعودة بعد ذلك، ما رأي فضيلتكم؟

ج: الحج الكامل يحتاج من الإنسان إلى أربعة أيام أو خمسة، من يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة، يذهب ويبيت في منى ويصلى الصلوات الخمس فيها ويذهب في اليوم التاسع إلى عرفات، ويقف هذا الموقف العظيم داعيا ذاكرا مهللا مكبرا مصليا حتى الغروب، ثم يذهب إلى مزدلفة ثم إلى منى ليبيت فيها إلى منتصف الليل ثم يذهب في الصباح إلى منى ويرمي جمرة العقبة، ثم يذهب إلى مكة ليطوف بالبيت يوم النحر "يوم الحج الأكبر"، وهو طواف الإفاضة، وبعد أن يذهب ويرمي الجمرات في اليوم الأول واليوم الثاني، واليوم الثالث (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) ففي ثالث يوم العيد من الممكن كما يقول الإمام أبو حنيفة الرمي من الصباح في يوم النحر فيرمي ويسافر عائدا إلى بلاده وبذلك انتهى الحج ولا حرج عليه بعد ذلك، ويمكن للحاج أن يذهب إلى عرفة يوم التاسع مباشرة، فتكفيه إذن أربعة أيام.

أقل مدة للحج

يستطيع المسلم أن يؤدي مناسك الحج الأساسية التي لا تجوز فيها الإنابة، ويلزم أن يؤديها بنفسه في أقل من أربع وعشرين ساعة. على أن يذهب إلى الحج في اليوم التاسع صبيحة أو ضحى (يوم عرفة) وينوي الحج مفردا أو قارنا...

س: ما أقل مدة لمن يريد أن يؤدي الحج بأسرع وقت ممكن، فهناك رجل ظروفه لا تسمح له بالبقاء عدة أيام في أرض المناسك. فما الذي يلزمه ولا بد من وقت لأداء شعائر الحج؟

ج:يستطيع المسلم أن يؤدي مناسك الحج الأساسية التي لا تجوز فيها الإنابة، ويلزم أن يؤديها بنفسه في أقل من أربع وعشرين ساعة.

على أن يذهب إلى الحج في اليوم التاسع صبيحة أو ضحى (يوم عرفة) وينوي الحج مفردا أو قارنا، يقول: لبيك اللهم حجا، إذا كان مفردا، أو لبيك اللهم حجا وعمرة إذا كان قارنا، فيجمع بين النسكين ويكون له ثوابهما، وعليه هدي: شاة يذبحها.

وفي هذا اليوم - يوم عرفة - يكون المطاف والمسعى فارغين، فيطوف ويسعى بسهولة ويسر، ثم يذهب إلى عرفات، فيصلي الظهر والعصر جمع تقديم إذا وصل قبل العصر، وهذا هو الأولى، أو جمع تأخير إذا وصل بعد العصر.

ويظل في عرفات ذاكرا مسبِّحًا مهللا مكبرا ملبيا داعيا بما تيسر له من الدعوات المأثورة، حتى تغرب الشمس، فينفر مع الحجيج من عرفات إلى مزدلفة، ويصلي في مزدلفة المغرب والعشاء جمع تأخير، ويتناول فيها طعام العشاء، ويمكنه أن يغادر بعدها على مذهب مالك، والأفضل أن يبقى حتى يظهر القمر، أي حوالي منتصف الليل، ثم يغادر مزدلفة - كما هو مذهب الحنابلة - مع الضعفة من الشيوخ والنساء والصبيان وأمثالهم.

ويذهب إلى منى لرمي (جمرة العقبة) ويحلق أو يقصر، ثم ينزل إلى مكة، ويطوف طواف الإفاضة، وهو ركن في الحج، وقد أنهى كل أركان الحج وفرائضه الأساسية.

ويمكنه أن يسافر بعد ذلك، وما بقي من أعمال الحج ينيب عنه من يقوم به، ويجبره بدم (ذبح شاة) عن كل عمل أو (سُبْع بقرة) فيوكل من يذبح عنه، ومن يرمي عنه الجمرات الثلاث في اليوم الثاني واليوم الثالث للعيد. فعليه هدي عن القران إن كان قارنا بين الحج والعمرة، وهدي بدل المبيت في منى، وهدي عن الإنابة في الجمرات، ويمكنه أن يذبح بقرة عن هذا كله، وما يفضل فهو صدقة منه.

وهذا هو أسرع حج ممكن، وهو مقبول إن شاء الله لمن احتاج إليه. وما جعل الله على عباده في الدين من حرج.

أحج أم أحجج أمي؟

المفروض أن الحج على من استطاع إليه سبيلا، فالوالدة ليس عليها حج ما دامت لا تملك المال اللازم للحج، فليس الحج مفروضا عليها ولم يكلفها الله هذا، أيضا المفروض ألا تكلف ابنها ما لا يطيق...

س: سائل لم يحج ووالدته لم تحج حتى الآن يخاف أن يحج وهي غير راضية عنه في هذا الوقت وليس لديه القدرة على أن يحج وهي معه، فما رأيكم، هل لو حججت وأمي غير راضية عني فهل حجي مقبول؟ أم أحجج أمي أولا ثم أحج بعدها؟

ج: المفروض أن الحج على من استطاع إليه سبيلا، فالوالدة ليس عليها حج ما دامت لا تملك المال اللازم للحج، فليس الحج مفروضا عليها ولم يكلفها الله هذا، أيضا المفروض ألا تكلف ابنها ما لا يطيق، ولكن هو لو كان قادرا على الحج، فالحج فرض عليه، صحيح أن العلماء اختلفوا هل الحج فريضة على الفور أم على التراخي؟ الأغلبية قالوا: على الفور، وبعضهم قال: على التراخي، ولكن حتى العلماء الذين قالوا على التراخي قالوا: لو قدر على الحج يوما ثم تراخى، ثم أصابه العسر ومات ولم يحج فعليه الإثم، لذلك فإن الاحتياط والحزم أن الإنسان إذا قدر على الحج وأتيحت له فرصة ألا يؤخر..

كما جاء في الحديث: "تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" لأن الصحيح يمرض والشاب يشيخ، والحي يموت، والغني يفتقر، والموسر يعسر، وما يدري أحد ما يأتي به الزمن، (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) لقمان: لذلك فإن تيسر للإنسان الحج فعليه أن يحج، ويُسقط الفرض عن نفسه، فالواجب على الأخ إذا كان قادرا على الحج وليس معه ما يستطيع أن تحج أمه معه: أن يحج هو ويقول لها عندما أقدر إن شاء الله سوف أهيئ لك الحج، ويحاول أن يطيب خاطرها ويحضر لها هدايا معه، ولو استطاع أن يقلل من أيام الحج، ويحج الحج السريع (خمسة أيام) ويأخذها معه، ليحقق لها أمنيتها، لكسب الأجرين، ونال الحسنيين.

على أنه لو آثر أمه بالحج على نفسه، ابتغاء رضاها وبرها، وأخر هو حجه إلى فرصة أخرى يرجوها، لا أراه آثما، بل فعل خيرا إن شاء الله.

الحج عن الوالد المتوفى تارك الصلاة

في الصلاة لم يَرِد أن الإنسان يصلي عن أحد، لا يجوز أن يصلي ابن عن أب، ولا أخ عن أخ، لكن وردت النيابة في الحج فضلا من الله ورحمة بعباده، والأصل في النيابة أن الأب كان يريد أن يحج فلم يتح له، ولكن المشكلة هنا أننا لا نعرف إن كان الأب يريد أن يحج أولا...

س: حججت عن نفسي في العام الماضي، ولكن والدي توفي منذ 4 سنوات ولم يكن يصلي وإنما كان يؤدي باقي الفروض مثل الزكاة والصوم، وأريد أن أحج عنه هل هذا الحج مقبول؟

ج: فضل الله عظيم وهو سبحانه واسع العفو والمغفرة، صحيح أنه لم يكن يصلي والصلاة أهم من الحج، لأنها الفريضة اليومية، التي تجعل الإنسان على موعد مع الله دائما، وهي عماد الدين، وتركها شئ فظيع والعياذ بالله، حتى من الأئمة من كفر تارك الصلاة، وعلى هذا الرأي لا يقبل الحج عنه، إذ الكافر لا تنفعه طاعة ولا عبادة، لكن جمهور العلماء قالوا: إنه عاص فاسق ولا يكفر بمجرد الترك، إلا إذا أنكر وجوبها، وهذا ما نرجحه ونأخذ به.

ولكن في الصلاة لم يَرِد أن الإنسان يصلي عن أحد، لا يجوز أن يصلي ابن عن أب، ولا أخ عن أخ، لكن وردت النيابة في الحج فضلا من الله ورحمة بعباده، والأصل في النيابة أن الأب كان يريد أن يحج فلم يتح له، ولكن المشكلة هنا أننا لا نعرف إن كان الأب يريد أن يحج أولا، هل كان مشتاقا للحج، أو كان يتمنى أن يحج؟ الأصل في كل مسلم - وإن كان عاصيا - أن يتمنى الحج إلى بيت الله.

على كل حال يستطيع الأخ السائل أن يحج عن أبيه، ويدعو الله له أن يغفر له وأن يرحمه وأن يتجاوز عنه، وعفو الله واسع ورحمة الله وسعت كل شيء.

منحة الحاج

يقول سائل: عندنا يعطون منحة مجانية من الدولة لـ10 أشخاص أو عُمال من كل مدينة أو محافظة أن يحجوا، وبعض هؤلاء العمال عليه ديون، فهل تجوز لهم له هذه الحجة؟

س: عندنا هنا يعطون منحة مجانية من الدولة لـ10 أشخاص أو عُمال من كل مدينة أو محافظة أن يحجوا، وبعض هؤلاء العمال عليه ديون، فهل تجوز لهم له هذه الحجة؟

ج: إذا كانت هذه المنحة مجانية فلا حرج عليهم، فنحن نقول: المدين لا يحج؛ لأنه بدل أن ينفق أمواله في الحج يضعها في سداد الدين، لكن إذا كان يحج مجانا فهذا فضل من الله عز وجل جاءه الله سبحانه وتعالى به، فلا يرفضه، الممنوع أن يحج على نفقته مع أن هذه النفقة مطلوبة لقضاء الدين. والدين من حقوق العباد، والحج من حقوق الله تعالى، وحقوق العباد مبنية على المشاحّة، وحقوق الله مبنية على المسامحة، ولهذا ينبغي أن يقدم قضاء حقوق العباد الأشحاء على حقوق الله الجواد البر العفو الكريم.

لماذا فُرض الحج مرة واحدة؟

الحج عبادة متميزة لأنها عبادة بدنية ومالية، الصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، الحج عبادة تجمع بين البدنية والمالية، لأن الإنسان يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله لأنه يسافر ويرحل فيحتاج لنفقات، لذلك نرى الحج هو الفريضة التي ذكر الله فيها من استطاع إليه سبيلا...

س: ما هي مكانة الحج؟ ولم فرضه الله مرة واحدة على من استطاع إليه سبيلا؟ وما المراد من (استطاعة السبيل)؟

ج: الحج عبادة متميزة لأنها عبادة بدنية ومالية، الصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، الحج عبادة تجمع بين البدنية والمالية، لأن الإنسان يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله لأنه يسافر ويرحل فيحتاج لنفقات، لذلك نرى الحج هو الفريضة التي ذكر الله فيها من استطاع إليه سبيلا: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أركان الإسلام الخمسة ذكر"وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا" لأن كل إنسان قادر على أن يصلي أو يصوم، لكن ليس كل إنسان قادرا على أن يذهب إلى الأرض المقدسة، لذلك كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعله مرة واحدة في العمر. لأن الله سبحانه لا يريد أن يكلف عباده شططا، ولا أن يرهقهم من أمرهم عسرا، يريد الله بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وما جعل عليهم في الدين من حرج، فالتكليف في الإسلام بحسب الوسع (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، ولذلك عندما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا" قال قائل: أفي كل عام يا رسول الله؟، وسكت، وأعاد السؤال، والنبي صلى الله عليه وسلم يسكت، حتى قال صلى الله عليه وسلم : "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم". فلا يستطيع الإنسان أن يؤدي الحج في كل عام، فأراده الله سبحانه مرة في العمر، فهذا تخفيف من ربنا ورحمة منه عز وجل.

ولم يكلف إلا كل من استطاع إليه سبيلا، ومعنى استطاعة السبيل كما جاء في بعض الأحاديث التي يقوي بعضها بعضا، أن يملك الزاد والراحلة، زاد الطريق والراحلة التي يركبها، بلغة عصرنا يملك نفقات السفر للبيت الحرام ونفقات الإقامة هناك على ما يليق بحاله، فواحد يمكنه أن يركب الحافلة (باص) وآخر يتعبه الباص ويحتاج لسيارة خاصة، وثالث تناسبه الطائرة، على ما يليق بحاله، كذلك في الإقامة في مكة لأنها مستويات، فمن يملك الزاد والراحلة، طبعا مع الشروط الأخرى، مثل صحة البدن، وألا يكون هناك حائل معين، أي يكون الطريق آمنا. في بعض الأوقات كان الطريق للحج محفوفا بالمخاطر قبل مجيء الملك عبد العزيز بن سعود رحمه الله للحكم، كان الناس مثلا في مصر يقولون (الذاهب مفقود والراجع مولود)، ولذلك كان الناس يبشرون بعودة الحجاج، وجدت وأنا في صغري أحدهم يأتي من السويس قبل أن يأتي الحجيج (اسمه البشير) يبشر بعودة الحجيج:

في هذه الأيام أضيف شرط جديد، وهو أن يخرج إلى الحج بالقرعة، وذلك مطبق في معظم البلدان، لأنه الآن لا يسمح فيها إلا بعدد معين لكل بلد، لأن الحج فيه زحمة شديدة جدا، ولو فتح الباب على مصراعيه لتوافد الملايين، ولمات الناس في الزحام تحت الأقدام، فخصصوا لكل بلد نسبة معينة، وفي العادة الناس الذين يطلبون الحج عددهم أكبر من الذين يسمح لهم، فلا بد من عمل القرعة، فنقول له: إن من الشروط أن يصيب القرعة. وأكثرية الحجاج من المملكة لأن الطريق مفتوح أمامهم فالأغلبية تكون من الداخل، فلو أمكن تحديد هؤلاء ليفسح المجال لغيرهم يكون شيئا طيبا. أقول: وهذا قد عمل به منذ عدة سنوات، وأصبح لا يسمح للسعودي أن يحج إلا كل خمس سنوات. وفي هذا تخفيف كثير عن حجاج الخارج، وإتاحة الفرصة لعدد أكبر منهم. والله الموفق.

الحج على من استطاع السبيل

كون الحج مقيدا بالاستطاعة وكونه في المرتبة الخامسة من مراتب أركان الإسلام، فقد يقول الإنسان: إنني غير مستطيع الآن، فهو يؤجل أو يسوِّف؟ فيا حبذا لو تلقون الضوء على هذا الجانب...

السؤال: كون الحج مقيدا بالاستطاعة وكونه في المرتبة الخامسة من مراتب أركان الإسلام، فقد يقول الإنسان: إنني غير مستطيع الآن، فهو يؤجل أو يسوِّف؟ فيا حبذا لو تلقون الضوء على هذا الجانب.

جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لا شك أن الحج فريضة من أعظم فرائض الإسلام، وإحدى شعائره الكبرى، وقد ثبتت فرضيته بالقرآن والسنة والإجماع. أما القرآن ففي قول الله تبارك وتعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)، (من كفر) أي من لم يحج أو من أعرض عن الحج وقصد تركه، هنا وضع كلمة الكفر للتهديد والتخويف.

وهناك الأحاديث الكثيرة، منها الحديث الذي ذكرته ويحفظه أطفال المسلمين وكبارهم، حديث "بني الإسلام على خمس.. " وأحاديث كثيرة عن الحج، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"يا أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا" قالوا يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال: "لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم"، ومن رحمة الله أنه لم يفرض علينا الحج إلا مرة واحدة في العمر، ولذلك كان السلف يسمون الصلاة أو الصلوات الخمس ميزان اليوم، ويسمون صلاة الجمعة ميزان الأسبوع، ويسمون صيام رمضان ميزان السنة، ويسمون الحج ميزان العمر، ففرض الله الحج بالقرآن والسنة والإجماع، اجتمعت الأمة كلها على اختلاف مذاهبها ومدارسها وفرقها أن الحج فريضة على من استطاع إليه سبيلا.

لماذا قيل في الحج "من استطاع إليه سبيلا" لأن الحج عبادة بدنية ومالية، والعلماء يقسمون العبادات إلى عبادات بدنية، أي أن الإنسان يقوم بها ببدنه مثل الصلاة، فالصلوات الخمس، فالإنسان يغالب فيها الكسل والنوم، والصلاة خير من النوم في الفجر، فيقوم ويذهب إليها ويتوضأ في البرد، فهي عبادة بدنية، وكذلك حركات جسمه، فالصلاة أقوال وأفعال مبتدأة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وكذلك الصوم فهو عبادة بدنية ولكنها عبادة تركية، فالصلاة فعل والصوم ترك، إمساك عن شهوتي البطن والفرج، أو عن الطعام والشراب ومباشرة النساء، كلتاهما عبادة بدنية: الصلاة والصوم، والزكاة عبادة مالية، الإنسان يبذل فيها المال وهو شقيق الروح.

والحج عبادة بدنية ومالية، فالإنسان يفارق وطنه ويسافر ويركب المشقات ويعيش حياة أشبه بحياة الكشافة، ينام في خيمة، ينام على الأرض، فهو يتحمل المشقة، ومن ناحية أخرى يبذل المال لأنه يحتاج أن يتنقل من بلده إلى البلد الحرام، الأرض المقدسة، حيث المناسك هناك، فيحتاج أيضا إلى إنفاق مالي، ولأجل هذا قيل: (من استطاع إليه سبيلا).

جاء في بعض الأحاديث في تفسير الاستطاعة أو السبيل: أنها الزاد والراحلة بمعنى أن تكون عنده مقدرة على أن يهيئ زادا يكفيه لمدة السفر والإقامة، والراحلة التي يركب عليها، وهذا يدل على أن الله لم يكلفه أن يحج ماشيا فيحج راكبا، ولكن الركوب يحتاج إلى مال، فإذا أردنا أن نعبر عن الزاد والراحلة بلغتنا العصرية قلنا: نفقات السفر والإقامة، أن يملك الإنسان النفقات لسفره بما يلائم حاله، فهناك من يحتاج إلى أن يكون عنده أجرة الباص، وآخر يحتاج إلى سيارة صغيرة، وآخر يقول: أنا لا أستطيع أن أسافر إلا بالطائرة، وآخر يكفيه أن يسافر في الباخرة، فكلُ حسب حاله واستطاعته، هذا بالنسبة لنفقات السفر.

ثم هناك نفقات الإقامة، فهناك من يحتاج إلى أن يقيم في فندق أو في بيت يستأجره، ويدخل في هذا ما يدفع للمطوف أو للمتعهد، فهذه نفقات السفر والإقامة بالإضافة إلى ما يكفي أهله حتى يعود، فلا يترك أهله بلا زاد ـ كما يقولون على الحديدة ـ فهذا غير مقبول، هذا معنى الاستطاعة، والصلاة ليس مطلوبا فيها مثل هذا ولا الصيام، إنما هذا مطلوب في الحج، لأنه هجرة إلى الله وارتحال، ويحتاج إلى هذه النفقات ولذلك قال (من استطاع إليه سبيلا).

الحج على الفور أم على التراخي؟

الحج عبادة متميزة لأنها عبادة بدنية ومالية، الصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، الحج عبادة تجمع بين البدنية والمالية، لأن الإنسان يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله لأنه يسافر ويرحل فيحتاج لنفقات...

السؤال: ما هي مكانة الحج؟ ولم فرضه الله مرة واحدة على من استطاع إليه سبيلا؟ وما المراد من (استطاعة السبيل)؟

جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الحج عبادة متميزة لأنها عبادة بدنية ومالية، الصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، الحج عبادة تجمع بين البدنية والمالية، لأن الإنسان يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله لأنه يسافر ويرحل فيحتاج لنفقات، لذلك نرى الحج هو الفريضة التي ذكر الله فيها من استطاع إليه سبيلا: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أركان الإسلام الخمسة ذكر"وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا" لأن كل إنسان قادر على أن يصلي أو يصوم، لكن ليس كل إنسان قادرا على أن يذهب إلى الأرض المقدسة، لذلك كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعله مرة واحدة في العمر.

لأن الله سبحانه لا يريد أن يكلف عباده شططا، ولا أن يرهقهم من أمرهم عسرا، يريد الله بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وما جعل عليهم في الدين من حرج، فالتكليف في الإسلام بحسب الوسع (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، ولذلك عندما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا" قال قائل: أفي كل عام يا رسول الله؟، وسكت، وأعاد السؤال، والنبي صلى الله عليه وسلم يسكت، حتى قال صلى الله عليه وسلم : "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم". فلا يستطيع الإنسان أن يؤدي الحج في كل عام، فأراده الله سبحانه مرة في العمر، فهذا تخفيف من ربنا ورحمة منه عز وجل.

ولم يكلف إلا كل من استطاع إليه سبيلا، ومعنى استطاعة السبيل كما جاء في بعض الأحاديث التي يقوي بعضها بعضا، أن يملك الزاد والراحلة، زاد الطريق والراحلة التي يركبها، بلغة عصرنا يملك نفقات السفر للبيت الحرام ونفقات الإقامة هناك على ما يليق بحاله، فواحد يمكنه أن يركب الحافلة (باص) وآخر يتعبه الباص ويحتاج لسيارة خاصة، وثالث تناسبه الطائرة، على ما يليق بحاله، كذلك في الإقامة في مكة لأنها مستويات، فمن يملك الزاد والراحلة، طبعا مع الشروط الأخرى، مثل صحة البدن، وألا يكون هناك حائل معين، أي يكون الطريق آمنا.

في بعض الأوقات كان الطريق للحج محفوفا بالمخاطر قبل مجيء الملك عبد العزيز بن سعود رحمه الله للحكم، كان الناس مثلا في مصر يقولون (الذاهب مفقود والراجع مولود)، ولذلك كان الناس يبشرون بعودة الحجاج، وجدت وأنا في صغري أحدهم يأتي من السويس قبل أن يأتي الحجيج (اسمه البشير) يبشر بعودة الحجيج:

في هذه الأيام أضيف شرط جديد، وهو أن يخرج إلى الحج بالقرعة، وذلك مطبق في معظم البلدان، لأنه الآن لا يسمح فيها إلا بعدد معين لكل بلد، لأن الحج فيه زحمة شديدة جدا، ولو فتح الباب على مصراعيه لتوافد الملايين، ولمات الناس في الزحام تحت الأقدام، فخصصوا لكل بلد نسبة معينة، وفي العادة الناس الذين يطلبون الحج عددهم أكبر من الذين يسمح لهم، فلا بد من عمل القرعة، فنقول له: إن من الشروط أن يصيب القرعة. وأكثرية الحجاج من المملكة لأن الطريق مفتوح أمامهم فالأغلبية تكون من الداخل، فلو أمكن تحديد هؤلاء ليفسح المجال لغيرهم يكون شيئا طيبا. أقول: وهذا قد عمل به منذ عدة سنوات، وأصبح لا يسمح للسعودي أن يحج إلا كل خمس سنوات. وفي هذا تخفيف كثير عن حجاج الخارج، وإتاحة الفرصة لعدد أكبر منهم. والله الموفق.


: الأوسمة



التالي
ضوابط العمل الإعلامي في الإسلام
السابق
أخطاء في مناسك الحج والعمرة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع