البحث

التفاصيل

مسلمو سريلانكا .. حصار شعبي ورسمي

جوزيف هاموند 

 مع نهاية الحرب الأهلية في سريلانكا, داعب أمل الوحدة والانسجام الداخلي الشعب السريلانكي, إلا أن الهجمات الأخيرة التي قام بها بعض البوذيين المتطرفين هناك, والتي قد تُغرق البلاد في أزمة تعوق حدوث هذا التناغم المجتمعي المرجو, فغدت ضاحية "دهيولا" في كولومبو -التي كان من المرجح حتى الشهر الماضي, أن تصبح أفضل مكان لإقامة حديقة حيوان "كولومبو"- موقعًا للاحتجاجات الشرسة والاحتقان الطائفي والتوترات.

سريلانكا والتطرف البوذي
في الشهر الماضي, أبلغ مسئولو الشرطة مدير "رابطة الشباب الإسلامي في سيلان" فرع دهيولا أنه من المحتمل أن تنظّم بعض الاحتجاجات غير القانونيّة أمام مقرّ الجمعيّة؛ لذلك تمّ تكليف الشيخ رمزي بإلغاء الحصص المدرسيّة, وقد كانت التحذيرات صحيحة حيث قام 200 محتج، في منتصف النهار، بقيادة عشرات من الرهبان البوذيين بالتجمع أمام المركز الإسلامي الصغير، وبدءوا بإلقاء الحجارة وقطع اللحم الفاسد على بوابة المسجد.

أمام المسجد, أخذ البوذيون يرددون هتافات تطالب بإغلاق المسجد، زاعمين أنه يقوم بذبح الحيوانات يوميًّا، وهذا ما نفته قيادة المسجد, حيث يوضح الشيخ رمزي قائلاً: "هذا الاتهام لا يمكن تصديقه حقًّا، ويظهر مدى عدم معرفتهم بالدين الإسلامي, حيث إننا لا نقوم بمثل هذه الذبائح سوى في عيد الأضحى، وغالبًا ما توزّع اللحوم على الأُسر والعائلات الفقيرة".

لم تكن هذه الحادثة الوحيدة ولكنها الأحدث في مسلسل الحوادث الخطيرة التي يشيعها المتطرفون البوذيون ضدّ المسلمين في سريلانكا.. في إبريل الماضي -على سبيل المثال- قام عدد من الرهبان البوذيون بتعطيل صلاة المسلمين في قرية دامبولا, حيث زعم المهاجمون أن المسجد, الذي بُني في عام 1962م غير قانوني, وبعد عدة أسابيع قام الرهبان بصياغة رسالة تهديد تستهدف مسلمي سريلانكا في المدن القريبة من كورونيجالا، مطالبين بوقف أداء الصلوات هناك.

تبعية المسلمين في سريلانكا
من جانبه يقول رضا, كاتب في "دار الإيمان" للكتاب الإسلامي في كولومبو: "إنه يتوجس خوفًا على سريلانكا من اندلاع هذا التعصب"، مضيفًا: "نحن في المجتمع الإسلامي لا نفعل أي شيء مثل هذا, ولكن الأشهر الأخيرة شهدت توترات جديدة في أنحاء البلاد, ولسنا متأكدين لما يحدث هذا في الوقت الحالي, فقد عشنا نحن المسلمين مع المسيحيين والبوذيين والهندوس معًا لسنوات طويلة دون مشاكل".

يشار أنه خلال ثلاثين عامًا من الحرب الأهليَّة بين جبهة نمور التاميل للتحرير والحكومة المركزيَّة وقف مسلمو جزيرة سريلانكا مع الحكومة ضد "نمور التاميل" برغم أنها لغتهم الناطقة؛ نتيجة لذلك طرد آلاف المسلمين من جافنا في التسعينيات, وخلال هذا الصراع كانت الأغلبية البوذية تتودّد لمسلمي جزيرة سريلانكا، والعديد من المسلمين ترقوا في المناصب الحكوميَّة البارزة، بينما خدمت حفنة منهم في القوات المسلحة لسريلانكا.

شريطة عدم ذكر اسمه, صرح أحد المسئولين المسلمين في الإقليم الشرقي لسريلانكا أن أوضاع المسلمين تغيّرت منذ نهاية الحرب الأهليَّة في 2009م, حيث يقول: "لقد تغيرت نظرة الحكومة للمسلمين منذ هزيمتها للنمور, ولم تعدْ ترى المسلمين على أنهم من أصل البلاد"، مضيفًا: "أن الحكومة تنظر إلى المسلمين في الوقت الحالي على أنهم تابعون, فخلال العام الماضي فَقَد العديد من المسلمين -لأسباب غير مفهومة- وظائفهم في الجمارك والهيئات الإقليميّة", فضلاً عن الكثير من التمييز الذي يعاني منه المسلمون في توفير الخدمات الحكومية حيث يحلّون في المرتبة الثانية, وهذا ما يمثل تحديًا بالغًا أمام مسلمي جزيرة سريلانكا.

تجاهل رسمي لمسلمي سريلانكا
جدير بالذكر أن الغالبية العظمى من مسلمي جزيرة سريلانكا هم أحفاد التجار العرب والفارسيين الذين استقروا في الجزيرة, وتشير التقديرات الرسميَّة أن أعداد المسلمين يقدرون بحوالي 7% من سكان البلاد, بينما يعتقد المسلمون أن أعدادهم قد تزيد عن ذلك, لما يصل إلى 17% من إجمالي السكان, ويبدو أن هذه الأرقام مهمة للغاية في سريلانكا؛ لأن التمويل من وزارة الشئون الدينيَّة البوذيَّة لتنفق على كل دين بشكل تناسبي حسب أعداده.

من جانبها وافقت وزارة الشئون الدينية البوذية في سريلانكا على الحديث بشكل غير رسمي حول القضايا الدينيّة في الجزيرة, وتجاهلت الحديث عن حادث دامبولا بأنه غير مهم؛ لأن المسجد -حسب زعمها- غير قانوني, حيث قال المسئولون: "إن أي مبنى ديني لا بد أن يتم الموافقة عليه من قبل الوزارة, وما لا يتبع هذه الإجراءات يكون بناؤه غير قانوني ويصبح تحت المساءلة".

غير أن المسئولين أنفسهم في وزارة الشئون الدينية البوذية تجنبوا الإجابة عن مصدر إثارة التوترات الدينيّة في سريلانكا, مشيرين فحسب إلى أنها "أطراف معينة" أو أنها حوادث فرديّة, وزعم المسئولون أن شرطة الوزارة تلقت شكاوى عديدة عن التمييز من جميع الجهات، وهذا الموقف المتناقض تجاه القضايا الطائفية ينعكس بدوره على المستويات العليا من الحكومة أيضًا, فحتى الآن لم يصدر رئيس سريلانكا, ماهيندا راجاباكسا, بيانًا بشأن الأحداث في دهيولا أو دامبولا, بالرغم أن الوفود الدبلوماسية السريلانكية تثني غالبًا على التراث الإسلامي في الجزيرة بوصفه جاذبًا للاستثمارات الأجنبية.

مسلمو سريلانكا .. جسور وحواجز
نتيجة لذلك لم يجد مسلمو سريلانكا سوى الاعتماد على أنفسهم بشكل كبير للتغلب على هذا التحدي؛ لذلك عندما اعتدى البوذيون من جديد على مسجد دهيولا في 11 يونيو بإلقاء الحجارة, قام قادة المسجد وآخرون في المنطقة بتحسين الأوضاع الأمنيَّة, باستخدام الأموال التي جمعت من بينهم, وقرّر الشيخ رمزي أن يثبت حواجز معدنيّة واقية لحماية المسجد من الاعتداء في المستقبل.

لم يكتفِ المسلمون بذلك, فبناء هذه الحواجز المعدنيّة لا يمكن اعتبارها حلاًّ على المدى الطويل؛ لذلك حاول حزب المؤتمر الإسلامي في سريلانكا, أكثر الأحزاب الإسلامية شعبيّة, بناء جسور داخل المجتمعات لتفادي العنف في المستقبل, حيث قام رايساد بادهيوثين -أحد قادة الحزب- بزيارة المعابد البوذيَّة والاجتماع مع رهبان البوذيّة في دهيولا لتخفيف حدة التوترات.

المصدر: موقع الإسلام اليوم.


: الأوسمة



التالي
الروهينغا.. شعب مضطهد منذ عقود
السابق
إندبندنت: الأردن في طريقها نحو "ثورة حقيقية"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع