البحث

التفاصيل

الضاري يوجه رسالة مفتوحة بمناسبة مرور عشر سنوات على احتلال العراق


 

وجه عضو مجلس الأمناء في الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأمين العام لهيئة علماء المسلمين فضيلة الشيخ الدكتور حارث سليمان الضاري رسالة مفتوحة بمناسبة مرور عشر سنوات على احتلال العراق، وفيما يلي نص الرسالة:


رسالة مفتوحة
بمناسبة مرور عشر سنوات على احتلال العراق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه..
وبعد، فهذه رسالة بهذه المناسبة التاريخية الكارثية إلى:

أولاً: أبناء شعبنا العراقي المجاهد

قد مرت عليكم عشر سنين عجاف من الاحتلال الامريكي والتدخل الإيراني لم تمر على أحد سواكم في العالم، وعانيتم من ظلمهما أشد المعاناة، وأقساها، وابتليتم بولايتين لصنيعة لهما، وهو حاكم مستبد جند نفسه لخدمة أسياده في واشنطن وطهران، فأوغل في دمائكم وبدد أموالكم وأعتقل أبناءكم وبناتكم وفعل بكم ما لم يفعله فرعون في قومه، بكل تحد وصلف.
وقد تحليتم طيلة هذه السنوات بالصبر، وتجرعتم المر، واستعنتم  بالله على الظالمين.
ومثلما أنبرى بعض أبنائكم من قبل لمواجهة المحتل بالحديد والنار وحقق هدفه ودفع المحتل للهروب من أرضكم بعد أن مُني بخسائر جسيمة في الأرواح والأموال فاقت خسائره في حرب فيتنام، أنبرى اليوم آخرون من أبنائكم أيضاً؛ لمواجهة حكومة الاحتلال وطاغيتها، ولكن هذه المرة بالتظاهرات والاعتصامات السلمية الحالية.


يا أبناء شعبنا العراقي الأبي:
إن هذه الفعاليات المباركة هي ورقتكم الأخيرة فتمسكوا بها، ولا تسمحوا لأحد أن يسلبها منكم، تحت أية ذريعة،  ونذكركم بضرورة المحافظة على سلميتها واعتماد الخطاب العراقي الوطني الجامع، والحذر من مزالق المفاوضات التي لن تحصلوا من ورائها على شيء إلا على الفتات الذي ما يلبث المالكي أن يسلبه منكم مرة أخرى إذا ما تركتم ساحات التظاهر والاعتصام، كما هي عادته في وعوده والتزاماته، ونحن على يقين أنكم إذا صبرتم وطاولتم فإن النصر سيكون حليفكم؛ لأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً.

ثانياً: إلى منتسبي  العملية السياسية في ظل الاحتلال

لقد خضتم غمار عملية سياسية نسج المحتل خيوطها،  ونفذ الإيرانيون بنودها، وكنتم أداوتها فحققتم للأمريكيين وللإيرانيين ما لم يستطيعوا تحقيقه بالقوة، وقد وصل شعبكم، وبلدكم؛ بسبب الغطاء الذي منحتموه لهذه اللعبة حد الانهيار على كافة المستويات، فلا أمن، ولا أمان، ولا خدمات، ولا حريات، ولا وجود للحد الأدنى من مقومات الحياة، وأصبح العراق في ظل عمليتكم السياسية وبشهادات دولية أسوء من الصومال ومينمار، فتوقفوا عن الإيذاء الذي تمارسونه ضد شعبكم المضطهد، وتوبوا الى الله سبحانه وتعالى، والتحقوا بركب المتظاهرين والمعتصمين، الذين دفعهم الظلم إلى أن يخرجوا بأنفسهم إلى ساحات العزة والكرامة يطالبون بحقوقهم ويستصرخون ضمائر العالم لتنتبه إلى معاناتهم، إنكم إن أخلصتم في ترك طريق الباطل فإنه سوف يكون وسيلة نجاتكم في الدنيا والآخرة، وإن الشعب سيغفر لكم أخطاءكم، ولكنكم إذا بقيتم في هذا الركب الذي تلوح في الأفق عوامل انهياره فإن الشعب لن يرحمكم وسيحاسبكم حساباً عسيراً.

ثالثاً: الى منتسبي الجيش الحالي ومنتسبي الأجهزة الأمنية في العراق:

عليكم أن لا تنسوا أنكم جزء من الشعب العراقي، ولعل منكم من اضطر للالتحاق بهذه الأجهزة بسبب الجوع والحرمان في البلاد، وعليه فإننا ننصحكم أن لا تكونوا جزءاً من عجلة الظلم الحكومي، وكونوا مع أبناء بلدكم، ولا تكونوا أداة للظلم والأذى لأهلكم وإخوانكم، وأعلموا أن  مستقبلكم مع أبناء شعبكم، وليس مع الحكومات الظالمة والزائلة.

رابعاً: إلى المثقفين والكتاب والصحفيين والأدباء والشعراء العراقيين وغيرهم

إننا نهيب بالمثقفين والكتاب والصحفيين للقيام بمسؤولياتهم في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ العراق وأن يقوموا بدورهم في تحرير بلدهم من التدخل الإيراني وظلم حكومات الاحتلال، وأن يظهروا الحقائق إلى الناس في جميع وسائل الإعلام وعبر مختلف النشاطات، كما نأمل من الأدباء والشعراء الذين يتألمون بآلام أمتهم ان يلفتوا أنظار العالم إلى معاناة شعبهم، وأن يجيشوا في نفوس أبنائه عواطف الحرية والعز والوحدة الوطنية، فإن ذلك كله من ضروب الجهاد وضرورات العمل الصحيح والواجب؛ لإنقاذ شعبنا من البلاء الجسيم الذي هو فيه الآن.

خامساً: إلى منظمات حقوق الإنسان في العالم:

لقد نشطت منظماتكم منذ 2008، في رصد الواقع المر في العراق، وقدمت بصدد ذلك تقارير خطيرة أكدتم فيها أن الفساد في العراق بلغ الذروة، وأن العراق يشهد في ظل الحكومة الحالية مصادرة للحريات، وتغييباً للرجال والنساء في سجونها السرية والعلنية، التي يتعرضون فيها للتعذيب الوحشي والاغتصاب المهين، وحملات الإعدام المنظمة التي ترتكبها الحكومة وسط تغييب لقضاء عراقي نزيه. 
إن الشعب العراقي اليوم يستصرخ العالم، ويستغيث الإنسانية، وينتخي الضمير وينادي الهيئات الأممية والدولية، ومنظماتكم خاصة أن تلتفوا لمعاناته، وعظيم مأساته، وهو ينشد التغيير؛ للتخلص من الحكومة وظلمها وجرائمها. 
وعليه فإننا نطالبكم أن لا يقتصر عملكم على إصدار التقارير بل ببذل الجهود العملية، وبقدر الإمكان؛ من أجل وقف المجازر التي ترتكبها الحكومة الحالية بحق الشعب العراقي وأبنائه العزل، وأن ترفعوا أصواتكم عبر المحافل الدولية لمعاقبة مرتكبي هذه الأفعال والجرائم الوحشية.

سادساً: إلى دول الجوار والمنطقة:

بعد إعلان الإدارة الأمريكية عن الانسحاب رسمياً من العراق وسحب معظم قواتها؛ أصبح لشريكها الإيراني النفوذ الأكبر فيه، وهو اليوم صاحب القرار، والمهيمن على لعبته السياسية، والممسك بملفه الأمني والاقتصادي والثقافي، وهو يمارس جرائم بحق العراقيين يندى لها الجبين؛ لذا ينبغي أن تتأكدوا أن الإيرانيين لديهم مشروع توسعي في المنطقة، وأن العراق ليس سوى الحلقة الأولى، إن تمكن من الإطباق عليها، فسيواصل طريقه نحو الحلقات الأخرى، وفي مقدمتها دول الخليج.
إن دول المنطقة إذا بقيت على خيار الصمت إزاء التدخل الإيراني في العراق وجرائمه النكراء بحق شعبه البريء فإنها ستدفع ثمناً باهضاً لهذا الصمت يطال أرضها وأمنها وحرياتها وثرواتها، عاجلاً أم آجلاً، ولات ساعة مندم. 

سابعاً: إلى حكام البيت الأبيض:

لقد قررتم الخروج رسمياً من العراق في عام 2011م، لتوفروا على أنفسكم المزيد من الدماء والأموال، ولكنكم بشهادة الجميع سلمتم العراق لإيران على طبق من ذهب- كما يقال- واخترتم للعراق حكومة تعمل لها بكل (تفانٍ وإخلاص) فلم تنكشف معاناة الشعب بخروجكم الرسمي، ولم يتوقف نزيف الدم ولا هدر المال العام، ولم يتحقق الاستقرار المزعوم، وبهذا الصنيع تبقون في إطار المسؤولية القانونية والتأريخية والأخلاقية لكل ما حصل، ويحصل، للعراق وشعبه.
ولقد آن الأوان أن ترفعوا أيديكم عن هذه الحكومة،  وتعترفوا بخطئكم في احتلال العراق ودعمكم لها، وإلا فإنكم ستبقون في دائرة الاتهام بالعداء، غير المبرر، للشعب العراقي وطموحاته في العيش الحر الكريم في بلد مستقر وآمن، كغيره من الشعوب الحرة والآمنة في العالم.

وبعد هذا:
فإننا نعاهد الله سبحانه بأن نبقى متمسكين بأهدافنا، وبثوابتنا الشرعية والوطنية،  ومدافعين عن حريتنا وكرامتنا، وحقوق شعبنا العراقي، وراصدين لكل المؤامرات التي تحاك ضده، من أية جهة كانت، داخلية، أو خارجية، دون مساومة أو مواربة، وساعين مع كل المخلصين لتحرير البلاد والعباد من نير المحتلين، وظلم الظالمين.
وندعو الشعب العراقي الكريم، بكل فئاته ومكوناته، من الشمال إلى الجنوب إلى توحيد صفوفه، والتمسك بحرية بلاده ووحدته الوطنية، المهددة من قبل أعدائها في الداخل والخارج، وإلى الوقوف بوجه الظلم والظالمين، أياً كانت انتماءاتهم وهوياتهم وشعاراتهم، وكما ندعوه الى دعم ومساندة المطالب المشروعة للمتظاهرين من العراقيين، التي تعبر عن إرادة كل المظلومين من أبناء الشعب العراقي، والتي ستكفل انقاذ العراق مما هو فيه من ظلم وفساد.

وختاماً:

فإننا، بهذه المناسبة نحيي المقاومة العراقية الباسلة، على بطولاتها الجهادية، وتضحياتها الجسام، وقهرها لقوات الاحتلال الامريكي وحلفائه، وإلحاقها الخسائر الكبيرة بها، التي يعتز بها ويفتخر كل عراقي أصيل، وكل عربي ومسلم غيور.
وندعو الله تعالى لشهدائها وشهداء المظاهرات المطالبة بالحقوق الأبرار، ولكل شهداء العراق، الذين قتلوا على يد قوات الاحتلال وعملائه بالرحمة والرضوان، وأن يمن الله على أهلهم وأقاربهم وأحبابهم بالصبر والإيمان والاحتساب، وعلى العراق وشعبه بالأمن والاستقرار، والخلاص القريب من شر اعدائه وكيدهم، انه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الأمانة العامة
لهيئة علماء المسلمين في العراق
27 جمادى الأولى/ 1434هـ
الموافق 8/4/2013م


: الأوسمة



التالي
العودة: قوة الصهاينة من ضعف الأمة
السابق
وفد من "التعاون الإسلامي" يزور ميانمار

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع