البحث

التفاصيل

في رثاء بلبل السودان المقرئ نورين صديق

الرابط المختصر :

في رثاء بلبل السودان المقرئ نورين صديق

بقلم: عامر الخميسي

 

أطرَبتنا كثيرا بِصوتك الشّجيّ ..

كم كنّا نَستمتع بِتلاوتك الرّقراقة التي تسري سريان الماء في العود..

 

كنتَ بلبلَ أهل السودان تطير بهم في أجواء الترتيلِ..

تُحلّق مُرفرفا فيهيم مع أصدائك كلُّ سامع..

 

رحلتَ مبُكرا عن دنيانا ولم نَشبع من تلاوتكَ، وكان صوتكَ النّدي الجميل بمثابة جنةٍ فيحاء فيها الظل الظليل، والموردُ العذبُ السلسبيل..

 

 

كنتَ بتلاوتك تَهُزُّ النّفوس هزّا وتسوقها لله سَوقا..

 

ما أعذب التّغني بالقرآنِ..

ما أجملَ أن تشعرَ وأنت تسمعه غضا طريّا كأنّهُ يتنزّل على قلبك..

للهِ أنتَ..

كيفَ كنتَ تجذب القلوب بتلاوتك فتطيرُ بها إلى معارجِ الأنسِ ومراتعِ الجمالِ..

 

هل حقا أنّ أهل السودانِ لن يستمتعوا بصوتك وأنت تصلي بهم  بعد اليومِ؟

 

هل حقا ستغيب عن المحاريب والخلاوى والتّراويح وجلساتِ أهل القرآنِ؟

 

سيحزنَ أهلُ السّودان لفقدهم بلبلا متّعهم زمنا قصيرا ثمّ طارَ ..

 

طارَ وبقي صداه يردد في الآفاق حسنا وطراوة وجمالا..

 

أذكرُ آخرَ مرّةٍ صليتُ بعدكَ ..سألتني ما الذي جاء بكَ؟

أجبت: لأداوي قلبي..

 

سماع القرآن من حافظٍ مجيدٍ متدبرٍ تشعرُ أنكَ تطير معه إلى حيثُ يريدُ أقرب الطرقِ لغسل القلبِ من أحداث الحياةِ ولأواء الزمان ومصارعةِ الأيامِ..

كان صوتكَ بلسما يشفي القلوب المجروحة، وتلاوتك ترياقا للأفئدة العليلة..وترنماتك راحة للأرواح المتعبة..

 

كان الذي يصلي خلفكَ وحتى من يسمعك يشعر أنك تقرأ من قلبك..

وكأن آيات الله تتدفّق من مشاعركَ، وتُسكبها سكبا من روحكَ..

ما رأيتُ قارئا إذا صلى بالناس تفيضُ عيناه فيض المزاد مثلك..

كنتَ تستشعرُ عظمةَ ما تقرأ فيسري ذلك إلى وجدانك فينتقل انتقال اللاسلكي إلى القلوب..

 

كان صوتك الرّخيم يخترقُ أنسجةَ القلوبِ ويَطغى على شِغافها ويصب على الأفئدة أنوارا من الحسنِ والبهاءِ، ويزينها بعناقيد الجمال والصفاء..

 

 أحقا صوتك لن يغرد بعد هذا المساء من مآذن السودان ومنائرها؟

 

ما الذي كنتَ تفعله بالقلوب حتى تستولي عليها؟

كيف كنت تسلب اللبّ بتلاوتكَ؟

لقد كنتَ فريدا حد الدّهشة.

لا يملّ السّامعُ عذوبة صوتكَ وسحرَ تلاوتكَ..

لقد كنتَ تحبّب القرآن إلى سامعيهِ، وتتفنّن في ترتيلك لكأنما هبطت من عالمِ الخلدِ..

رحلتَ ولا زال طيفك ساكنا في قلوبنا..

رحلت ولا زلنا نعالج الصدمة..

هذا صوتكَ نسمعه.. هذهِ دموعك تترقرق.. هذه حنجرتك تصدح.. هذا أنت ماثلٌ في قلوبنا..

 

سيحزنُ أهلُ السّودان كثيرا، وكل من صلّى بعدك..

سيحزنون طويلا، وحُقّ لهم ومن لا يحزن على فَقدِ من أوتيَ مزمارا من مزاميرِ آل داود..

 


: الأوسمة



التالي
الاتحاد ينعي وفاة فضيلة الأستاذ الدكتور صفة الله قانت (رحمه الله) أحد العلماء والدعاة البارزين في أفغانستان (رحمه الله)
السابق
سؤال من القره داغي لهيئة كبار العلماء بالسعودية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع