البحث

التفاصيل

حماس وطالبان في أسبوع التطبيع والخذلان

حماس وطالبان في أسبوع التطبيع والخذلان

بقلم: د. محمد الصغير

 

الأسبوع المنصرم ذخر بجملة أحداث هامة تتقاطع عند نقاط، وتتباين عند أخرى، لكن محصلتها النهائية تصب في نهر معركة الوعي، وتوضح خطوطا مهمة في خريطة الأمة، لاسيما في صراعتها الكبرى مع المتربصين بها.

البداية كانت بالتطبيع المجاني مع المحتل الغاصب الذي قدمته دولة الإمارات العربية، والذي تحول خلال أيام معدودات، إلى شراكة وثيقة في كل المجالات، حيث فُتحت المطاعم، وعُدلت قائمة الفنادق، واتحد البث التليفزيوني المباشر، حتى بنك أبوظبي الإسلامي الذي تقوم معاملاته على الطريقة الإسلامية، والمفترض أن له هيئة رقابة شرعية، أبرم اتفاق شراكة مع بنك لئومي الإسرائيلي، أساتذة الربا ورعاة القمار، بما يؤكد أن العلاقة الآثمة قديمة، وما حدث ما هو الإشهار وإظهار القِران. ثم تلتهم دولة البحرين التي غردت مع سرب التطبيع كعادتها في إعادة التغريد

تم هذا بحفاوة ورعاية من الرئيس ترمب ورجاله، حيث بدا الأمر كما لو كان لافتات انتخابية، رخيصة أو مجانية، قدمها الأتباع مشاركة في دعم حليفهم الأصهب في البيت الأبيض.

كما أظهرت الحفاوة هشاشة الاحتلال، وشعوره بفقدان المشروعية، ولهثه وراء أي اعتراف من أي أحد! وإلا فما الذي ستضيفه البحرين للصهاينة في السياسة والاقتصاد أو التاريخ والجغرافيا؟

الأمر لا يعدو إلا الفرح بشق الصف العربي، وزيادة أعداد المهرولين إلى التطبيع مع المحتلين، وإظهار الخيانات على أنها إنجازات، والاحتفاء بقيادات لا تمثل شعوبها، ولا تنتسب إلى أمتها.

 

مع طالبان:

 

وفي نفس التوقيت كان وزير خارجية أمريكا، على مائدة المفاوضات مع وفد حركة طالبان، لطي صفحة الحرب في أفغانستان، التي طالت إلى عشرين سنة، أُرهقت فيها أمريكا واستنزفت قواها البشرية والعسكرية، مع ثبات طالبان وتمكنها على الأرض، وهو ما جعلها تجلس بشروطها التي بدأت باختيار الدوحة ورعاية قطر، وأن نظام الحكم الإسلامي مسألة غير قابلة للنقاش أو التفاوض.

وقبل نهاية الأسبوع نفسه أذاعت قناة الجزيرة حلقة من برنامج "ما خفي أعظم" عرضت فيه صورا من تسليح المقاومة الإسلامية في غزة، ومصادر تسليح حركة حماس، وكيف تتغلب كتائب القسام على الحصار المفروض برا وبحرا، من خلال إعادة تصنيع مخلفات الحرب الإسرائيلية، التي نظرا لوفرتها وكثافتها يسقط بعضها دون انفجار!

ومع إحكام نظام السيسي للحصار، وهدم مدينة رفح المصرية بالكامل لهدم الأنفاق وإقامة الجدار العازل والفواصل المائية، مولت الإمارات قاعدة برنيس البحرية حتى تتمكن مصر من المساعدة في الحصار البحري أيضا، فأظهر الله كرامة المجاهدين، وتبدت عناية الله بالصابرين المحتسبين، وعثر رجال المقاومة على سفينتين بريطانيتين أغرقتهما القوات العثمانية قبالة غزة إبان الحرب العالمية الأولى، ونظرا لإحكام مخازن الأسلحة داخل السفينة، وجودة التصنيع ودقته، وجد رجال المقاومة بعضها مازال صالحا للاستعمال، والبعض الآخر يقبل التدوير وإعادة التصنيع، لاسيما مع ما تعانيه غزة من منع توريد الحديد والصلب إليها، بل أكد أحد قادة الصهاينة السابقين أن المواجهة المباشرة مع حماس غير مجدية، وأن محاولات احتوائها بالترغيب والترهيب لم تفلح، وعلينا أن نوكل المهمة لحلفائنا العرب !

 

تحت لحاف اسرائيل

 

نموذجان متقابلان في التعامل مع الصهاينة والأمريكان، ظهرا في أسبوع واحد، حتى لا يستبد اليأس بالقلوب ولا يستولي القنوط على النفوس، أو يظن الناس أن الخيانة والعمالة غدت سمة عامة.

في الوقت الذي تلهث الإمارات والبحرين للمبيت تحت لحاف إسرائيل أملا في حمل من سفاح، سبقتهم إليه مصر والأردن، ولم يُحصّلا إلا الحمل الكاذب، والسراب الخادع، ولحقهم عار الدهر، وجنابة لا يطهرها ماء البحر ولا النهر، في نفس الوقت ظهرت طالبان متمسكة بثوابتها، ثابتة على مبادئها، وكشفت حماس عن رسوخ قدمها، وتطور أسلحتها، واعتمادها على التصنيع المحلي، والقاسم المشترك بينهما تطبيق المنهج القرآني والأمر الرباني:

(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ). الأنفال/60

وجدير بأبناء الأمة الإسلامية دراسة النموذجين، واستخلاص الدروس والعبر من مسيرة الحركتين، حتى عوامل الاختلاف التي بينهما كفيلة بتقديم تجربة متجددة، لا تعتمد على الأطر الثابتة، والوسائل المتجمدة.

والفيصل في ذلك كله صفحات التاريخ التي تسجل بأحرف من نور أعمال المجاهدين وبطولات المقاومين، وتكتب بالسواد والسخام أسماء المطبعين والمطبلين.

 


: الأوسمة



التالي
فتوى: حكم الحمل بالتلقيح الصناعي في عدة الطلاق الرجعي والبائن..
السابق
الرباط في المسجد الأقصى

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع